رغم توقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، وصدور بيان من هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، يطلب عودة العائلات التي نزحت من بيوتها، غير أن هذه العودة خجولة، وتكاد تخلو شوارع المخيم من السكان، فمن ظلوا في بيوتهم عاشوا أشكالاً من الخطر، والخوف، ومن عادوا كان هدفهم تفقد منازلهم أو محال عمله بعد أن توقفت الاشتباكات.
ولا تزال الدشم العسكرية قائمة في مناطق الاشتباكات، والشوادر التي وضعها المسلحون لقطع الطرق حاضرة، ولا تتوفر الكهرباء في المناطق التي تعرضت للاستهداف، ولا مياه الشرب، كما أن عشرات من خزانات المياه تضررت بشكل كبير.
عند دخولنا المخيم كان عمال التنظيفات يعملون على نقل كميات كبيرة من النفايات التي تراكمت خلال أيام الاشتباكات، وقال مدير الهيئة الإغاثية الشعبية، السيد ماهر، لـ"العربي الجديد": "مهمتنا الأساسية هي رفع النفايات من شوارع وأحياء مخيم عين الحلوة، ونقلها إلى خارجه، وبعد توقف الاشتباكات، بدأ عملنا من حي الصفصاف، وسنكمل نقل النفايات من بقية الأحياء تباعاً، ويساعدنا متطوعون من أبناء المخيم، ونعمل بالتنسيق مع وكالة أونروا، وعمالها هم من يتولون إخراج النفايات من المخيم بالتنسيق مع الجيش اللبناني".
من أمام محله لبيع الخضروات المدمر تماماً، يقول مجدي: "لا شيء يقال، ولم نعد نستطيع التحمل. كل عامين نشهد اشتباكات مماثلة، وكل عامين يهجر أهل المخيم، وتقصف منازلهم، ويروع أطفالهم. سيارتي التي أنقل فيها الخضار من الحسبة (سوق الخضار في مدينة صيدا) إلى المخيم تعرضت للقصف، وكذلك المحل والبيت. في كل مرة تكون خسائري المادية كبيرة، وأعاود تصليح ما خربته الاشتباكات. تعبت من تكرار هذا، لكني أحمد الله هذه المرة أن البضاعة الجديدة لم تكن في المحل عند بدء الاشتباك، وتقدر بنحو 3500 دولار".
ويقول حسام ميعاري "أبو رشيد": "ليس لنا علاقة بأي شيء، لكن بيتي تم استهدافه، ومثله محل الألمنيوم الذي أعتاش منه. هذا بيتي، وهذه غرفة أولادي مدمرة، والحمد لله أننا لم نكن موجودين في البيت لحظة استهدافه، فقد خرجت مع زوجتي وأولادي إلى منطقة صور، إلى بيت أهل زوجتي، لأنه ليس عندي إمكانية مادية حتى أؤمن لأسرتي احتياجاتها، كما أنه ليس لدي قدرة على تصليح ما خرب، ولا القدرة على استئجار منزل، وفي الوقت نفسه لا أستطيع فتح محلي لأعمل. جئت اليوم إلى المنزل كي أنظفه وأزيل الركام من جراء القصف، لكني لن أستطيع البقاء فيه، وما يمنعني من العودة هو عدم استطاعتي تصليح البيت، كما أن الوضع الأمني ما زال متوتراً".
يتابع أبو رشيد أن "خزانات المياه متضررة، والصرف الصحي، والكهرباء، لا شيء يمكننا من البقاء في البيت، حتى محلي أخاف أن أفتحه خشية عودة الاشتباكات. عندي أربعة صبيان، وابني نجح في امتحانات الشهادة الرسمية هذا العام، ولا أعلم إن كنت سأستطيع تسجيله في الجامعة. أسسنا بيوتنا، وسنعاود التأسيس من جديد، لكني لا أعلم كيف سأبدأ من جديد".
لم تغادر الحاجة أم أحمد منزلها في منطقة أوزو في الشارع التحتاني، وتقول: "لقد بقيت في بيتي طيلة أيام الاشتباكات، لكن يوم الأربعاء الماضي كان الأعنف، فخرجت من المنزل لأن سقفه تنخّل من كثرة ما أصيب، فجئت إلى مكتب الجبهة الشعبية واحتميت فيه. لا أحب أن أترك المخيم في أي ظروف، حتى عندما تحصل الاشتباكات وأنا خارجه، أعود إليه وأبقى في منزلي". وتواصل: "نحن أشخاص بسطاء، ونريد الأمن والسلام، ونريد أن يرجع الناس إلى بيوتهم، وأن يعود الشباب إلى أعمالهم. هذا قدر الشعب الفلسطيني".
وقالت جيهان، المقيمة في منطقة الشارع التحتاني بالمخيم: "عند بدء الاشتباكات نزحت إلى مخيم برج الشمالي في منطقة صور، لأن الوضع كان مخيفاً، وسقف بيتي من الزينكو (ألواح معدنية)، وعندما بدأت الاشتباكات كنت وابني البالغ من العمر أربع عشرة سنة في البيت، وابني الثاني في العمل، لكن بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، جئت كي أتفقد بيتي، ووجدت بضع طلقات أصابته، وسقطت قذيفة أمام البيت، وأشعر بالحزن على الشباب الذين ماتوا، فجميعهم من جيراننا أو نعرف عائلاتهم".
وتتابع: "أخبرني الجيران الذين لم يغادروا بيوتهم بأن الوضع كان خطيراً للغاية، وأنه حتى الآن، مظاهر التسلح مازالت موجودة، وأن طريق حي الطوارئ مغلق، والشارع المؤدي إلى بيتنا يواجه طريق الطوارئ، وهناك تخوفات دائمة من تجدد الاشتباكات في أي لحظة، لذلك قررت أخذ بعض الأغراض من بيتي، والعودة إلى برج الشمالي في صور".