استمع إلى الملخص
- المواطنون من مختلف الطبقات يعانون من الارتفاع الحاد في أسعار اللحوم، مما دفعهم للبحث عن شركاء لتقاسم تكاليف الأضحية أو الاكتفاء بكميات أقل، مؤثرين على تقاليد توزيع اللحوم على الفقراء.
- الجزارون يواجهون تراجعاً في الطلب على خدماتهم خلال العيد، وبعض المواطنين لجأوا لشراء صكوك الأضاحي عبر الجمعيات الخيرية لتوفير اللحوم للفقراء في دول أخرى كمحاولة للحفاظ على روح العيد.
يعتبر المصريون عيد الأضحى أو "العيد الكبير"، مثلما يُطلق عليه شعبياً، هو "عيد اللحوم" لكن أسعار اللحوم شهدت زيادات كبيرة متكررة خلال السنوات الأخيرة، ما يحرم كثيرين من القدرة على توفيرها، أو تقليص الكميات المعتادة منها ضمن مساعي تقليص الكلفة، ما يهدد الحفاظ على عادة سنوية متوارثة. وكان نقيب الفلاحين المصريين، حسين أبو صدام، قال في تصريحات تلفزيونية سابقة، إن أسعار اللحوم شهدت انخفاضاً كبيراً هذا العام رغم ارتفاع أسعار الأعلاف، لكن الواقع يشير إلى ما هو عكس ذلك تماماً.
يقول محمود حسن، وهو مدير في إحدى شركات القطاع الخاص، إن "الأسعار مرتفعة منذ العام الماضي، وهذا العام ارتفعت مجدداً، وللمرة الأولى، لن أستطيع التضحية". بدورها، تطالب ماجي محمد، وهي موظفة بالمعاش، بتدخل وزارة التموين لمراقبة الأسواق، مؤكدة أن الأسعار مرتفعة، وجشع التجار بلا نهاية. وأضافت أنها كانت قبل نحو 10 سنوات تستطيع بمفردها شراء أضحية كاملة، لكنها باتت منذ بضع سنوات تتشارك مع مجموعة من أقاربها في الشراء، وهذا العام سيتكرر الأمر نفسه، فليس هناك بديل آخر.
ويلفت مؤمن علي، وهو سائق "توك توك" إلى أنه اعتاد سابقاً على التضحية، لكن تغيرت أحواله مؤخراً بعد ارتفاع الأسعار، وإنه وأسرته ينتظرون في عيد الأضحى الحصول على بعض اللحوم من المضحين، ولا يدري إن كان سيملك المال لشراء كيلوغرام واحد من اللحم لعائلته أم لا، فقد تجاوز سعر الكيلوغرام 400 جنيه (8 دولارات). كذلك، اعتاد محمود عفيفي، وهو مدرس بالمعاش، المشاركة مع ثلاثة من أبنائه في ذبح عجل، ليكون نصيبه ربع الذبيحة، لكن مع ارتفاع الأسعار تراجع أبناؤه عن المشاركة، وهذا العام قرر أن يكتفي بما قيمته سدس سعر الذبيحة، ويبحث حالياً عن مشاركين لاقتسام القيمة، وإن لم يجد فلن يضحي هذا العام. من جهته، قرر علي أمين، وهو مدير في التعليم بحلوان، أن يشتري ذكر ماعز صغيرا يناسب قدراته المالية نظراً لعدم توفر شركاء لشراء ذبيحة من البقر.
وتسهب إيمان مصطفى، وهي معلمة بالمرحلة الابتدائية، حول كيفية تعاملها مع تغير أسعار الذبائح في عيد الأضحى خلال الأعوام الأخيرة، إذ كانت في السابق تتشارك مع أختها في شراء نصف عجل، وكان السعر يناسب دخلها، وكانت نسبتها من الأضحية تكفي للتوزيع على الفقراء والأصدقاء، كما تحتفظ بما يتبقى، بعدها بدأت الأسعار بالارتفاع بشكل جنوني، ما أدى إلى شرائهما ثلث عجل، وهذا العام ستكتفيان بشراء ربع ذبيحة فقط. تضيف: "ثمن ربع الذبيحة حالياً يعادل ثمن النصف قبل عامين. في 2022، كان سعر العجل يتراوح بين 30 ألفاً و35 ألفاً، بينما يبلغ الآن ما بين 60 ألفاً و80 ألف جنيه، والظاهرة الجديدة أن الجزارين لا يستقرون على سعر إلا قبل حلول العيد بأيام، تحسباً لتغير الأسعار في أي وقت. في السابق كان العديد من الفقراء يحصلون على حصتهم من لحوم الأضحية، لكن مع عزوف كثيرين عن التضحية بسبب الزيادة الجنونية في الأسعار، وضعف مقدرتهم المالية، حُرم الفقراء من اللحوم. كنا نقدم كيلوغراماً واحداً لكل عائلة، لكن مع تغير الأسعار، انخفضت الكمية إلى نصف كيلوغرام، وأحياناً أقل".
ولم يقتصر تأثير الأسعار في عيد الأضحى على المضحين، بل تأثر الجزارون أيضاً. يقول مصطفى عنتر الذي ورث مهنة الجزارة عن أبيه وأجداده: "في السابق، كانت عملية الذبح للمضحين تستمر من اليوم الأول للعيد حتى عصر اليوم الرابع، وكانت الأضحية متنوعة ما بين البقر والضأن، ويتواصل الزحام أمام المحل، مع إرسال جزارين إلى المنازل للذبح، ونظراً للمجهود الشاق طوال أيام العيد، كنت أغلق المحل لشهر كامل بعده، إذ كانت البيوت لا تخلو من اللحم، أما الآن فالذبح لا يتجاوز اليوم الأول، ونغلق بعد العيد لمدة أسبوعين، فكثير من زبائننا توقفوا عن الأضحية".
وتقول عايدة إنها تشتري صكوك الأضاحي سنوياً من إحدى الجمعيات الخيرية التي ترسل المال إلى الصومال لتوفير اللحوم لفقراء البلد العربي الأفريقي، بسبب انخفاض أسعار اللحوم هناك، ما يسمح لها بالمساهمة بحصة كبيرة. وتنتشر الحسابات المخصصة لبيع صكوك الأضحية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعلن أصحابها عن تفاصيل الصكوك، وأسعارها، والدول المستفيدة منها، ويقبل عليها البعض، في حين يشكك آخرون في نزاهتها، ويعتبرونها إحدى طرق النصب والاحتيال.