في 14 أغسطس/ آب الماضي، أحرق الغزي سالم نصير (43 عاماً) الذي يعمل فني كهرباء عامة وإمدادات إنارة وصيانة منذ أكثر من 20 عاماً، ثلاثة دفاتر تدوين (نوتات) سجل فيها ديون زبائنه في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، بعدما تأثر بحملة مسامحة جماعية انتشرت في القطاع منذ بداية الشهر الماضي، علماً أن بعض مبالغ الديون يعود إلى عام 2014.
نصير كان أحد عشرات المنضمين إلى الحملة التي أطلقت بعد نشر مقطع فيديو ظهر فيه توبيخ رجل شابين عبر شتمهما وضربهما وإهانتهما بسبب تأخرهما في تسديد مبلغ دين مقداره 120 شيكل (31.5 دولاراً). وتداول الغزيون المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح قضية رأي عام دفعت الشرطة إلى اعتقال الرجل، والتحقيق معه.
وفي اليوم التالي، نشر التاجر رجب أبو قاسم مقطع فيديو قال فيه إنه انزعج من إهانة الشابين علناً وتعرضهما لمعاملة سيئة وغير لائقة، مؤكداً رفضه أسلوب التصرف معهما بسبب أمور عالقة اعتيادية في المجتمع الغزي الذي يواجه كل أنواع الضغوط، وذلك استناداً للتفاصيل التي عرضها شريط الفيديو. وأوضح أنه تاجر يريد من الناس ديوناً بقيمة 7 آلاف شيكل (1830 دولاراً)، ثم أحرق كل الدفاتر الخاصة بديون طالب 25 شخصاً بتسديدها، وتتضمن تفاصيل الأغراض التي استدانوها.
وذكر أبو قاسم في شريط الفيديو أنه سامح الجميع، ويرفض أن يُهان شخص من أجل عدم تسديد 120 شيكل، كما يرفض حبس أي شخص بسبب ديون، ثم تفاعل عدد من التجار والناس وأصحاب المحلات وآخرون، وأحرقوا دفاتر توثّق الديون، وأبدوا تضامنهم مع الناس وأصحاب الديون في ظل الظروف الاقتصادية السيئة للغزيين، مؤكدين رفضهم كل أشكال الإهانة. وشملت قوائم الديون أدوات منزلية ومواد غذائية وخضارا وفواكه ومواد بناء، وحتى هواتف وأرصدة اتصالات.
يقول نصير لـ"العربي الجديد": "يتجاوز المبلغ الذي استدانته مني أسر مقابل عملي وجهدي كعامل، وأيضاً كثمن لبعض الأغراض والاحتياجات، 3 آلاف دولار. عندما رأيت المبادرة تذكرت أن بعض هذه الأسر فقير، وحتى لو أنني أعيش في ضائقة مالية مثلهم حالياً، أحرقت دفتر الديون، ونشرت شريط الفيديو، وسامحت المدينين كي أشجع كثيرين على أن يحذوا حذوي".
يضيف: "يُقيم بعض المدينين في كرافانات أنشأتها منظمات دولية أمام منازلهم التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي بعد عدوان عام 2014، وذلك في انتظار إعادة إعمار منازلهم. وفي كل الأحوال سامحتهم بكل شيء".
أيضاً، يقول أحمد سعادة، وهو تاجر مواد تموين ولحوم مجمّدة في سوق فراس الشعبي بغزة مزّق دفتر ديون مستحقة قيمتها 50 ألف شيكل (13,100 دولار) لـ"العربي الجديد": "أواجه شخصياً ضائقة مالية، واضطررت إلى استدانة مبالغ لشراء ثلاجات كبيرة من أجل تخزين اللحوم المستوردة، لكنني لن أحصّل مبالغ من مدينين، وسامحت أحدهم عبر التنازل عن حقي أمام الشرطة".
يتابع: "يهرب بعض المدينين من المنازل كي لا يواجهوا أصحاب المال، والسجون امتلأت، وأنا نفسي قدمت شكوى مرة ضد أحد المدينين لأنه خدعني بتحديد مواعيد عدة للدفع من دون أن يفعل ذلك، وباعتبار أن المبادرة مسامحة عامة شاركت فيها، وصفحت عن الناس، وأتطلع إلى أيام قادمة أفضل".
وليست حملة مسامحة المدينين جديدة في غزة، إذ تندرج ضمن سلسلة متجددة من مبادرة انطلقت في غزة قبل خمس سنوات عندما سامح بعض التجار مدينين بسبب الضائقة المالية، لكنها جاءت هذه المرة رفضاً للإهانة التي قد تلحق بغزيين بسبب الديون.
وشهدت بلدة بيت حانون شمالي غزة أكبر عدد من المشاركين في الحملة، وأحدهم التاجر شاهر أبو عودة الذي يملك متجراً كبيراً للإلكترونيات والهواتف حيث استدان عدد من السكان أرصدة اتصالات واحتياجات أخرى من الإلكترونيات والهواتف والأغراض.
يقول لـ"العربي الجديد": أعيش في ضائقة مالية، ولم أرغب في نقل الكمبيالات التي وقعها بعض المدينين إلى الجهات القضائية، لذا مزقتها وأحرقتها. لم أرزق بطفل طوال 15 سنة من زواجي، ودخلت في ضائقة نفسية كبيرة، وحين شاهدت المبادرة أردت أن أشارك فيها كي أشعر بسعادة، ويحقق لي الله ما أتمناه. لديّ دفتر ديون فيه 25 اسماً، وكل واحد منهم استدان نحو ألف شيكل (300 دولار)، وبعضهم مبالغ أقل. سامحت الجميع، لأن مجتمعنا في ضائقة مالية تتسبب في آلام نفسية واجتماعية، وأطلب من باقي التجار أن يقفوا مع الناس في أزماتهم ويسامحوهم بحسب قدراتهم".