عودة الروح إلى مكتبات الموصل بعد تدميرها على يد تنظيم "داعش"

09 فبراير 2022
عاد القراء إلى مكتبة الموصل المركزية مجدداً (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

تستعد المكتبة المركزية لجامعة الموصل، إحدى أكبر الجامعات العراقية، لاستقبال روادها مجددا، ورفدهم بمختلف الكتب، بعد ما تعرضت له من حرق ودمار خلال معارك طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من المدينة.

لطالما عُرفت الموصل بمكتباتها الزاخرة بالكتب النادرة المحفوظة منذ مئات السنين. لكن إبّان سيطرة تنظيم الدولة على المدينة الواقعة في شمال العراق، بين 2014 و2017 ، منع التنظيم السكان من قراءة المؤلفات التي تتعارض مع أفكاره المتطرفة تحت طائلة العقاب.

خلال تلك السنين، أكلت الحرائق التي أضرمها عناصر التنظيم آلاف الكتب في القانون والأدب والعلوم والفلسفة، فيما بيع النادر منها في السوق السوداء. ويستذكر المدير الفني لمكتبة الجامعة، محمد يونس، وضع المكتبة قائلا: "عندما وصلنا رأينا الكتب أُنزلت من الرفوف إلى الأرض وهي محترقة". 

على الرغم من الخسائر التي لا تُقدّر بثمن، ستعيد المكتبة المركزية فتح أبوابها مجدداً في نهاية فبراير/شباط، بعد جهود كبيرة، ودعم إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة.

وأعيد ترميم المكتبة الممتدة على أربعة طوابق مع واجهات زجاجية داكنة أنيقة، لتضم في مرحلة أولى 32 ألف كتاب، إضافة لمؤلفات أخرى يمكن الوصول اليها إلكترونياً. ويُتوقع أن تضم في نهاية المطاف نحو مليون كتاب.

ويقول محمد يونس بحسرة: "في الماضي، كان لدينا أكثر من مليون كتاب تقريباً، من بينها كتب نادرة غير موجودة في أي جامعة أخرى في العراق. 85 في المائة من محتويات المكتبة التي أسست عام 1967، تعرضت لأضرار، ولم نتمكن من إنقاذ إلا قسم النوادر والخزانة، وجزء بسيط من المؤلفات الأجنبية".

أحرقت وسرقت آلاف الكتب النادرة من مكتبات الموصل

وأضاف: "لتعويض ما ضاع من مؤلفات تبرعت جامعات دولية وعربية بأعداد ضخمة من الكتب" من أجل "أن تنهض المكتبة المركزية مجددا، وهناك تبرعات أخرى من شخصيات بارزة من الموصل، ومن عموم العراق، من مكتباتهم الشخصية".

واتخذت المكتبة خلال الفترة الأخيرة، موقعا بديلا ضيقا ضمن كلية الهندسة في الجامعة نفسها، وبدت الرفوف الصفراء مثقلة بالكتب المكدسة في أرجاء المكان، وبينها ما وُضع داخل صناديق، وأخرى مرصوفة على الطاولات.

تبرعت جامعات وعائلات بآلاف الكتب لمكتبة جامعة الموصل (زيد العبيدي/فرانس برس)

يقوم طارق عطية (34 سنة)، والذي درس في جامعة الموصل قبل إعداد أطروحة الماجستير في علوم اللغة العربية في جامعة تكريت، بالبحث عن مؤلفات في جامعات العراق. ويقول: "لاحظت فرقا في المكتبة عن الماضي عندما كان يُشار إليها بالبنان. جامعة الموصل كانت تعرف بأنها (أم الكتاب)، وهناك فرق كبير بين ما كان الوضع عليه قبل سيطرة تنظيم الدولة على المدينة، وما بعد تحريرها".

والموصل من بين أهم المدن التاريخية في العراق، وعُرفت بثرائها الثقافي والفكري، ومجتمعها الذي يضم طبقة أرستقراطية، وتجارا ورجال أعمال بارزين.

ومع التبرعات التي قدمتها العائلات البارزة في الموصل، والإنتاج المحلي في المدينة التي افتُتحت فيها أول مطبعة في العراق في منتصف القرن التاسع عشر، والتبادل الثقافي، شكّلت الموصل مركزا تجاريا رئيسيا في الشرق الأوسط لسنوات طويلة، ومقراً لعدد كبير من الأعمال النادرة والقديمة، ومن بينها الكتب الدينية.

إلى جانب مكتبة جامعة الموصل، هناك "مكتبة الأوقاف" التي كانت تضم مخطوطات عمرها 300 أو 400 عام، لكن "جميعها اختفت" وفقا لمسؤول المكتبة، أحمد عبد أحمد.

بين المراكز الثقافية في الموصل، كان شارع النجيفي التاريخي يعج بمحال بيع الكتب، لكن آثار الدمار لا تزال قائمة فيه، وكذلك الأنقاض التي خلفتها معارك طرد الجهاديين من المدينة، وما زالت أكوام الأنقاض تنتشر في محال مهجورة تحت أقواس المباني القديمة، بانتظار إزالتها.

وحدها محال تجارية قليلة أعادت فتح أبوابها بعد تولي أصحابها دفع تكاليف أعمال الترميم، من بينهم السبعيني أسامة الكركجي، والذي يبيع الكتب الدينية والدفاتر والأقلام في المكتبة التي ورثها عن والده.

كانت شوارع الموصل تضم عشرات المكتبات قبل سيطرة تنظيم داعش (زيد العبيدي/فرانس برس)

وهناك مكتبة الموصل المركزية التي أعيد افتتاحها بعد أعمال ترميم نهاية عام 2019، وهي مؤسسة عامة أسست عام 1921، وكانت تحتوي على 121 ألف مؤلف، من بينها كتب ومجلات يعود تاريخ بعضها إلى نحو مائة عام.

ويقول مدير المكتبة، جمال عبد ربه، وهو يتطلع إلى رفوف مكتبته التي انتشرت فيها كتب قديمة بعضها مغلف بالجلد: "فقدنا 2350 كتابا في اختصاصات مختلفة مثل الأدب وعلم الاجتماع والدين". لكن عدد المطبوعات عاد إلى 132 ألفاً حاليا بعد شراء كتب، وتلقي أخرى كهدايا من مؤسسات حكومية، ومن سكان المدينة.

(فرانس برس)

المساهمون