غزة: الطهي تحت المطر يزيد المعاناة

09 يناير 2025
الطهي خلال الشتاء ليس سهلاً في المواصي، 31 ديسمبر 2024 (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني النازحون الفلسطينيون في غزة من صعوبات في إعداد الطعام بسبب نقص الغاز وارتفاع أسعار الحطب، مما يضطرهم لاستخدام بدائل غير صحية كالنفايات البلاستيكية، مما يزيد التلوث والمخاطر الصحية.
- تتفاقم المعاناة مع الأحوال الجوية السيئة التي تعيق تخزين وإعداد الطعام، حيث تلجأ العائلات لاستخدام أفران الطين أو جمع الحطب يدوياً رغم صعوبة ذلك، مما يؤدي لمشاكل صحية.
- يروي النازحون معاناتهم اليومية في الطهي بمواد غير كافية، مما يعكس جزءاً من صعوبة الحياة تحت العدوان الإسرائيلي وتدهور الأوضاع المعيشية.

تُفاقم المنخفضات الجوية من معاناة الغزيين في المخيمات، وتزداد صعوبة طهي الطعام في ظل الرياح والأمطار التي تطفئ النار

تزداد معاناة النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة خلال إعداد الطعام، في ظل النقص الكبير في الغاز، وأحياناً غيابه لأسابيع، وغلاء أسعار الحطب، بالإضافة إلى الظروف الإنسانية والأوضاع المعيشية القاسية، التي تتفاقم مع المنخفضات الجوية والأمطار، وما يصاحبها من تشكّل للسيول التي تجرف وتحطم الخيام الهشة، حيث يعيش غالبية الفلسطينيين هذه الأيام.
ويتجه أهالي القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي إلى صناعة الخبز والطهي على نار الحطب، بفعل النقص الحاد في الغاز المنزلي، نتيجة الإغلاق المتواصل للمعابر، الأمر الذي يجبرهم على اللجوء إلى بدائل غير فعالة، مثل استخدام الحطب والفحم، أو حتى النفايات البلاستيكية في بعض الأحيان، وهو أمر غير صحي، ويزيد من التلوث البيئي، ويدفع لمخاطر على الطعام ورائحته.
وبفعل توجه الفلسطينيين إلى الطهي على نار الحطب، تضاعفت أسعاره بشكل ملحوظ بسبب الطلب المتزايد ونقص الموارد الطبيعية، ما يجعل من الصعب على العائلات النازحة تحمل تكاليفه، في وقت يضطر بعض الفلسطينيين إلى جمع الحطب يدوياً، وهو مجهود شاق في ظل البرد الشديد، وسوء الأحوال الجوية، والأوضاع الميدانية الخطيرة.
وتزيد الأمطار والبرد القارس والرياح القوية من صعوبة إشعال النار واستخدام الحطب أو الفحم للطهي، ما يعرقل تحضير الطعام، خصوصاً مع غمر المياه مخيمات النازحين، ما يعوق القدرة على تخزين المواد الغذائية وإعداد الطعام في بيئة آمنة وجافة. كما أن استخدام الفحم أو الحطب داخل أماكن مغلقة نتيجة البرد يؤدي إلى مشاكل صحية، منها التسمم بأول أكسيد الكربون ومشاكل تنفسية.
وتلجأ بعض العائلات الفلسطينية إلى استخدام أفران الطين مصدراً للطهي، رغم محدودية كفاءتها، في وقت تعمد بعض الجهات الرسمية إلى تقديم مساعدات طارئة، تشمل أسطوانات غاز مؤقتة، إلا أن الطلب يفوق العرض بكثير، الأمر الذي يبقيهم تحت تأثير الضغوط، بسبب عجزهم عن توفير وجبة دافئة لأطفالهم.
الأزمات التي تواجه نحو مليوني نازح أجبرتهم الحرب على ترك بيوتهم الدافئة تزداد يوماً بعد يوم، في ظل طول أمد العدوان، وتفاقم سوء الأوضاع المعيشية والإنسانية، خصوصاً مع حلول المنخفضات الجوية وتساقط الأمطار. ويصبح إنجاز المهام الأساسية كطهي الطعام وتوفير الماء أمراً شاقاً.

في هذا السياق، تقول الفلسطينية سهاد الخولي، وهي أم لخمسة أطفال، لـ"العربي الجديد"، إنها تجد صعوبة بالغة في تحضير الطعام على الحطب في ظل تساقط الأمطار، ولا تجد مكاناً جافاً تشعل فيه الحطب الذي يجري توفيره بأسعار مرتفعة، في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها أسرتها، بعد فقدان زوجها مصدر رزقه الوحيد، إثر تدمير دكانه.
وعن تفاصيل المهمة اليومية، تضيف الخولي: "نضع أخشاباً بالقرب من باب خيمتنا المتهالكة، أو نحاول تغطية الحطب بأكياس بلاستيكية قبل إشعاله، لكن الرطوبة تجعل الأمر شبه مستحيل. كما يتسبب إشعال النار بدخان كثيف وخانق، لكنه الخيار الوحيد الذي نمتلكه".
وتوضح الخولي أنها تضطر إلى إشعال النار لسد رمق أطفالها، في ظل الجوع والبرد، فيما تتطلب عملية إنضاج الطعام المزيد من الوقت والجهد الذي تتكبده خلال الطهي الطبيعي على الغاز. وتقول: "أشعر بالدوار خلال العمل، لكنني مجبرة لعدم توفر أي بديل آخر".

يحملن الأغصان للطهي في خانيونس، 20 نوفمبر 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)
يحملن الأغصان للطهي في خانيونس، 20 نوفمبر 2024 (إياد البابا/ فرانس برس)

من جهتها، توضح العشرينية هدى الزهارنة، التي تساعد أسرتها في الطهي، أنها تخرج صباحاً برفقة شقيقها الصغير خالد لجمع أي شيء يمكن أن يستخدم وقوداً، سواء الحطب أو الأخشاب صغيرة أو الكراتين أو القطع البلاستيكية، وهو أمر لا تتمكن من فعله خلال هطول الأمطار، ما يدفع أسرتها إلى استخدام المخزون البسيط الذي تحتفظ به، وغالباً ما يكون غير كاف. وتبين لـ"العربي الجديد" أن البرد يجعل أصابع يدها متجمدة وهي تحاول إشعال النار. وعندما تبلل الأمطار الحطب، ينطفئ أكثر من مرة، ويصبح من الصعب إشعاله، خصوصاً أن أسرتها لا تملك مكاناً مغطى للطهي. تضيف: "أبقى تحت المطر، وأحاول حماية النار بقطعة بلاستيكية أو بطرف حجابي. الجهد المبذول يجعلني أشعر بالإرهاق الجسدي والنفسي، لكننا مضطرون للطهي، لأن أياً منا لا يستطيع تحمل الجوع".

وعن الصعوبات التي يواجهها الفلسطيني، يحيى ساكن، خلال الطهي على الحطب، يقول: "عندما تبدأ الأمطار، أشعر بأن كل شيء يتوقف. الحطب الذي جمعناه يصبح رطباً وغير صالح للاستخدام، فأضطر إلى استخدام بقايا الخشب أو الكرتون، وأمضي ساعات طويلة في إشعال النار فقط لتحضير وجبة بسيطة". ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الرياح القوية تتسبب في تطاير الدخان في كل الاتجاهات، ما يسبب الاختناق. يضيف: "العملية مرهقة جداً. وفي بعض الأحيان، أشعر بأنني أضيع وقتاً كبيراً على شيء كان من المفترض أن يكون سهلاً. لكن هنا في المخيم لا يوجد شيء سهل".
ويشير ساكن إلى أن صعوبة الطهي خلال المنخفضات الجوية هي جزء من فصول المعاناة اليومية للنازحين الفلسطينيين الذين يعانون من ويلات حياة التشتت التي يتسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي الذي أبعدهم عن بيوتهم وحياتهم الطبيعية، وأجبرهم على العيش في ظروف قاسية ومأساوية تتزايد قساوتها ساعة بعد الأخرى

المساهمون