غزة بلا مساعدات... الجوع يهدد حياة عشرات الآلاف

31 مايو 2024
الجوع والعطش يهددان أطفال غزة (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سكان قطاع غزة يواجهون أزمة إنسانية حادة بسبب الحصار والعمليات العسكرية التي تؤدي إلى نقص المساعدات، الجوع، والعطش، مع تدهور الوضع الصحي وتفاقم مخاطر الجفاف وسوء التغذية.
- إغلاق معبر رفح وتدمير البنية التحتية يحول دون وصول الإمدادات الضرورية، مما يزيد من صعوبة الحياة للنازحين والأطفال، ويؤدي إلى وفيات بين الرضع بسبب سوء التغذية.
- الجهود الدولية لم تنجح في تحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة بشكل مستمر في غزة، حيث يعتمد السكان على المساعدات الشحيحة ويعيشون في ظروف قاسية تفتقر إلى الأمان والاستقرار.

يعيش عشرات الآلاف من الأشخاص في أنحاء غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة في ظل جوع وعطش مفروض عليهم، ونزوح قسري يتكرر، وسط حالة من انعدام الأمن، وقذائف تطاردهم في كل مكان.

خلف إغلاق معبر رفح البري في السادس من مايو/أيار الماضي، شللاً في حركة دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، وتزامن ذلك مع تعطل إدخال المساعدات عبر الرصيف البحري الذي دمرته الأمواج، وتحديد منفذ بري واحد لإدخالها يخضع للرقابة الإسرائيلية، ما يجعل كمية المساعدات التي تدخل يومياً غير كافية على الإطلاق.
وارتفعت مخاطر الجوع مجدداً في مناطق تواجد النازحين الفلسطينيين داخل القطاع، فبعد أن تقلصت نسب المصابين بسوء التغذية والجفاف، عادت إلى الارتفاع مع بدء العملية العسكرية على مدينة رفح ومناطق شمال القطاع، لكنها هذه المرة تتزامن مع خروج المستشفيات والمراكز الصحية من الخدمة.
ويشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي في الأراضي الفلسطينية إلى انخفاض حجم المساعدات بمقدار الثلثين منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية في رفح، علماً أنه طوال العدوان لم تكن تدخل الكميات المطلوبة من المساعدات عبر المعابر حين كان معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم مفتوحان.
وتوفي الرضيع فايز أبو عطايا (سبعة أشهر) في قطاع غزة بسبب سوء التغذية وعدم توفر الحليب له في الأيام الأخيرة بعد أن اشتدّ الحصار على سكان غزة، ومنعت عنهم البضائع والمساعدات الغذائية تقريباً، ليرتفع عدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب سوء التغذية إلى قرابة 40 طفلاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي.
لكن المشكلة تزداد بالنسبة للمهجرين الجدد الذين يتمركزون في منطقة غرب مدينة خانيونس، أو غربي مدينة دير البلح والمناطق الغربية من مخيم النصيرات وبلدة الزوايدة، إذ إنهم مضطرون للإبلاغ عن تواجدهم في تلك المناطق من أجل تسجيلهم في قوائم المساعدات التي يتم توزيعها ضمن نقاط تجمع النازحين.

تقلص حجم المساعدات بمقدار الثلثين منذ بدء العملية العسكرية في رفح

تقول الخمسينية أم عماد فرحات: "كنا مجبرين على النزوح من مدينة رفح خلال الأسبوع الماضي، وفعلنا ذلك من دون أية تحضيرات في ظل التحذيرات والمناشير التي ألقاها الاحتلال على المتواجدين في المناطق الشرقية والمناطق القريبة من وسط المدينة. بعد وصولنا إلى منطقة المواصي، أقمت في خيمة خصصها مبادرون اجتماعيون للنساء بالقرب من السواتر الرملية، لكننا لم نحصل على أية وجبات في الأيام الثلاثة الأولى".
تضيف لـ"العربي الجديد": "نزحت مع 20 فرداً من عائلتي ضمن مجموعة مكونة من أكثر من 50 فرداً، وتوجهنا جميعاً إلى المواصي، وهي منطقة شبه صحراوية رغم امتلائها حالياً بالخيام، وبحث أبنائي عن أية مستلزمات أو مساعدات من أجل إعداد الطعام، لكنهم عادوا بعدد محدود من المعلبات بعد أن اصطفوا في طوابير لعدة ساعات. هجرونا بطريقة مذلة إلى مكان لا يوجد فيه شيء. في بداية الحرب، كان بيتنا مفتوحاً للنازحين من أقاربنا من مدينة غزة ومخيم جباليا، ثم توقف أبنائي عن العمل، وبتنا بلا مصدر دخل، وأصبحنا في الأسابيع الأخيرة ضمن الباحثين عن المساعدات لنأكل، وحالياً نعيش حالة من الجوع".
تتابع فرحات: "الأطفال لم يتناولوا الحليب منذ نحو ثلاثة أسابيع، ولدي ابنة لا تستطيع إرضاع طفلتها التي ولدتها في يناير/كانون الثاني الماضي، ولا نشرب مياه جيدة، ويغادر كل شباب العائلة في كل صباح للبحث عن أي طعام، والانتظار في طوابير المساعدات الغذائية، حتى لو أحضروا علبة واحدة من الطعام، وآخرون مهمتهم البحث عن المياه. نعيش أسوأ أيام حياتنا في ظل هذه الحرب".

طابور الطعام في دير البلح (حسن جيدي/الأناضول)
طابور الطعام في دير البلح (حسن جيدي/الأناضول)

وصدم سكان شمالي غزة بالأنباء التي أكدت أن الأمواج جرفت الرصيف البحري الذي تم إنشائه لإيصال المساعدات من قبل الجيش الأميركي، وتجميد عمله مؤقتاً، ونقله من أمام شاطئ غزة لإصلاحه، رغم أنهم كانوا يتعاملون معه بشكوك كبيرة في ظل كون المسيطر الحقيقي عليه هو جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو المتحكم في السماح بدخول المساعدات منه.
وكان بعضٍ الغزيين يعتقدون أن تشغيل الرصيف البحري يمكن أن يساهم في تحسين سبل دخول المساعدات الغذائية في ظل الأنباء التي يجري تناقلها عن تخصيص جيش الاحتلال "منطقة إنسانية"، وضمان سلامتهم فيها  كما طلب الجانب الأميركي من أجل إتمام العملية العسكرية في رفح.

يعيش جميع سكان قطاع غزة على مساعدات شحيحة وغير منتظمة

من جانبه، يرى عمر الفار أن "المجتمع الدولي اتفقّ على تجويع سكان غزة"، مشيراً إلى أنه منذ نزح إلى غربي مدينة دير البلح، وهو ينشط بشكلٍ يومي للبحث عن الطعام والشراب منذ ساعات الصباح الأولى، وأنه خلال اليومين الأخيرين كان يعود إلى أسرته من دون طعام تقريباً بعد أن ينتظر طويلاً وصول المساعدات إلى منطقة قريبة من دوار النخيل على حدود مخيم دير البلح، كما أنه تشاجر عدة مرات مع موظفي وكالة "أونروا" من أجل الحصول على أي طعام لأبنائه، وفي إحدى المرات منحه واحد من الموظفين معلبات من طعامه الخاص.
يقول الفار (46 سنة) لـ"العربي الجديد": "لا نملك مياه ولا طعام، ولا توجد مساعدات، والأمس تمنيت أن أموت لأني لا أستطيع توفير أي شيء لأطفالي. لا أريد أي شيء لنفسي، وأعاني من الجفاف لأنني لا أتناول إلا كميات قليلة من المياه، كما أنها مياه شديدة الملوحة، وابني الأصغر أحمد (8 سنوات) يعاني من اصفرار في الجسد بسبب قلة التغذية والمياه".

دمار هائل في جباليا (موسى سالم/الأناضول)
دمار هائل في جباليا (موسى سالم/الأناضول)

وتتشابه أزمة المهجرين الجدد من مدينة رفح مع أزمات المهجرين في المناطق الأخرى، لكنها تتفاقم في المنطقة الشمالية من القطاع، والذي يعيش الناس فيه تحت حصار إسرائيلي مشدد يمنعهم من الحركة سوى في نطاق محدود بعد الدمار الكبير للمنازل، وتحديداً في مخيم جباليا الذي كان أكثر المناطق التي صمدت في وجه جيش الاحتلال خلال العملية العسكرية على مناطق الشمال.
من مخيم جباليا، يقول محمد الحداد لـ"العربي الجديد": "المتواجدون في منطقة غربي مدينة غزة يعيشون حالة من الجوع القاتل، ولم يتم إدخال أي إمدادات إليهم منذ ثلاثة أسابيع، وهناك وفيات نتيجة مضاعفات الجوع والأمراض، من بينهم عمي الذي كان مريضاً بالربو والسكري، ولم يستطع تحمل تلك الظروف، إذ لم يتوفر له العلاج، كما كان يعاني الجوع، ولم يتناول طعاماً خلال الأيام الثلاثة التي سبقت وفاته في المستشفى المعمداني".
ويعيش جميع سكان قطاع غزة على مساعدات شحيحة وغير منتظمة بدأ دخولها في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من خلال معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم بعد الفحص الأمني والتدقيق. وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، أنه منذ السابع من مايو/أيار الماضي، بلغ متوسط الشاحنات التي تصل يومياً إلى قطاع غزة 58 شاحنة فقط، في مقابل متوسط يومي قدره 176 شاحنة مساعدات خلال الفترة من الأول من أبريل/نيسان إلى السادس من مايو. ما يمثل انخفاضا بواقع 67 في المائة، موضحاً أن هذه الأعداد لا تشمل بضائع القطاع الخاص وشاحنات الوقود.
ويحذر مدير المكتب الإعلامي في غزة، إسماعيل الثوابتة من مخاطر الجوع الذي بات منتشراً بقوة بين السكان خلال الأيام الأخيرة بعد تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، مشيراً إلى توقف أكثر من 98 في المائة من مخابز القطاع عن العمل بسبب عدم توفر غاز الطهي، ومن بينها عدد كبير من مخابز مدينة رفح التي كانت توفر الخبر لأكثر من مليون شخص.

ويقول لـ"العربي الجديد": "ندخل الأسبوع الرابع على التوالي على احتلال معبر رفح البري من قبل جيش الاحتلال، وإغلاق معبر كرم أبو سالم، ونتوقع أن تكون الأزمة الغذائية هي الأكبر من نوعها في قطاع غزة باعتبار أن غالبية المناطق الإنسانية المزعومة متهالكة، ولا تضم أية بنية تحتية، وليس هناك نية من المجتمع الدولي لإجبار الاحتلال على إدخال المساعدات، وتحييد الجانب الإنساني عن الصراع لإنقاذ حياة السكان".
يضيف الثوابتة: "مع تكدس النازحين في عدة مناطق، واستمرار النزوح من مناطق كانت حيوية، توقف أكثر من 700 بئر مياه عن العمل بسبب استهداف بعضها من جيش الاحتلال، وأخرى بسبب منع إدخال الوقود. نزح الناس من حولها، وتمركزوا بالقرب من الآبار القليلة التي تعمل في مناطق محدودة، وهي بالكاد تعمل، ما يعطي مؤشراً حول تعمق المجاعة والعطش في أنحاء القطاع".

المساهمون