"لكلّ إنسان أمنياته التي يسعى إلى تحقيقها بشتى الطرق، لكنّ أمنيتي كانت تختلف عن معظم أبناء البشر، فهي كانت امتلاك الهوية... كنت بلا هوية". هكذا تعبر الثلاثينية فاطمة، عن أمنيتها هذه، مختصرة معاناة عشرات الآلاف مثلها في إيران، ممن عاشوا لعقود بلا هوية، لذنب لم يرتكبوه، بل لأنّ أمهاتهم الإيرانيات تزوجن من آبائهم الأجانب، وعدم سماح القانون للمرأة بتمرير جنسيتها لأبنائها.
فاطمة، سعيدة جداً في الوقت الراهن بعد حصولها على الهوية الإيرانية إلى جانب هويتها الأفغانية التي ورثتها عن والدها الراحل، وهي تشكر "كلّ من ساهم في حلّ المعضلة". اضطرت فاطمة للانتقال من كرمان جنوبي إيران، إلى العاصمة طهران قبل عشر سنوات، رفقة أمها وشقيقها وشقيقتيها، بسبب المشاكل الاقتصادية، فعمل شقيقها وأمها لإعالة الأسرة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها وشقيقتيها، واجهن مشاكل وعراقيل إدارية في مواصلة التعليم في طهران، لأنّ أسماءهن مسجلة بدائرة الهجرة والإقامة في كرمان. تضيف أنّها عانت من صعوبات ومشاكل في تسجيل الزواج من خطيبها الإيراني بعد عقد القران بينهما، قبل عامين "لكن بعد حصولي على الهوية الإيرانية، بات الأمر سهلاً وهذا يضاعف سعادتي، إذ بادرنا إلى تسجيل الزواج رسمياً، وسأنتقل إلى البيت الزوجي المشترك بهوية محددة أفتخر بها".
يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لم يكن يوماً عادياً في إيران، بل كان يوم انتصار حقوق الإنسان، خصوصاً حقوق الطفل والمرأة، ففي هذا اليوم مُنحت أول هوية إيرانية لطفل مولود من أم إيرانية وأب أجنبي. جاء ذلك بعد نقاشات قانونية، استمرت أكثر من عقدين، قبل أن يقرّ البرلمان، خلال العام الماضي، لائحة تقدمت بها الحكومة بشأن منح الجنسية لأطفال أمهات إيرانيات متزوجات من أجانب. قبل إقرار القانون، كان يمكن لهؤلاء الأطفال تقديم طلب للحصول على الجنسية الإيرانية بعد بلوغ الثامنة عشرة، بموجب قانون أقرّ عام 1934، لكن بسبب ثغرات فيه، كان من الصعب عملياً الحصول على الجنسية. أما القانون الجديد، فيمنح الهوية الإيرانية قبل الوصول إلى الثامنة عشرة عبر تقديم الأم طلباً بذلك. أما من تجاوزوا الثامنة عشرة في الوقت الحالي، فيمكنهم تقديم الطلب بأنفسهم للحصول على الهوية، شريطة عدم وجود "سابقة أمنية" في سجلاتهم، إذ يمكن أن يحول هذا العائق دون منح الهوية الإيرانية.
سارا أصفهاني، شابة إيرانية تزوجت قبل عشرة أعوام من الشاب الفلسطيني عامر، وكانت نتيجة زواجهما بنتين، عمرهما حالياً 8 أعوام و7 أعوام. تقول سارا لـ"العربي الجديد" إنّ أسرتها واجهت "مشاكل صعبة حتى في التنقل داخل إيران والسفريات الخارجية بسبب عدم امتلاك البنتين جواز السفر والهوية"، مشيرة إلى أنّهما كانتا محرومتين من خدمات التأمين الصحي أيضاً. عاشت سارا "ضغوطاً نفسية وقلقاً مستمراً" طوال هذه السنوات، وتعلق: "لم يكن أمامنا خيار إلاّ الصبر لحلّ المشكلة". تضيف أنّ ابنتيها "ستكون لهما الحقوق نفسها كما لبقية الإيرانيين الآن، بعدما كانتا محرومتين منها"، موضحة أنّ الأسرة تقدمت بطلب للحصول على الجنسية للبنتين، لكنّ العملية تستغرق ثلاثة أشهر. وتؤكد سارا أنّها حريصة على الحصول على الجنسية لبنتيها "بشكل سريع جداً" لقلقها مما يمكن أن يحدث مستقبلاً في حال تغير القانون.
من جهته، يعبر عامر، زوج سارا، عن سعادته بالقانون الجديد. يقول لـ"العربي الجديد": "سيكون بمقدورهما العيش براحة أكبر". لكنّه لا ينسى فلسطين، بل يؤكد: "سأذكّرهما دوماً بأنّهما من فلسطين قبل أن تكونا من إيران. وطننا محتل، وعلينا أن نعلّم ونذكّر أولادنا بأنّنا يوماً ما سنعود إلى هذا الوطن حتماً لنعيش فيه"، مشيراً إلى أنّهما "لديهما جواز سفر فلسطيني، وبهذا الجواز أنجز مسائلهما الإدارية". عن الحقوق والامتيازات التي سيحصل عليها الحاصل على الجنسية الإيرانية، يضيف أنّه "في إطار القوانين الإيرانية سيحصل من يحمل الهوية على الحقوق الفردية والاجتماعية كالإيرانيين، مثل التعليم المجاني والتأمين الصحي وحق الملكية وفتح الحسابات المصرفية إذ لن تغلق حساباته بعد انتهاء فترة الإقامة".
لا أرقام رسمية عن أعداد الأشخاص الذين ولدوا من أمهات إيرانيات وآباء أجانب، لكنّ المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، كشف عبر "تويتر" بعد إقرار القانون أنّ "150 ألف طفل سيكون بإمكانهم الحصول على الهوية الإيرانية". من جهتها، قالت البرلمانية الإيرانية، فاطمة ذو القدر، نائبة رئيس لجنة الثقافة البرلمانية، في مايو/ أيار 2019 إنّ "هناك 15 ألف أسرة، الأم فيها إيرانية والأب أجنبي، و69 في المائة من أطفالهم تحت 19 عاماً، والوضع الاقتصادي لـ60 في المائة من هذه الأسر متدنٍّ". أشارت كذلك، إلى أنّ "هذه الأسر تواجه مشاكل أساسية في تلقي خدمات التعليم، فنحو 45 في المائة من الأطفال لم يدخلوا المدرسة أو تسربوا بعد التسجيل". كذلك، كشف سلمان ساماني، المتحدث باسم وزارة الداخلية الإيرانية، المخولة قانونياً بتنفيذ قانون منح الجنسية لهؤلاء الأطفال، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنّ 50 ألف طفل لهؤلاء الأمهات أعمارهم تحت 18 عاماً، سجلوا في موقع إلكتروني خاص بالحصول على الجنسية الإيرانية، بالإضافة إلى 30 ألفاً هم في الثامنة عشرة وما فوق. وأشار إلى "اكتمال أكثر من 12 ألف ملف وإرسالها إلى الجهات المعنية للاستعلام".
تجدر الإشارة إلى أنّ معظم زيجات الإيرانيات من أجانب تعود إلى مواطنين أفغان وعراقيين، فبحسب البيانات الإيرانية، يشكل المهاجرون الأفغان نحو 4 في المائة من عدد سكان إيران، البالغ عددهم أكثر من 80 مليون نسمة، إذ يعيش فيها نحو 3 ملايين مهاجر أفغاني، منذ أربعة عقود، بمستندات قانونية، أو غير ذلك.