تنتشر في مستشفيات ودور رعاية المسنين في الولايات المتحدة الأميركية بكتيريا فطرية يطلق عليها اسم "كانديدا أوريس" أو أوريس سي". ورصد تقرير جديد أصدرته جمعية الأطباء الأميركية تضاعف عدد الإصابات بهذا النوع من الفطريات أكثر من ثلاث مرات بين عامي 2019 و2021، ما يشكل ظاهرة مقلقة للغاية، لأن هذه الفطريات التي تعرف أيضاً باسم المبيضات تقاوم العديد من الأدوية، ما يجعلها بين أصعب أنواع العدوى. عام 2009، جرى تحديد أول إصابة ببكتيريا "كانديدا أوريس" الفطرية في اليابان، ثم انتشرت أكثر من 30 دولة، وجرى تعريفها بأنها عدوى تسببها خميرة (نوع من الفطريات) تحمل اسم مبيضات، علماً أن بعض أنواع هذه المبيضات قد تتسبب في عدوى للبشر، وفي مقدمها "الكانديدا البيضاء" الأكثر شيوعاً.
ووجدت دراسات أن هذا النوع من الفطريات ظهر أولاً في كوريا الجنوبية عام 1996، لذا يعتبره المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض مرضاً ناشئاً بعد رصد تزايد أعداد الإصابات في بلدان مختلفة منذ تاريخ اكتشافه والتعرف إليه.
واللافت أن هذا النوع من الفطريات موجود في شكل طبيعي على الجلد وأماكن في الجسم، مثل الفم والحلق والأمعاء والمهبل، من دون أن يتسبب في مشكلات صحية، لكنه قد يؤدي إلى التهابات إذا خرج عن السيطرة أو دخل في عمق الجسم، وبينها في مجرى الدم أو في أعضاء داخلية مثل الكلى أو القلب أو الدماغ، أما انتشار نوع "كانديدا أوريس" تحديداً فيثير العديد من المخاوف.
وبحسب دراسة أجريت في الولايات المتحدة جرى الإبلاغ عن إجمالي 3270 حالة سريرية و7413 حالة لنوع "كانديدا أوريس" الأكثر تأثيراً على الصحة العامة. وحددت الدراسة بـ44 في المائة النسبة المئوية لزيادة الحالات السريرية سنوياً عام 2019، و95 في المائة عام 2021. ويعتبر ارتفاع عدد الحالات السريرية ظاهرة مقلقة جداً، بحسب مذكرة أصدرها المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، لأنه يمثل تهديداً خطيراً للصحة العالمية للأسباب التالية:
- تقاوم هذه الأنواع من الفطريات الأدوية حتى تلك المضادة للفطريات التي يشيع استخدامها لعلاج عدوى المبيضات.
- يصعب التعرف إلى هذه الأنواع من الفطريات، كما يمكن تشخيص وجودها في الجسم بشكل خاطئ في مختبرات تفتقر إلى تقنيات معينة.
- تتسبب هذه الأنواع من الفطريات في تفشّي المرض في أماكن الرعاية الصحية، لذا من المهم التعرف بسرعة إلى وجود "أوريس سي" داخل جسم مريض بمستشفى حتى اتخاذ مرافق الرعاية الصحية احتياطات خاصة لوقف انتشارها.
ولا ينكر اختصاصي الصحة العامة الدكتور درويش العلي أن انتشار هذا النوع من الفطريات له نتائج سلبية على الصحة العامة، ويقول لـ "العربي الجديد": "يعد هذا النوع من الفطريات الأكثر انتشاراً في الأماكن الطبية، وقد يصيب العديد من المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، لأن إمكان التقاط هذا النوع من الفطريات عالٍ جداً، وقد يتسبب في مشكلات صحية". ويتسبب هذا النوع من الفطريات في التهاب جروح وحصول التهابات أخرى في مجرى الدم والأذن. وتشخص العدوى عن طريق زرع الدم أو سوائل أخرى في الجسم. ومع ذلك يصعب التعرف إلى "كانديدا أوريس"، إذ يمكن الخلط بينه وبين أنواع أخرى، خاصة مبيضات الهايمولوني، لذا هناك حاجة لإجراء فحوصات مخبرية خاصة لتحديد "كانديدا أوريس"، وفق ما يذكره المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض.
وفيما يبقى السؤال الأساس هل يمكن انتقال العدوى بين البشر؟ يستبعد خبراء صحيون حصول ذلك لأشخاص لا يعانون من مشكلات صحية، "لأن انتشار هذا النوع من الفطريات يتركز في مرضى داخل دور لرعاية مسنين ومستشفيات مزودين بخطوط وأنابيب داخل أجسامهم، مثل أنابيب التنفس والتغذية والقسطرة الوريدية المركزية، لذا لا يرجح أن يزيد السفر الروتيني إلى بلدان تتضمن عدوى موثقة ببكتيريا "كانديدا أوريس" فرصة إصابة شخص".
ولا تقتصر مشكلة انتشار هذا النوع من الفطريات على الولايات المتحدة، إذ دقّت دور رعاية صحية في كندا في 22 مارس/ آذار الماضي ناقوس الخطر، بعد إبلاغ وكالة الصحة العامة في البلاد رصد إجمالي 43 حالة مقابل 19 حالة في السنوات الثلاث الماضية. وقالت وكالة الصحة العامة الكندية على موقعها في الإنترنت إن "احتمال انتشار كانديدا أوريس يمكن أن تكون له آثار خطيرة على نظام الرعاية الصحية الكندي".
ويوضح أستاذ قسم الكيمياء الحيوية والعلوم الطبية الحيوية في جامعة ماكماستر الكندية جيري رايت، لصحيفة "ناشيونال بوست"، أن "هذا النوع من الفطريات خطير للغاية، لأنه يمكن أن يتكاثر في أجسام ذوات الدم الحار، وهذا شيء مزعج. أما المشكلة الأخرى فتتعلق بكونه مقاوماً للأدوية المضادة للفطريات، ما يجعله فعلاً تهديداً حقيقياً".
ويعاني عادة الأشخاص المرضى أو الذين لديهم ضعف في المناعة من إمكان الإصابة بهذا النوع من الفطريات، خاصة أن معدل الوفيات عالمياً بسبب هذه الفطريات يتراوح بين 29 إلى 53 في المائة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ويوضح المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض أنه "يمكن علاج معظم حالات عدوى كانديدا أوريس بأدوية إشينوكاندين المضادة للفطريات، لكن بعض أنواع عدوى بكتيريا كانديدا أوريس تقاوم الفئات الرئيسية من الأدوية المضادة للفطريات، ما يجعل علاجها أكثر صعوبة".