استمع إلى الملخص
- **معاناة المرضى والمراجعين في المستشفيات:** يتوافد مئات المرضى يومياً إلى المستشفيات بحثاً عن الأدوية غير المتوفرة، ويعاني الكثيرون من أمراض خطيرة مثل السرطان والتهابات الجهاز الهضمي، مما يزيد من تفاقم الوضع الصحي.
- **تأثير الحصار على الخدمات الطبية:** أدى الحصار الإسرائيلي إلى منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى غزة، مما أثر بشكل كبير على قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات الطبية، وزيادة الوفيات بين المرضى.
اختفت عشرات الأصناف من الأدوية التي كانت متوفرة بكثرة في أنحاء قطاع غزة قبل بدء العدوان الإسرائيلي، وبات الحصول على الدواء أزمة كبيرة تطاول عشرات آلاف العائلات التي تضم مرضى وجرحى.
على مدار يومين متتالين، وقفت والدة الطفلة ميرا الفرع (11 سنة) عاجزة أمام وصول حرارة طفلتها إلى 39.5 درجة، بينما لا تجد أي خافض للحرارة في صيدليات منطقة مواصي محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، إذ يعاني القطاع المحاصر والمدمر من نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية في ظل تفشي الأمراض بين النازحين.
اضطرت والدة الطفلة للذهاب بها إلى قسم الطوارئ بمستشفى الكويت التخصصي لخفض حرارتها، وتقول من أمام سرير طبي تتمدد عليه طفلتها، وهي تقوم بوضع كمادات على جبينها، لـ "العربي الجديد": "ارتفعت حرارة ابنتي بسبب تغير الأحوال الجوية والعيش في خيمة غير صحية، وعندما بحثنا في الصيدليات عن خافض للحرارة لم نجده، فقررت المجيء إلى المستشفى".
يصطف المراجعون والمرضى في طابور طويل أمام نافذة صيدلية المستشفى، يحمل كل منهم "روشتة" الدواء الذي لم يجده في الصيدليات. من بينهم الخمسينية أم محمد أبو مصطفى، والتي بحثت على مدار ثلاثة أسابيع عن دواء "الفلاجيل" بسبب إصابتها بالتهابات في الجهاز الهضمي. تقول لـ "العربي الجديد": "الدواء مقطوع، وأصبحنا نعاني بشدة، والأمراض تتفشى، ولا شيء يوقف الألم الذي نعاني منه".
كانت ساحة المشفى ممتلئة بمئات المراجعين الذين ينتظرون وصول دورهم لدخول الخيام الطبية، معظمهم جاء ليحصل على جرعة دواء غير متوفرة في الصيدليات، ويعاني الغالبية من التهاب الكبد الوبائي أو التهابات جلدية.
قطع مريض السرطان ناصر أبو غنايم مسافة طويلة مشياً للوصول إلى المشفى، فنتيجة انقطاع الكثير من الأدوية اللازمة لمرضى السرطان وعدم مقدرته على السفر للعلاج في الخارج بسبب إغلاق الاحتلال معبر رفح، جاء إلى المشفى للحصول على "أكامول" وريدي. يقول لـ "العربي الجديد": "هذا الدواء لا يؤدي الغرض، وأحتاج إلى أدوية أقوى، لكنها غير متوفرة، كما لا أستطيع شراءها من الخارج حال كانت متوفرة، لأنني عاطل عن العمل، ولا أملك أي مصدر دخل".
من داخل قسم طوارئ الأطفال، كانت علامات سوء التغذية واضحة على أغلب الذين وصلوا للعلاج. لم يتوقف الرضيع يوسف الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر عن البكاء بسبب معاناته من الجفاف، وجاءت به عائلته إلى المشفى بحثاً عن خافض للحرارة ومضاد حيوي.
تغيب كافة أنواع المضادات الحيوية والمسكنات عن رفوف صيدليات غزة
وأدى انتشار الأمراض المعدية إلى استنزاف كميات كبيرة من المضادات الحيوية والمراهم. ولا يخفي طبيب الطوارئ، مصعب المبيض، المعاناة من نقص كثير من المستلزمات الضرورية للتعامل مع الأطفال، ويخشى من تفاقم الأمور مع حلول فصل الشتاء الذي تنتشر فيه الأمراض التنفسية، فضلاً عن نقص المضادات الحيوية بعد نفاد الكميات المتوفرة بسبب انتشار الأمراض الجلدية.
يقول المبيض لـ "العربي الجديد": "يتردد نحو 400 إلى 500 طفل يومياً على المشفى، وهذا مؤشر على انتشار الأمراض المعدية بشكل كبير بين النازحين في ظل تردي الأوضاع الصحية والخدمية، واكتظاظهم الذي يسهل انتشار العدوى".
كانت خيمة عيادة العيون من بين النقاط الطبية المكتظة بالمراجعين داخل المشفى، وتنتشر بحسب اختصاصي أمراض العيون، غسان كلاب، أمراض عدة بسبب تقارب الخيام، وعدم توفر المياه النظيفة، فضلاً عن غياب مواد التنظيف، ما يزيد من انتشار الأمراض البكتيرية والفيروسية، في حين أن 90% من القطرات المطلوبة للعيون باتت غير متوفرة.
يوضح كلاب لـ "العربي الجديد"، بعدما أنهى فحص سيدة مسنة، أن "المصاب قد يأتي ولديه نزيف بالعين نتيجة دخول أجسام غريبة فيها، وبعد خروج المستشفيات عن الخدمة أصبحت إزالة الأجسام الغريبة من العين بعملية جراحية صعبة لعدم توفر الأجهزة، وبالتالي يضطر المريض للانتظار، وقد يفقد بصره خلال تلك الفترة. بعض الإصابات لا تحتاج إلى عملية جراحية، وإنما قطرات عيون، لكنها غير متوفرة، وعدم الحصول عليها قد يؤدي إلى فقدان البصر أيضاً، وتتزايد أعداد الإصابات بارتفاع ضغط العين (المياه الزرقاء)، ولا توجد قطرات لها، وهذا يؤدي إلى الضغط على العصب البصري".
يتابع: "بعض الأطفال يعانون من ضعف النظر، أو انحراف يحتاج إلى ارتداء نظارة طبية، لكن بعد تحطيم معظم المراكز الطبية التي تجري قياسات للأطفال، لم نعد نستطيع فعل ذلك، وتتضاعف المعاناة في حال العثور على جهاز بسبب عدم توفر العدسات، ما يؤدي إلى إصابة الطفل بالحول".
وتغيب المضادات الحيوية والمسكنات بكافة أنواعها عن رفوف الصيدليات الخاصة غربي خانيونس، وكذلك المراهم الخاصة بالأمراض الجلدية. ويتخوف الصيدلي، نور زعرب، من أن يتواصل هذا الوضع في فصل الشتاء. ويعزو المشكلة إلى منع الاحتلال دخول الأدوية إلى القطاع. يقول: "نتواصل مع شركات الأدوية، وجميعها تفيد بنفاد المخزون من مستودعاتها، واحتجاز شحنات الأدوية المستوردة على المعبر، إذ يمنع الاحتلال إدخالها إلى القطاع. نعاني نقصاً في كافة المضادات الحيوية، وفي غالبية أصناف المسكنات".
يبدو واضحاً تناقص الأدوية على رفوف صيدلية زعرب، ولا يوجد إلا صنف واحد من حليب الأطفال الذي انقطعت أصنافه أيضاً، ما يؤثر على صحة الأطفال خاصة مع معاناة الأمهات المرضعات من قلة التغذية. يلفت الصيدلي الفلسطيني إلى أن "العشرات يأتون يومياً للبحث عن الدواء، وهذا ينذر بفصل شتاء مأساوي في حال لم يدخل الدواء إلى القطاع، فانقطاع الأدوية يجعل أمراضاً سهلة العلاج كالإنفلونزا خطيرة على صحة المواطنين".
بدوره، يقول مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة، مروان الهمص، إن الوزارة تعاني للشهر الخامس على التوالي من عدم إدخال الأدوية والمستلزمات والمعونات الطبية، ما يعيق عمل الطواقم الطبية. ويضيف لـ "العربي الجديد": "على سبيل المثال لا الحصر، لدينا عمليات تم تأجيلها بسبب عدم وجود شاش معقم، وعدم وجود لباس للأطباء والتمريض، والنقص الشديد في الأدوية ومستلزمات التخدير والعمليات. نفاد مخزون الأدوية يتجاوز 65%، ونفاد المستلزمات الطبية يتجاوز 85%، وهذه مأساة حقيقية، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فسيكون هناك وفيات كثيرة، والآن هناك وفيات بين أصحاب الأمراض المزمنة لغياب الدواء".
ويحذر الهمص من "موجات من الأوبئة والأمراض المعدية المرتبطة بفصل الشتاء، وعدم وجود الأدوية والعلاجات سيجعل الوضع الصحي كارثياً، ونطالب بفتح شريان حياة لقطاع غزة من خلال فتح المعابر لدخول الأدوية، وإدخال الوقود اللازم لعمل مستشفيات وزارة الصحة، كي تتمكن من إنقاذ المصابين والمرضى".
في منطقة المواصي، تعج العيادات والنقاط الطبية المنتشرة بين خيام النازحين بالمراجعين والمرضى. يجلس بعضهم أمام نقطة طبية تابعة لمؤسسة أطباء بلا حدود تقدم خدمات الطوارئ والطب العام. يحصل كل مراجع على رقم، ويجلس بانتظار دوره.
خرجت الفلسطينية أم محمد من النقطة حاملة كمية من المرهم في ظرف صغير، وتقول لـ "العربي الجديد"، إنها لا تكفي لمسح جسد زوجها الذي يعاني من الحساسية مرة واحدة، لكنها قبلت بها لأنها لم تجد الدواء المطلوب في الصيدليات، وكانت تأمل في الحصول على عبوة كاملة، لكن لم يتح لها ذلك.
على العكس منها، شعرت والدة الطفل ريان زعرب بارتياح وهي خارجة من العيادة، إذ منحها الطبيب مضاداً حيوياً لعلاج طفلها من حبوب تملأ وجهه، وتقول لـ "العربي الجديد": "جئت من وسط خانيونس، وقبل المجيء إلى هنا ذهبت إلى عدة عيادات ونقاط طبية، فلم أجد الدواء كونه مقطوعاً".
ومع منع الاحتلال دخول الأدوية، تتضاعف المأساة الصحية في ظل عجز المستشفيات عن تقديم الخدمات الطبية المطلوبة، وخروج الكثير منها عن الخدمة بسبب الاستهداف. يتجلى هذا داخل قسم الطوارئ بمجمع ناصر الطبي في وسط خانيونس، إذ توضع مريضة على سرير مفروش بكفن في ظل عدم وجود أغطية لأسرة المشفى.
يقول الطبيب حازم ضهير لـ"العربي الجديد": "هذا أحد أشكال المعاناة، فضلاً عن غياب اللباس الطبي، وأكثر ما نعاني منه هو غياب الشاش المعقم والإبر الوريدية والمحاليل، خاصة المحلول الملحي، ما يؤثر على تقديم الخدمة، ويؤخر استجابة المرضى والمصابين للعلاج".