اعتبر الهجوم الدموي الذي استهدف مدرسة للأطفال في مدينة بشاور الباكستانية في عام 2014، وأدى إلى مقتل 141 شخصاً غالبيتهم من تلاميذ المدرسة، محطة فاصلة في الحرب على الإرهاب، إذ أعقبه إطلاق الجيش الباكستاني هجوماً واسعاً ضد معاقل حركة "طالبان باكستان" ومجموعات مسلحة أخرى في إقليم شمال وزيرستان، كما تسبب الهجوم في تغييرات جذرية في السياسات، من دون أن يمنع استمرار طرح الكثير من الأسئلة حوله.
بعد تلك الواقعة، توالت الهجمات على المدارس والمعلمين بوتيرة متباينة، وتحديداً في مناطق شمال غربي البلاد المحاذية للحدود مع أفغانستان، ما أثار قلق المعلمين، وزاد من معاناتهم. في الرابع من مايو/ أيار الجاري، هاجم مسلحون مدرسة حكومية في بلدة باراتشينار النائية الواقعة في منطقة "كرم" المحاذية للحدود مع أفغانستان، وقتلوا ثمانية مدرسين، سبعة منهم ينتمون إلى الأقلية الشيعية.
وفيما لم تكشف الشرطة كثير من التفاصيل عن الهجوم الذي لم تتبنه أي جهة، لكنه أثار غضب الأساتذة في المنطقة والمناطق مجاورة، لا سيما أن الحكومة لم تجر التحقيقات التي وعدت بها، كما لم تتخذ أية خطوات جدية لحماية المدرسين في المناطق المتوترة، واكتفت بالتنديد بالواقعة، وتأكيد التزامها إجراء تحقيق لكشف الدافع وراء الحادث، بعد أن رجحت ارتباطه بالإرهاب، علماً أن هجمات عدة استهدفت باراتشينار في السابق.
يقول محمد علي تور، أحد الزعماء القبليين في منطقة كرم، لـ"العربي الجديد": "كأنه لا قيمة لدماء أبناء المنطقة الفقيرة لدى أصحاب القرار، ونحن لا ندري من القتلة، وما هي دوافعهم لارتكاب هذا العمل الشنيع ضد أشخاص عزل وينفذون مهمات تجلب فوائد كثيرة للمنطقة، لكن ما نشاهده على الأرض أن الحكومة تكتفي بإطلاق وعود لا طائل منها، ولا جدوى حتى من تكرارها، لأن الشعب يدرك أنها مجرد عبارات روتينية، في حين تستمر اللعبة التي يدفع أبناء الشعب العزل ثمنها".
يضيف الزعيم القبلي: "تدمر الهجمات الممنهجة المنطقة عبر قتل الزعماء القبليين، واستهداف المدارس، وقتل المعلمين، وكذلك الطواقم الطبية، والفرق التي تنفذ حملات التطعيم. كل ذلك من أجل تحقيق هدف واحد يتمثل في أن تصبح المنطقة من جديد مرتعاً للتنظيمات المسلحة، وتشكل ساحة لصراعات القوى العالمية والمحلية. نتهم الحكومة وأجهزة الأمن بالضلوع في اللعبة، أو التورط فيها، أو على الأقل الفشل في التصدي لهذه اللعبة الخطرة إذا لم تكن جزءاً منها".
وبمعزل عن الأبعاد السياسة وتلك المرتبطة بالاستراتيجيات الأمنية الداخلية والخارجية للهجوم في منطقة كرم، أثار تكرار استهداف المدارس تحديداً قلق المعلمين والتلاميذ وعائلاتهم، لأن الهجوم الأخير شهد اقتحام المهاجمين لمبنى المدرسة، وإطلاقهم النار داخل المقر، يوضح علي تور: كان أعضاء الطاقم التدريسي يتواجدون من أجل تحضير الامتحانات. أطلق المسلحون النار بكثافة، وقتلوا سبعة مدرسين، وعدداً من العاملين في المدرسة، وبعد خروجهم أردوا مدرساً ثامناً، ما يعني أن الخطر لاحق الجميع، سواء كانوا داخل المدرسة أو خارجها، أكانوا طلاباً أو مدرسين أو عاملين في الكادر الإداري".
يقول خير والي، وهو مدرس من المنطقة، لـ"العربي الجديد": "يعيش جميع أبناء منطقة كرم في خوف كبير من التطورات، واحتمال تصاعد عمليات العنف في ظل عدم وجود رادع أمني قادر على تنفيذ مهمات التصدي للمهاجمين. عادت موجة أعمال العنف مجدداً لتستهدف المعلمين الذين يشكلون الأمل الوحيد لإخراج المنطقة من الوضع السيئ القائم، وكل أنواع الويلات التي تشهدها".
يتابع: "دمرت الحرب الأميركية على الإرهاب المدارس والجامعات والمراكز التعليمية في منطقتنا، لذا يخشى المعلمون من تجدد هذه التجربة المريرة، ما يجعل غالبيتهم في حالة قلق دائم، فهم خائفون على وظائفهم لأنهم يكسبون رزق أولادهم من ممارسة هذه المهنة، وكذلك على أرواحهم. المدرسون الذين قتلوا رحلوا، ولم تفعل الحكومة أو أي من الجهات المعنية أي شيء لمساعدة أسرهم الفقيرة، وبقي أولادهم يتامى لا يسأل عنهم أحد، ولا ندري هل ستحصل هذه الأسر على مرتبات الآباء المتوفين، ولا نتوقع أن تفعل الحكومة الكثير لهم".
ولا ينحصر القلق من الهجمات على المدارس على المعلمين وحدهم، بل يشمل التلاميذ وعائلاتهم أيضاً. يقول محمد علي: "عندما ننظر إلى طبيعة الهجوم الأخير على المدرسة في منطقة كرم، نشعر بخوف كبير، ومن حسن الحظ أن الطلاب لم يكونوا متواجدين في المدرسة لأنهم كانوا يستعدون للامتحانات في بيوتهم، وإلا لقتل المسلحون المدججون بالسلاح كل من ظهر في وجههم، ولكانت المجزرة أكبر بكثير".