عيد الأضحى... احتفال بلا نكهة في تونس

20 يوليو 2021
برسم من يشتري (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

 

للعام الثاني على التوالي، تُحرَم عائلات تونسية كثيرة من قضاء عيد الأضحى مع العائلة، وسط استمرار تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد، بل تدهور الوضع الوبائي أخيراً بشكل ملحوظ. كذلك، أتت الاستعدادات للعيد الكبير باهتة، فيما يتّفق عدد كبير من التونسيين على أنّ "عيد هذا العام بلا نكهة" فمظاهر الاحتفال غابت كذلك الفرحة المعتادة في مثل هذه المناسبة. ويُضاف إلى أزمة كورونا ارتفاع أسعار الأضاحي بشكل غير مسبوق وتدهور القدرة الشرائية بالنسبة إلى تونسيين كثيرين، إلى جانب حلول العيد في وسط الشهر وليس في آخره أي في موعد صرف الرواتب. ويحلّ العيد هذا العام، في حين أنّ كثراً مصابون بكوفيد-19 وآخرين مشغولون بإصابة قريب وغيرهم محزونون بفقدان عزيز خطفه الوباء. بالتالي، لا يمكن تجاهل الوضع الصحي الذي يلقي بظلاله على المشهد عموماً.

وقبيل العيد، تأخّر باعة مستلزماته من أوانٍ وسكاكين ذبح وفحم وغيرها، عن موعدهم الاعتيادي، في حين حُصر بيع تلك المستلزمات في مساحات وأماكن محدّدة. لكنّ الإقبال أتى ضعيفاً بخلاف العادة. يُذكر أنّ الترويج لتلك السلع كان يحصل في الأسواق الأسبوعية والشعبية التي تعجّ بالمتسوّقين، لكنّها مُنعت بحكم الظرف الصحي والحجر المفروض في محافظات عدّة. ومع غياب الأسواق، غابت أجواء التحضير للعيد.

وفي إحدى المساحات التي خُصّصت لبيع الأضاحي في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، أتى الباعة من مختلف محافظات البلاد المعروفة بتربية الخرفان، لا سيّما القيروان وسيدي بوزيد وسليانة وزغوان. وبخلاف العادة، بدت الأضاحي متوفّرة فيما المشترون قلّة. وفي أحيان كثيرة، كان الزبائن يسألون عن الأسعار قبل أن يمضوا في حال سبيلهم. وهؤلاء القليلون الذين كانوا يبتاعون الأضحية، فعلوا ذلك بعد مفاوضات طويلة مع الباعة من أجل تخفيض السعر.

الصورة
أضاحي العيد في تونس 1 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وتلك الأجواء المحقونة المسيطرة تسبّبت في مناوشات بين الباعة والزبائن، فالكلّ متضرّر. وقد وقعت مناوشة بين بائع ومحبوبة التي قصدت أحد الأسواق مع ابنها وزوجته. تخبر أنّ "البائع طلب 700 دينار تونسي (نحو 250 دولاراً أميركياً) لقاء الخروف، فاستفزني هذا الرقم" مؤكدة أنّ "الخروف كان صغيراً جداً". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "العيد مختلف هذا العام بسبب كورونا، إذ تغيّرت أمور كثيرة وسط انتشار الوباء، وقضاء بعض الشؤون صار مسألة صعبة". وتشير محبوبة إلى أنّها تفهم "عزوف أسر عدّة عن الاحتفال بالعيد. فكثيرة هي تلك التي لا تستطيع توفير ثمن الأضحية" موضحة أنّه "لولا أحفادي وإصرارهم على الخروف لما بحثت عنه ولما اشتريته". من جهته، يقول شرف الدين، ابن محبوبة، وهو موظف في وزارة المالية، إنّ "الأسعار هذا العام مرتفعة والظرف الصحي دقيق. كذلك فإنّ حظر التجوّل لم يترك المجال أمام عائلات كثيرة لاختيار الأضاحي مثل السابق". يضيف لـ"العربي الجديد": "وقد لاحظت تردداً حول فتح الأسواق المخصصة لبيع الخرفان قبيل العيد، الأمر الذي جعل المواطن في حيرة من أمره". ويتابع: "صحيح أنّ العرض كان متوفّراً لكنّ الأسعار لم تكن في متناول كثيرين".

الصورة
أضاحي العيد في تونس 2 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

بالنسبة إلى محمد خروبي، الذي يعمل في مجال الكهرباء، فإنّ "تفشي فيروس كورونا جعل أسراً تونسية كثيرة تنشغل بمجابهته أوّلاً. فالإصابات وكذلك الوفيات لم توفّر أعداداً كبيرة منها"، مشيراً إلى أنّ "نكهة العيد غائبة وثمّة أموراً عديدة تغيرت في حياة التونسيين". يضيف خروبي لـ"العربي الجديد" أنّه "على الرغم من ذلك، وبحسب العادة، اشتريت أضحية. فالعيد عيد على الرغم من الحزن وعلى الرغم من الأجواء التي تخيّم على البلاد. وهذا أمر قامت به أسر كثيرة ولو في الساعات الأخيرة".

في المقابل، يعيد بشار عزعوزي، وهو بائع خرفان "ارتفاع أسعار الأضاحي إلى غلاء الأعلاف وعدم توفّرها. فتربية الماشية صارت عملية صعبة ومكلفة". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "الزبائن بمعظمهم حضروا من دون أن يشتروا. فعزوف أسر عديدة عن الأضاحي أمر متوقع وسط تفشّي الوباء وارتفاع الإصابات". ويلفت إلى أنّ "ثمّة أسعاراً كانت في متناول الناس، ثمّ انخفضت كثيراً بسبب ضعف الإقبال".

الصورة
أضاحي العيد في تونس 3 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يقول محمد، وهو بائع من سليانة لـ"العربي الجديد" إنّ "الأضاحي متوافرة لكنّ المواطن يريد شراء الخروف الكبير بالسعر الذي يناسبه من دون مراعاة لخسائر المزارع". وهو كان قد بقي مع سواه من الباعة نحو عشرة أيام في البقعة المخصصة لبيع الخرفان "وعلى الرغم من التعب والنوم في العراء وصعوبات أخرى تكبّدناها، فإنّنا لم نحقق ربحاً إذ كان الإقبال ضعيفاً". يضيف محمد: "لم أبع بخسارة، بل عدت بخرفاني إلى سليانة، على أمل بيعها في العام المقبل".

بدوره، يؤكد صالح، وهو بائع خرفان، من زغوان، في العاصمة، أنّ "أزمة كورونا أثّرت على العالم أجمع وليس على تونس وعيد الأضحى". يضيف لـ"العربي الجديد": "تضررنا كثيراً، في حين أنّ الأجواء تغيّرت كلياً وكثيرين يخافون من الإصابة بالمرض ويلازمون منازلهم فلم يخرجوا للبحث عن أضاح". ولا يخفي صالح أنّه كان يعوّل على "بيع ولو القليل لتغطية جزء من مصاريف عام كامل. فنحن لا رواتب لنا، في حين تتراكم الديون علينا".

في سياق متصل، تخبر وفاء بن صالح، وهي موظفة في وزارة الصحة أنّها لم تشترِ خروفاً للعيد، موضحة لـ"العربي الجديد" أنّ "الأجواء عموماً غير مناسبة لشراء الأضحية وذبحها. فالمستشفيات تعجّ بالمرضى، وكثيرون منهم في حاجة إلى أوكسجين، بالتالي من المستحسن تخصيص هذه الميزانية لإنقاذ الأرواح" معزية نفسها بأنّ "العيد سوف يحلّ من جديد" مع الأمل في أن تكون الظروف أفضل.

المساهمون