تُعاني المناطق العراقية "المتنازع عليها" والواقعة شمالي البلاد، بين أربيل وبغداد في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، من إهمال حكومي وغياب للخدمات منذ سنوات، وسط تساؤلات بشأن الأسباب التي تقف وراء هذا الواقع الذي رافقته خروقات أمنية متكررة في قرى تابعة لهذه المناطق.
وتبلغ مساحة المناطق المتنازع عليها نحو 40 ألف كيلومتر مربع ويقطنها ما يزيد عن 3 ملايين نسمة من مكونات عراقية مختلفة، كردية وعربية وتركمانية، ومن ديانات ومذاهب مختلفة.
وتضمّن الدستور العراقي الجديد عام 2005 مادة عرفت باسم 140 تنص على تنظيم استفتاء شعبي لسكان هذه المناطق لتخييرهم بين البقاء في بغداد أو الذهاب من أربيل، لكن أسبابا سياسية وأخرى اجتماعية، أبرزها عمليات التغيير الديموغرافي المتعددة، حالت دون تنفيذ هذا البند الدستوري.
وقال المرشح الفائز في الانتخابات عن مدينة سنجار، شمالي البلاد، وهي ضمن المناطق المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن هذه المناطق تعيش حالة من الإهمال بسبب عدم اهتمام الحكومة في بغداد بها، موضحا أن المناطق المتنازع عليها سبق أن عانت من احتلال تنظيم "داعش"، وهي تعاني اليوم من سيطرة الفصائل المسلحة غير الشرعية وغير القانونية، مثل حزب العمال الكردستاني".
وأشار إلى أن السلطات لم تقدم أي خدمات لهذه المناطق، كما لم يتم تأهيل كثير من مؤسساتها.
وتابع "مدينة سنجار مثلا، أكثر من 70 بالمائة من سكانها لم يعودوا إليها، وكذلك توجد مشاكل في منطقة سهل نينوى بسبب سيطرة فصائل مسلحة على مقدرات وإرادة هذه المناطق"، لافتا إلى أنها تحتاج إلى إعادة الأمن والاستقرار والعمل على إخراج جميع الفصائل المسلحة منها".
ضرورة إعادة افتتاح وتأهيل مؤسسات الدولة الصحية والتربوية والخدمية مثل البلديات والطرق والكهرباء
وشدّد شنكالي على ضرورة إعادة افتتاح وتأهيل مؤسسات الدولة الصحية والتربوية والخدمية، مثل البلديات والطرق والكهرباء، التي تفتقر إليها المناطق المتنازع عليها والتي ترتبط موازنتها بالحكومة الاتحادية في بغداد.
وتابع "توجد دوافع سياسية وراء كثير من المشاكل التي تحدث في هذه المناطق سواء في كركوك، أو صلاح الدين، أو ديالى، أو نينوى".
مضيفا "لو كانت هناك تعويضات لعاد النازحون إلى مناطقهم"، مبينا أنّ غياب الاستقرار وعدم وجود تعويضات أمور تسببت بتأخر عودتهم، خصوصا في سنجار وسهل نينوى ومناطق في محافظة ديالى.
وبحسب محمد موسى، وهو مسؤول سابق في مدينة خانقين بمحافظة ديالى المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، فإن القرى والمناطق التابعة للمدينة تعاني من إهمال كبير وشبه غياب للخدمات منذ سنوات، وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وأوضح متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن بعض القرى خالية من المدارس، أو فيها مدرسة واحدة تتطلب وقتا طويلا للوصول إليها، فضلا عن رداءة الطرق والخدمات.
سلطات إقليم كردستان لا تهتم بخدمات قرى خانقين على اعتبارها خاضعة الآن لسلطة الحكومة الاتحادية
وأشار إلى أن بعض المناطق تعتمد على نفسها لشقّ طرق ترابية بسبب عدم وجود طرق مبلطة، موضحا أن الخلل يكمن في الحكومة المحلية التي لم تمنح مناطق خانقين ما تستحق من مخصصات الميزانية.
ولفت إلى أن الخلل يكمن في أن سلطات إقليم كردستان لا تهتم بخدمات قرى خانقين على اعتبارها خاضعة الآن لسلطة الحكومة الاتحادية، وبالمقابل فإن الحكومة المحلية المرتبطة ببغداد لا تمنحها القدر الكافي من الأهمية كما يحدث في بعقوبة ومناطق أخرى في ديالى.
عضو الجبهة العربية في كركوك عبد الله الجبوري، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ المناطق المتنازع عليها تدفع ثمن الصراع عليها بين بغداد وأربيل، موضحا أن هذه المناطق كانت مُهملة في حقبة سيطرة القوى الكردية عليها (2003-2017)، ولا تزال على حالها بعد خضوعها لسيطرة الحكومة الاتحادية.
ولفت إلى أنها تدفع اليوم فاتورة الصراع السياسي الذي أضرّ بأمنها وحرمها من الخدمات وحال دون عودة النازحين إليها، وخصوصا في سنجار، موضحا أن الأطراف السياسية، وتحديدا الكردية، تستخدمها كورقة للتفاوض عند تشكيل الحكومة، إلا أنها تتخلى عنها بعد ذلك.
وتمثل مشكلة نقص خدمات محطات الوقود والكهرباء والمياه الصالحة للشرب، إلى جانب خدمات الطرق، أبرز ما تعانيه تلك المناطق.
ويقول الناشط المدني علي العباسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ سكان المناطق المختلف على إدارتها بين بغداد وأربيل وقعوا تحت أزمات مركبة، وليست مشكلة استمرار الهجمات الإرهابية سوى الظاهر منها، ويضيف "عدا عن عودة الاعتداءات الإرهابية لتنظيم داعش، وتفرد فصائل مسلحة فيها وغياب القانون، فإن نقص الخدمات كبير في بلدات مهمة منها".
مبينا أنه "باستثناء مدينة كركوك، فإن جميع المدن والبلدات المتنازع عليها تعاني من نقص كبير بالخدمات ويصل إلى ضعف ما تعانيه المدن العادية الأخرى المجاورة لها، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف العامل الوطني من القائمين على الملف، فسواء ذهبت لأربيل أم بقيت تحت إدارة بغداد، هي بالنهاية أرض عراقية".