فخار غزة... نكهات طعام مميزة تغزو العالم

08 اغسطس 2023
للفخار استخدامات عدة في غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

في العاصمة الأميركية واشنطن، يُعِد منصور أبو حسين (43 سنة)، الفول والحمص على الطريقة الفلسطينية وغيرهما من المأكولات كل يوم أحد، ويقدمها لأصدقائه من الجنسيتين الأميركية والفرنسية، ولا ينسى وضع الفول والحمص في فُخارتين من قطاع غزة. كانتا وصلتاه داخل طرد صغير من أسرته التي استعانت بأحد جيرانه في بداية هذا العام، ليصبح إعداد هذه المأكولات الفلسطينية فيهما أمراً حتمياً أثناء إجازته الأسبوعية.
ويحمل الكثير من الغزيين الفخار من القطاع كهدايا للأقرباء والأصدقاء العرب والأجانب في بلدان إقامتهم من أجل تحضير أطباق الفول والحمص مع الزيت والسلطات الفلسطينية، ومعها أداة المدقة التي تصنع من الخشب أو البلاستيك، بالإضافة إلى غيرها من المأكولات والعطريات التي غالباً ما تكون موجودة لدى الأسر الغزية في الخارج.
يعمل أبو حسين أستاذاً جامعياً في الهندسة الإلكترونية، وكان قد تخرج من الجامعة الإسلامية في غزة ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية. وفي منزله الصغير معلّقات لفلسطين وصور وأدوات قديمة يتحدث عنها بفخر لزملائه وأصدقائه الأميركيين. 
أحد الأسباب التي دفعت أبو حسين لجلب الفخار هو جداله مع أحد الأكاديميين عن أصل إعداد الحمص والفلافل، وقد ظن الأخير أنها إسرائيلية كونه كان يشتريها من محل كتب صاحبها خارجه أنه يبيع منتجاً إسرائيلياً. اضطرّ إلى إعداد الحمص على الطريقة الفلسطينية مع زيت الزيتون ووضع رشة من الكمون عليه مع حبوب الحمص المسلوقة ليتذوقها زملاؤه ويحكي لهم قصة الفول والفلافل والحمص المرتبطة بفلسطين وبلاد الشام ومصر كجزء من هوية مشتركة عبر التاريخ.
ويقول أبو حسين لـ"لعربي الجديد": "الفخار الغزي بالنسبة لنا هوية ومصدر فخر. نضع فيه الماء ونشربه، ونعد أطباق الطعام فيه، بالإضافة إلى استخدامات أخرى"، ويلفت إلى "أننا نحتاج إلى تصريح إسرائيلي في حال أردنا إحضار كمية كبيرة منه إلى الولايات المتحدة لأننا نعيش تحت حصارهم. هكذا أعرِّف الشعب الأميركي بمعاناة مجتمعنا الفلسطيني تحت الاحتلال".

يجد الغزيون صعوبة في تصدير الفخار (محمد الحجار)
يجد الغزيون صعوبة في تصدير الفخار (محمد الحجار)

يضطر الغزيون إلى التقيد بالشروط الإسرائيلية لتصدير منتجاتهم المحلية إلى خارج القطاع. وتتيح إسرائيل تصديراً محدوداً فقط إلى مدن الضفة الغربية. وأخيراً، بدأت بعض المشاريع لنقل المنتجات غير الثقيلة إلى خارج القطاع ضمن مكاتب بريد معتمدة وتخضع إلى تفتيش دقيق من الجيش الإسرائيلي. وتشير دراسات إلى أن غزة ما بين القرنين الرابع والسابع الميلادي كانت تصدر سلعا ومنتجات من فخار (جرة غزة)، وعثر على آثارها في أهم موانئ العالم القديم، وكانت الحركة التجارية تنشط مع بروز صناعة أشكال مختلفة من الفخار من أوانٍ وأباريق وجرار. 
يتواجد فلسطينيون في العاصمة البريطانية لندن منذ عشرات السنوات، وهم ينتمون إلى كافة المناطق والمحافظات. يقول صبحي حميد (47 سنة)، وهو طبيب متخصص في أمراض القلب ومقيم منذ عشر سنوات في لندن، إن أكثر من نصف الفلسطينيين الذين زارهم في المدينة يحرصون على وجود أطباق من الفخار في منازلهم لتقديم المأكولات الفلسطينية.

يكثر وجود الفخار في بيوت الفلسطينيين (محمد الحجار)
يكثر وجود الفخار في بيوت الفلسطينيين (محمد الحجار)

ويضيف لـ"العربي الجديد": "في كل منزل فلسطيني في الخارج تجد الكوفية والعلم الفلسطيني والمطرزات القديمة والحديثة. قد ينسى الناس الصور لكنهم لا ينسون النكهات المميزة التي يتذوقونها والتي تختلف عن ثقافاتهم. طبق سلطة غزاوية بالفلفل الحار مع نبات الجرادة وزيت الزيتون أمتع ما يكون بالنسبة لأصدقائي، والذين أطلقوا عليه اسم (صحن غزة). أما في فلسطين، فنحن نطلق عليه اسم السلطة الغزاوية أو الدقاقة الغزاوية".

الأمر نفسه ينسحب على الفلسطينيين من أهل غزة الذين يعملون في الدول العربية. سمير حجاج يعمل مهندساً ميكانيكياً في أحد فروع شركات السيارات المعروفة في مدينة جدة السعودية، وفي منزله أوانٍ فخارية من مختلف الأنواع، وهو يعتز بها بين أصدقائه العاملين معه من مختلف الجنسيات.

يقول لـ"العربي الجديد": "أملك أواني فخارية مصنوعة من الصلصال الأبيض من أجل مرق اللحم للحفاظ على حرارتها، وجلبت العديد من الأواني الفخارية لأصدقاء وزملاء سعوديين وباكستانيين، وحتى إيطاليين وآخرين من الولايات المتحدة، لأنهم تذوقوا الطعام في الفخار وكانت النكهة مميزة. يمكن أن ينقل المسافر الفخار عبر معبر رفح البري بكل حرص وعبر أشخاص. وجودها في المنزل يجعلني مطمئناً، ولو كسرت إحداها أشعر بحزن شديد".

المساهمون