أوصت عدد من الدول العربية مواطنيها بتأجيل السفر إلى بلدان أفريقية، من بينها تنزانيا وغينيا الاستوائية، بسبب انتشار فيروس "ماربورغ"، الذي ينتمي إلى عائلة "إيبولا"، والذي بدأ يدق ناقوس الخطر، مع إعلان الدولتين عن رصد تفشيات للمرض القاتل.
عرف العالم الفيروس في ستينيات القرن العشرين، لكن انتشاره في دول عدة مؤخراً، جعله خطراً يهدد بجائحة عالمية، خصوصاً أنه يتسبب في وفاة غالبية المصابين به. وطالبت السلطات في السعودية وسلطنة عمان والكويت والإمارات والبحرين، مواطنيها بعدم السفر إلى البلدين الأفريقيين إلى حين الإعلان عن السيطرة على المرض.
وتوضح المتخصّصة في الأمراض الجرثومية والمعدية، ندى شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، أنّ "فيروس ماربورغ ليس جديداً، لكنه عاد مؤخراً لينتشر في غينيا، ثم انتقل إلى تنزانيا، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى الدعوة لوقف التنقل عبر الحدود، للحد من انتشار العدوى"، وكشفت أنّ "الفيروس خطير جداً، ويؤدي إلى نسبة وفيات مرتفعة، إذ من الممكن أن يموت 9 من أصل كل 10 مصابين، وتنتقل العدوى عبر الاختلاط مع إفرازات المصاب، وعبر نقل الدم، أو العلاقة الجنسية، كما أنّ العدوى تنتقل من الأم إلى الجنين".
تضيف شمس الدين: "العوارض تبدأ بارتفاع في درجة الحرارة، وقد تتطور إلى نزيف من الأذن أو العينين، أو الجهاز الهضمي، أو الجهاز التنفسي. ماربورغ فيروس نزفي، وقد يتسبّب بالتهابات في القشرة الدماغية، ينجم عنها تصرفات غير اعتيادية للمريض، قبل أن يفارق الحياة".
اكتشف فيروس ماربورغ لأول مرة في عام 1967، في المدن الألمانية ماربورغ وفرانكفورت والعاصمة اليوغوسلافية بلغراد، وحدث ذلك بسبب تماس العمال الألمان مع أنسجة سعادين الهجرس في مجمعات صناعية. في هذه الفاشيات، أصيب 31 شخصاً بالعدوى، وتوفي سبعة منهم.
لا توجد لقاحات أو علاجات معتمدة لعلاج المرض الناتج عن ماربورغ
في الفترة من 1998 إلى 2000، سجلت الكونغو الديمقراطية 154 إصابة، وتوفي من بينها 128، وفي 2005، سجلت أنغولا 374 إصابة، وتوفي من بينها 329، وفي 2012، سجلت 15 إصابة في أوغندا، وتوفي 4 منها، وفي 2017، سجلت أوغندا مجدداً ثلاثة مصابين، وتوفوا جميعاً، حسب منظمة الصحة العالمية.
في عام 2021، أُبلغت غينيا عن اندلاع فاشية مرض فيروس ماربورغ لأول مرة في غرب أفريقيا، وأشارت نتائج التسلسل الجيني إلى أن جينومات فيروس ماربورغ من غانا مرتبطة بالتسلسل الجيني لفاشية عام 2021، وترتبط بشكل عام بالتسلسلات الجينية التي جرى الحصول عليها من الخفافيش في سيراليون، وفاشية شهدتها أنغولا في 2004.
وفي يوليو/تموز 2022، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أول تفشٍّ لفيروس ماربورغ في غانا، بعد تأكيد إصابة حالتين، وفي 16 سبتمبر/أيلول 2022، أعلنت وزارة الصحة في غانا، انتهاء فاشية فيروس ماربورغ التي تضررت منها مناطق أشانتي وسافانا والمناطق الغربية من البلاد، وذلك بعد مرور 42 يوماً على اكتشاف آخر إصابة مؤكدة في 5 أغسطس/آب، وهي ضعف الفترة القصوى لحضانة عدوى ماربورغ، وفق تقييم منظمة الصحة العالمية.
وفي 25 فبراير/شباط الماضي، قالت وزارة الصحة الإسبانية إن فحوصاً أجريت على رجل زار غينيا الاستوائية في الآونة الأخيرة، واشتُبه في إصابته بفيروس ماربورغ، جاءت سلبية، وأنه غير مصاب بالفيروس المميت.
في 29 مارس/آذار الماضي، قالت منظمة الصحة العالمية، إنها على دراية بوجود إصابات إضافية بفيروس ماربورغ في غينيا الاستوائية، وحثت حكومة البلاد على الإبلاغ عنها بشكل رسمي. وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "لا يزال عدد الحالات المسجلة رسمياً تسع حالات، مع سبع وفيات في ثلاث مقاطعات. يفصل بين هذه المقاطعات الثلاث 150 كيلومتراً، ما يشير إلى انتشار أوسع للفيروس. ثمة تفش للفيروس في تنزانيا أيضاً، حيث أبلغت السلطات عن ثماني إصابات في منطقة واحدة، من بينها خمس وفيات".
في اليوم التالي، أعلن مسؤولون بوزارة الصحة في غينيا الاستوائية إصابة 13 شخصاً بفيروس ماربورغ منذ بداية انتشاره في البلاد، من بينهم 9 وفيات.
ويقول طبيب الأمراض الجرثومية والمعدية، علي أحمد ضيا، لـ"العربي الجديد"، إن "فيروس ماربورغ خطير وفتّاك، ويصل معدل وفياته إلى 88 في المائة، لكن انتشاره ليس سريعاً كما هو حال فيروس كورونا، وهذا ما يخفف قليلاً من حدّته. لكنّه أشد خطورة لأنّه لم يجر تطوير أي طريقة علاج أو لقاح له، ويرتفع خطر الوفاة عندما تتطوّر حالة المصاب إلى النزيف". وكشف أنّ "فترة الحضانة تمتد بين ثلاثة إلى تسعة أيام، ومن الضروري إجراء فحص فيروسي، وفي حال عدم توفر الفحص، ينبغي حجر الشخص القادم من منطقة موبوءة فور ملاحظة معاناته من عوارض، مثل الحمى أو الصداع، كمال أنه من المهم عدم الاختلاط بالمصاب المعزول، إذ تنتقل العدوى من خلال الإفرازات مثل العرق واللعاب والدم، لكن لا داعي لوضع كمامة، كما كان الحال مع فيروس كوفيد-19".
وإذ أشار إلى أنّ "أصل الفيروس يأتي من الخفافيش في أفريقيا، وقد جرى التعرف عليه للمرة الأولى عام 1967 في ماربورغ يضيف ضيا: "احتمالات انتشار الفيروس أقلّ في المنطقة العربية، لكنها ترتفع حال قدوم مصاب من المناطق الموبوءة، كما تكمن الخطورة في استيراد الخضراوات والفواكه من تلك المناطق الموبوءة، ما يستدعي غسلها وتعقيمها".
تنتقل العدوى من المصابين بفيروس ماربورغ إلى الآخرين بعد ظهور الأعراض
ينتمي فيروس ماربورغ إلى عائلة "إيبولا"، وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن العدوى لا تنتقل من الأشخاص المصابين إلى الآخرين إلا بعد ظهور الأعراض عليهم، ويمكن أن تنتقل عن طريق الدم، أو سوائل الجسم، أو الأشياء الملوثة كالأغطية أو الملابس أو الإبر، كما يمكن أن تنتقل العدوى إلى أفراد الأسرة أثناء قيامهم برعاية أقاربهم المرضى. ويؤكد موقع "مايو كلينيك" الطبي، أن أفراد الطاقم الطبي يمكن أن يُصابوا أيضاً إذا لم يستخدموا معدات الوقاية الشخصية المتخصصة التي تغطيهم من الرأس إلى أخمص القدمين.
يبدأ ظهور أعراض "ماربورغ" خلال 5 إلى 10 أيام من الإصابة، وتتضمن الأعراض المبكرة الحمى، والصداع، وآلام في المفاصل والعضلات، ومع مرور الوقت، تصبح الأعراض حادة بشكل متزايد، وقد تتضمن الغثيان والقيء والإسهال الذي قد يكون دموياً، بالإضافة إلى احمرار العين، والطفح الجلدي، وآلام في الصدر، وسعال، والتهاب الحلق، وألم بالمعدة، ونقص الوزن الشديد.
وتحذر منظمة الصحة العالمية من تحول المرض الناتج عن فيروس ماربورغ إلى وباء، مؤكدة أنه من الصعب في المرحلة المبكرة للإصابة التمييز بواسطة التشخيص السريري بينه وبين العديد من الاعتلالات الحموية المدارية الأخرى، بسبب أوجه التشابه في أعراضها السريرية، ومن بينها حالات الحمى النزفية الفيروسية، وحمى فيروس إيبولا، والملاريا، والتيفوئيد، وقد تنجم الإصابة البشرية عن الوجود لفترات طويلة في مناجم أو كهوف مأهولة بخفافيش "روزيتا".
وعلى الرغم من أنه لا توجد لقاحات أو علاجات معتمدة لعلاج هذا الفيروس، فإن الرعاية الداعمة التي تشمل الإماهة بالسوائل الفموية أو الوريدية، وعلاج أعراض محددة للمرض، يزيدان من احتمال بقاء الفرد على قيد الحياة، بحسب منظمة الصحة.
ونشرت منظمة الصحة العالمية خبراء تقنيين لدعم تعزيز الوقاية من العدوى ومكافحتها، والتنسيق، والترصد، وإجراء التحريات، وتقييم المخاطر، كما وُضع نظام متكامل لترصد الأمراض والاستجابة لها، واختبار الإنذارات المبلّغ عنها، ونُفذت أنشطة الترصد، بما في ذلك التحري الوبائي، وجرى تتبّع 198 مخالطاً، كما جرت توعية العاملين في مجال الرعاية الصحية، بشأن تعريف الحالة، وتدابير الوقاية من العدوى.
ووفقاً لنصائح عمّمتها منظمة الصحة العالمية، تشمل تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها، التعرف المبكر عبر الفحص والفرز، وعزل الحالات المشتبه في إصابتها، وتوفير البنية التحتية والموارد البشرية المناسبة للعزل، وحصول العاملين في مجال الرعاية الصحية على مواد النظافة الشخصية، وعلى معدات الحماية الشخصية المناسبة، فضلاً عن الممارسات الآمنة للحقْن، واعتماد الإبر ذات الاستخدام الواحد، والإدارة المناسبة للنفايات المعدية، إضافة إلى مواصلة تعزيز أنشطة الترصد والاستجابة المتكاملة للأمراض، بما في ذلك الترصد المجتمعي.