عودة مدرسية... أزمة معلمين وصفوف في تونس

14 سبتمبر 2022
العودة المدرسية ترهق غالبية التونسيين (ياسين جايدي/الأناضول)
+ الخط -

لا تبدو عودة تلاميذ تونس إلى المدارس سهلة، إذ تعيش البلاد واقعاً اجتماعياً صعباً، مع تراجع حادّ في الخدمات العامة، وتحذيرات من مستويات قياسية للتسرب المدرسي الناتج عن تزايد الفقر.

ينطلق العام الدراسي رسمياً في تونس غداً الخميس، ويتجاوز عدد المتمدرسين مليوني تلميذ في مختلف المستويات التعليمية، وتقول نقابات التعليم إن المدارس غير جاهزة لاستقبال هذا العدد الكبير، نتيجة تعثر أشغال الصيانة والترميم، فضلاً عن أزمة المعلمين، إذ يحتاج القطاع على الأقل إلى آلاف من المدرسين الإضافيين.
لا يخفي وزير التربية فتحي السلاوتي صعوبة الوضع في المدارس الحكومية، وهو يقرّ بتأثير عوامل اقتصادية واجتماعية وإدارية على جودة التعليم، محذراً من أن منظومة التعليم العمومي "في حالة احتضار".
وكشف السلاوتي في مؤتمر صحافي، أمس الأول الإثنين، أن "العام الدراسي الجديد يشهد إضافة 35 ألف تلميذ جديد، والمؤسسات التعليمية تواجه فترة صعبة في ظل الأزمة المالية التي تمر بها الدولة. عدد الطلاب الإجمالي يقدر بـ2,3 مليون طالب موزعين على 90194 فصلاً دراسياً، بينما يبلغ عدد المعلمين 154309 فقط، والمدارس تتوزع على مدن وقرى وأرياف البلاد كافة، والوزارة لم تتخذ أية قرارات بإغلاق مدارس، رغم أن بعضها لا يتجاوز عدد التلاميذ فيها 15 تلميذاً، حفظاً لحقهم في التعلم".
ووفقاً لبيانات وزارة التربية، فإن العام الدراسي سينطلق في 6134 مؤسسة تربوية، منها 4588 مدرسة ابتدائية، و1545 مدرسة إعدادية ومعهداً ثانوياً، ومن بينها 22 مدرسة جديدة فقط.
وقال وزير التربية إن أعمال الترميم والصيانة شملت 1612 مدرسة، وذلك بالتعاون مع المجتمع المدني، كما تم توفير صهاريج مياه لنحو 1450 مدرسة غير مربوطة بشبكة توزيع المياه العمومية.
وفي إطار خطة التقشف التي فرضها الوضع الاقتصادي المتردي، قلّصت وزارة التربية من الانتدابات في قطاع التعليم، ما تسبب في نقص كبير في المدرسين والعمال، كما تلجأ الوزارة إلى سدّ الشغور القائم بالعقود المؤقتة التي تبرمها مقابل أجور زهيدة، ما يؤثر على نوعية التعليم التي يتلقاها أبناء التونسيين.
وتؤكد نقابات التعليم أن العودة المدرسية ستكون صعبة بسبب تدهور أوضاع المدارس، ونقص التجهيزات والإمكانات المالية المرصودة، ورجّح كاتب عام نقابة التعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي حرمان التلاميذ من حقهم الدستوري في التعلّم، نتيجة نقص الإطار التدريسي، والذي يقدّر في المرحلة الثانوية وحدها بـ3500 معلم في مختلف الاختصاصات.
وانتقد اليعقوبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، ما اعتبره "فشل سياسات إصلاح التعليم التي تدّعي الوزارة تنفيذها"، مؤكداً إهدار إمكانات كبيرة في عملية إصلاح لن تؤتي أكلها في غياب مشاركة واسعة بين مختلف المتدخلين في الشأن التربوي. 
وكشفت نقابة التعليم الثانوي عن نيتها تنظيم تحرّك احتجاجي في أول أيام العودة المدرسية، عبر تنفيذ وقفة احتجاجية من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة صباحاً، كما قررت النقابة حجب أعداد الثلاثي الأول من السنة الدراسية الجديدة عن الإدارة، وعدم تسليمها إلا بعد تحقيق المطالب المالية والإدارية.

العائلات التونسية تشكو من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية (ياسين جايدي/ الأناضول)

مقابل انشغال النقابات بأوضاع المؤسسات التعليمية ونقص المدرسين، تنهمك العائلات في تأمين حاجات أبنائها من المستلزمات الدراسية، بعد أن وصلت أسعارها إلى أرقام قياسية، مدفوعة بموجة الغلاء ومعدلات التضخم المتزايدة، فضلاً عن ارتفاع رسوم التعليم الخاص ورياض الأطفال.
وتؤكد هدى المناعي، وهي أم لطفلين في المرحلة الابتدائية، أن أسعار المستلزمات المدرسية صدمت جميع الأسر هذا العام، مشيرة إلى ارتفاع كلفة تجهيز تلميذ واحد إلى أكثر من 300 دينار (95 دولاراً أميركياً) بخلاف رسوم التسجيل، واشتراكات النقل.
وأضافت المناعي لـ"العربي الجديد" أن الأسر تواجه صعوبات كبيرة، وتضطر إلى الاستدانة لتوفير مصاريف العودة بعد ارتفاع أسعار بعض المستلزمات إلى ضعف ما كانت عليه في العام الماضي، منتقدة نقص الكراسات المدعمة من الدولة من الأسواق، ما يزيد من أعباء الأسر التي أصبحت ضحية لقوانين السوق التي فرضت واقعاً لا يمكن تحمله، وجعلت حظوظ أبناء المقتدرين أفضل في التعليم، في حين يجبر الغلاء بعض أبناء الفقراء على هجر المدارس لقلة الإمكانات المادية التي تتزامن مع تراجع الدور الاجتماعي للدولة.
وحسب دراسة أجراها معهد الاستهلاك الحكومي في عام 2018، ينفق التونسيون أكثر من نصف مليار دينار سنوياً لتأمين عودة أبنائهم إلى المدارس، غير أن خبراء يرجّحون ارتفاع هذه الكلفة بنسبة 20 في المائة على أقل تقدير بسبب بلوغ التضخم نسبة 8,6 في المائة وفق آخر الاحصائيات الرسمية في شهر أغسطس/ آب الماضي.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وتمثل مساعدات المجتمع المدني، وكذلك المبادرات الخيرية، طوق نجاة لكثير من الفقراء سنوياً، إذ توفر منظمات أهلية مساعدات لآلاف الأسر التونسية، وتشمل حقائب وأدوات مدرسية، خصوصاً في الأرياف والأحياء الشعبية، وغالبية تلك المستلزمات يتم جمعها عن طريق التبرعات.
وتنشر تلك الجمعيات متطوعين في أنحاء البلاد لحث المواطنين على التبرع للمساهمة في شراء اللوازم المدرسية، أو تقديم مساعدات مالية للتلاميذ غير المقتدرين، ويجرى توزيعها لاحقاً داخل المدارس بالتنسيق مع السلطات المحلية.
وينظم آلاف التونسيين في المهجر مبادرات لدعم أبناء الريف في التكفل بمصروفات التلاميذ من أبناء العائلات الفقيرة، وتخصص لهذه لعائلات مساعدات مالية شهرية للحد من الانقطاع المدرسي، ومواصلة التعليم باعتباره وسيلة أساسية للارتقاء الاجتماعي.
كذلك تؤمّن مبادرات التونسيين في الخارج شراء حافلات صغيرة لنقل تلاميذ المناطق النائية الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى مدارسهم نتيجة غياب النقل العام. في حين قالت وزارة الشؤون الاجتماعية إنها ستصرف مساعدات مالية استثنائية للأسر الفقيرة، بقيمة 50 ديناراً للأسرة (نحو 16 دولاراً).
لكن تلك المبادرات والمساعدات لا تفي بالحاجة، حسب المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، والذي ينتقد تدهور جميع الخدمات العامة، وخصوصاً التعليم والنقل والصحة، معتبراً أن هذه الخدمات لا يمكن فصلها عن بعضها.
يقول بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تخلّي الدولة عن دورها الاجتماعي يؤثر على حياة المواطنين ومكتسباتهم الدستورية، وإن "مجانية التعليم أصبحت شعاراً سياسياً. التسرّب المدرسي بسبب ضعف الإمكانات المادية يتوسع من عام إلى آخر، ما يفسر تسرب أكثر من مليون طفل خلال السنوات العشر الماضية، ويرجح أن تبلغ نسبة الانقطاع عن التعليم مستويات قياسية خلال العام الحالي، وأن ترتفع نسبة الأميين في البلاد".

يخشى التونسيون من زيادة التسرب المدرسي بسبب الغلاء (ياسين جايدي/الأناضول)

ونبّه بن عمر إلى تأثير تراجع الخدمات العامة على مستقبل أجيال من التلاميذ الذين تراجعت مكاسبهم التعليمية خلال جائحة كورونا، فضلاً عن تردي البنية التحتية في مؤسسات التعليم الحكومي، والتي تتزامن مع موجة الهجرة نحو التعليم الخاص، ما يعكس عمق أزمة التعليم العمومي، وكل هذا "يحد من المساواة في حق التعليم بين أبناء التونسيين" وفق تقديره.
وتبلغ نسبة الأمية في تونس 17.7 في المائة، بحسب المسح الوطني الذي أعدّته وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي في عام 2019، غير أنّ هذه النسبة سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً، لتصل إلى 17.9 في المائة بعد جائحة كورونا.
ويرى خبراء أنّ الانقطاع المبكر عن الدراسة وزيادة نسب التسرّب المدرسي، وصولاً إلى ترك أكثر من مليون تلميذ مقاعد الدراسة خلال السنوات العشر الأخيرة، يمثّلان أبرز أسباب زيادة نسب الأمية، وتُضاف إلى ذلك محدودية انخراط كبار السنّ في منظومة تعليم الكبار التي تظل نتائجها محدودة جداً.
ويغادر 55 في المائة من جملة المتسربين مقاعد الدراسة خلال السنوات الأولى، وهم فئة لا تشملها خطط إعادة الدمج، أو برامج تعليم الكبار، وتنخفض نسبة التمدرس مع تقدّم التلاميذ في السنّ، وتُسجَّل فوارق كبيرة بين نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سنّ السادسة، والذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 18 سنة، إذ تنخفض النسبة من 99.5 في المائة بين الفئة الصغرى، إلى 81.9 في المائة بين الفئة الكبرى.

المساهمون