دعا ناشطون وسياسيون إلى إيجاد حلّ لفوضى السلاح في العراق، حيث تكشف المواجهات المسلحة المتتابعة بشكل شبه يومي كثافة السلاح المنفلت لدى المواطنين، وسط تأكيدات بأن العراقيين باتوا يحملون السلاح حتى في تحركاتهم المدنية.
وتسجل البلاد اشتباكات مسلحة تكاد تكون شبه يومية، بعضها تندرج ضمن النزاعات العشائرية، وأخرى خلافات ومشاجرات آنية تحدث في الأسواق والمناطق السكنية، وحتى الدوائر الحكومية.
وكان آخر تلك الاشتباكات حادثا مدينتي الصدر "سوق مريدي" و"بغداد الجديدة" اللذان وقعا يومي السبت والأحد، وأديا إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بعد اشتباكات بأسلحة رشاشة ومسدسات شخصية وسط الشوارع وبين المواطنين، وعلى مقربة من سيارات للشرطة.
السلاح في سيارات العراقيين
وعلى الرغم مما لاقاه الحادثان من انتقادات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الإجراءات لم تكن بالمستوى المطلوب، فيما قلّل جهاز الشرطة العراقي من شأنهما.
وقال المستشار الأمني لوزارة الداخلية، سعد معن، تعليقاً على الحوادث: "لا يمكن وضع شرطي ورجل أمن في كل زقاق ومحل تجاري يراقب تصرفات الأفراد، وهو أمر مستحيل"، مؤكداً أن "البلاد تشهد ازدهاراً أمنياً انعكس على مفاصل عديدة في الحياة العامة".
من جهته، أكد ضابط رفيع في جهاز الشرطة العراقية أن "السبب الرئيس في تلك الحوادث انتشار السلاح الشخصي، إذ إن العراقيين باتوا يحملون السلاح (مسدسات شخصية أو بنادق كلاشنكوف) في سياراتهم الشخصية، وبشكل واسع، على الرغم من أن ذلك يُعَدّ مخالفة للقانون"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، ومشترطاً عدم ذكر اسمه، أن "معظم الذين تُضبط أسلحة بحوزتهم يبرزون هويات تثبت انتماءهم إلى جماعات مسلحة معينة أو أحزاب متنفذة".
الهجوم المسلح الذي استهدف عجلة في منطقة #بغداد_الجديدة يسفر عن مقتل 3 أشخاص.
— Noor Al Janabi ツ نور آلج ـنآبــي (@BeNtAlNoOor22) February 24, 2024
مو كافي قتل يا مجرمين ؟ pic.twitter.com/5K8y8rBrFL
وأوضح أن "نسبة كبيرة من هؤلاء حصلوا على رخص لحمل السلاح، وأن غير الحاصلين على الرخص يستغلون انتماءاتهم لتلك الجهات المتنفذة لحملهم السلاح"، مشيراً إلى أن "هذا السلاح للأسف لا يستخدم في الحماية الشخصية من المخاطر، بل بات سبباً في تسجيل الاشتباكات المسلحة".
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد أعلنت، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، استعدادها لإطلاق مشروع جديد لـ"حصر السلاح بيد الدولة"، ويتضمن شراء الأسلحة من العراقيين، مؤكدة أن "697 مركزاً لشراء الأسلحة من المواطنين بات جاهزاً، وإن النافذة الإلكترونية جاهزة أيضاً".
واليوم الأربعاء، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد ميري، في تصريح لصحيفة "الصباح" الرسمية، أن "استراتيجية حصر السلاح المنفلت من قبل وزارة الداخلية مستمرة إلى نهاية العام الحالي بتاريخ الـ31 من ديسمبر/ كانون أول كسقف زمني، ومن ثم ننتقل إلى مراحل أخرى"، مبيناً أنه "تم تشكيل لجنة وتحديد أسعار الشراء، ولم يبقَ إلا التصديق عليها، والوزارة جادة بتنفيذ البرنامج الحكومي".
فوضى السلاح تقوض الامن وتجعل حياة المواطن البسيط مهددة وتزعز القانون ، المقاطع الاخيرة التي تم تداولها لحالات القتل بسلاح بين اشخاص في الشوارع تستدعي الوقوف الحكومي الجاد للحد من انتشار السلاح واستعماله العبثي وبخلافة سيؤثر ذلك بشكل كبير على امن المواطن وشعوره بالامان
— Saib Khidir (صائب خدر) (@khidirsaib) February 25, 2024
النائب صائب خدر حذر من خطورة الوضع الأمني، وانتقد ضعف الإجراءات الحكومية، مشدداً على أنّ "فوضى السلاح تقوّض الأمن وتجعل حياة المواطن البسيط مهددة، وتزعزع القانون"، مؤكداً أن "المقاطع الأخيرة التي جرى تداولها لحالات القتل بسلاح بين أشخاص في الشوارع تستدعي الوقوف الحكومي الجاد للحد من انتشار السلاح واستعماله العبثي، وبخلافه سيؤثر ذلك بشكل كبير في أمن المواطن وشعوره بالأمان".
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حذر ناشطون ومدنيون من خطورة انفلات السلاح في البلاد.
وعلّق الصحافي العراقي عمر الجنابي على حادثة "سوق مريدي" بتدوينة له على "إكس": "جانب من الأمن والأمان في سوق مريدي بالعاصمة بغداد.. خلاف ودي بين مواطنين، في ظل حكم الفصائل المسلحة للبلاد!".
جانب من الأمن والأمان في سوق مريدي بالعاصمة بغداد
— عمر الجنابي (@omartvsd) February 25, 2024
خلاف ودي بين مواطنين، في ظل حكم الفصائل المسلحة للبلاد. pic.twitter.com/PkEhXlkToQ
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق استتباب الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة في الأمن المجتمعي. وسبق أن تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية حول قدرته على الوفاء به.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق كلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية في جنوب البلاد ووسطها.
وتملك غالبية هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلّحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين إلى التفكير في الدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.