يستغرق شحن الهواتف وأجهزة الإنارة وغيرها في غزة ساعات للوصول إلى الأمكنة المخصصة ثم انتظار شحنها، وسط خوف من الغارات الإسرائيلية
يجتاز الفلسطينيون في قطاع غزة مسافات طويلة لشحن أجهزة الهاتف وبعض البطاريات الخاصة بالإنارة، في ظل الانقطاع التام للتيار الكهربائي، في رحلة شاقة وخطيرة تهدف لإبقائهم على تواصل في ما بينهم قدر المستطاع. وبدأت الأزمة مُنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعدما أغلق الاحتلال كافة المعابر المؤدية إلى القطاع، كما منع دخول كل الاحتياجات الأساسية، وفي مقدمتها المياه، والدواء، والأجهزة الطبية، والمواد الغذائية، والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الكهرباء.
وتسبب قطع الاحتلال إمدادات الخطوط الرئيسية للكهرباء، والتي كانت تُغذي القطاع بحوالي 120 ميغاواط، بعجز كبير حتى اليوم الرابع للعدوان، ويتركز الاعتماد على 65 ميغاواط توفرها محطة الكهرباء الوحيدة، بقدرة وصل لا تتجاوز أربع ساعات في مُقابل 12 ساعة قطع، إلى أن قطعت الكهرباء بشكل تام في نهاية اليوم الرابع للعدوان بفعل نفاد كميات الوقود اللازمة لتشغيل المحطة. ولا يزال يمنع دخول الوقود حتى اللحظة، علاوة على القصف المتواصل، والذي أدى إلى قطع الأسلاك، والكابلات، وتدمير أعمدة الكهرباء، والمُحولات الرئيسية.
وتتجمع أعداد كبيرة من المواطنين في بعض الأماكن التي يُمكن أن تتوفر فيها الطاقة البديلة لشحن هواتفهم، وبعض الأجهزة الكهربائية الصغيرة محدودة الاستخدام، ومُعظمها للإنارة وشحن البطاريات المُستخدمة للإضاءة أو بعض المهام الأخرى.
ويتركز تجمّع المواطنين في المؤسسات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومرافقها الخدماتية، وفي مقدمتها المدارس ومراكز اللجوء، ويتم استغلال الساعات المحدودة لتشغيل المولدات الكهربائية لتعبئة خزانات المياه في إتاحة إمكانية الشحن للنازحين، بالإضافة إلى بعض العيادات والمرافق الطبية والمُستشفيات.
ويتم تمديد شبكات الشحن المتكدسة بشكل مُبتكر، ويقوم أحد الأشخاص بمد كابل طويل من غُرف الإدارة الخاصة بمراكز اللجوء، بعد السماح له بذلك (يرفض الأمر في الكثير من الأحيان بفعل الضغط على الشبكة)، ثم وضع مشترَك كهربائي لإتاحة المجال لوضع مشتركات كهربائية أخرى، وتصل التمديدات حتى عشرات الأمتار، وتضُم مئات الأجهزة.
يقول الفلسطيني جواد عبيد، وهو من سكان حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، إنه نزح نحو مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بفعل القصف الإسرائيلي العنيف، الذي ترافق مع التهديدات المُتواصلة، لافتاً إلى أنه يواجه العديد من الأزمات في حياة النزوح القاسية، ومنها نفاد أصناف المواد الغذائية، والصعوبات الكبيرة في تعبئة المياه، وشحن أجهزة الهاتف وأجهزة الإنارة.
ويوضح عبيد لـ"العربي الجديد"، أنه يضطر إلى جر عربة صغيرة لمسافة طويلة لشحن بطاريات الإنارة وأجهزة الهواتف الخاصة بأفراد الأسرة داخل أحد مراكز اللجوء، إذ لا يتوفر في بيت أقاربه الذي اضطر للنزوح إليه أي مصدر للطاقة البديلة. ويصِف رحلة شحن الأجهزة بـ"الشاقة جداً"، بدءاً من جر العربة ثم الانتظار طوال الوقت قرب الأجهزة خوفاً من السرقة، ريثما تمتلئ. يضيف: "في الكثير من المرات، يتم فصل الكهرباء بسبب المشاكل الناتجة عن التزاحُم، أو بسبب الضغط على الشبكة، والذي يؤدي أحياناً إلى حرق المُشتركات أو الأمانات الرئيسية".
إلى جانب مجموعة من الشبان، تقف الفلسطينية تغريد السالمي لشحن جهاز اللابتوب الخاص بها، وتقول: "أضطر للوقوف لنحو ساعة ونصف الساعة أو ساعتين يومياً لشحن جهاز الجوال أو الحاسوب الخاص بي، والذي أستخدمه غالباً لإتمام عملي في المونتاج، وتجهيز القوائم الخاصة بمُبادرة شبابية تسعى لتحفيف الأعباء النفسية التي يتعرض لها الأطفال النازحون". وتوضح السالمي لـ"العربي الجديد"، أن حياة النزوح صعبة للغاية من كافة الجوانب، سواء الظروف المعيشية المُتدنية، والتي تفتقر لأدنى مقومات الحياة، أو حتى ظروف العمل والإمكانيات المُتعلقة بالإنترنت أو الكهرباء. تضيف: "قبل الحرب، كانت الحياة في قطاع غزة المحاصر منذ سبعة عشر عاماً صعبة، لكن الحياة في الوقت الحالي قاسية جداً".
بالإضافة إلى الإرهاق، لا تخفي السالمي شعور الخوف، في ظل استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية عائلات بأكملها وتجمعات المواطنين. تضيف: "أشعر بالقلق طوال وقوفي داخل أو إلى جانب تلك التجمعات".
ولا يقتصر الشحن على الطاقة المجانية التي توفرها بعض مراكز اللجوء بشكل محدود، إذ يستغل بعض الفلسطينيين توفر الألواح الشمسية في إتاحة الشحن بمُقابل مادي، ولكن بطريقة مُنتظمة أكثر، حيث يستلم صاحب الألواح الأجهزة، ويقوم بترقيمها وتسليمها بعد وقت مُحدد يتفق عليه الطرفان.