عمّال مزارع المغرب... ضحايا حوادث الطرقات

14 مارس 2022
قد تكون حقوقه مهدورة (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لم يكن العامل الزراعي المياوم أحمد العقاوي يتوقع أن تنتهي به الحال في صباح ذلك اليوم في المستشفى، بعد أن وقع ضحية حادثة اصطدام على الطريق الرابط بين مدينتَي مكناس والحاجب وسط المغرب بين شاحنة لنقل البضائع ومركبة خاصة تقلّ عمّالاً زراعيين، الأمر الذي أدّى إلى مصرع شخص وإصابة 24 آخرين بجروح بعضها خطر.

يقول العقاوي لـ"العربي الجديد": "شعرت بعدد كبير من الأشخاص يسقطون عليّ، ثمّ أغمي عليّ ولم أدرك ما حدث إلا بعد أن استفقت في المستشفى، واكتشف أنّني أُصبت بكسور في القفص الصدري وبقدمي اليمنى". يضيف: "نجازف بحياتنا لتوفير الخبز لأطفالنا، فنستيقظ باكراً، عند الفجر، ثم نتوجّه إلى الموقف لنُنقَل إلى الحقول والضيع الزراعية. لكنّنا لا نعرف إن كنّا سوف نعود مساء إلى ذوينا سالمين، من جرّاء غياب شروط السلامة على الطرقات".

ويشير العقاوي إلى أنّه "خلال عملي كعامل زراعي مياوم منذ 15 عاماً، كنت شاهداً على تعرّض عشرات من العمّال الزراعيين في أثناء نقلهم إلى مواقع العمل، للسقوط وللإصابة بجروح وكسور وكذلك للموت في خلال حوادث سير خطرة ومميتة". ويشرح أنّ "عملية النقل تتمّ في شاحنات صغيرة مخصّصة لنقل الخضراوات والفواكه والماشية، علماً أنّ الشاحنة الواحدة تحمل أكثر من 30 عاملاً". ويتابع العقاوي أنّ "عائلات العمّال الزراعيين ضحايا حوادث السير لا تستفيد من نظام التأمين على الحوادث، في حال لم تكن وسيلة النقل المعتمدة حينها مؤمّنة أو كانت ذات نظام تأمين خاص بالزراعة يحتسب فقط ثلاثة ركاب بمن فيهم السائق دون غيرهم".

ويواجه نحو مليون و200 ألف مغربي يعملون في الحقول والضيع الزراعية وفي محطات التلفيف (التوضيب)، يومياً، خطر الموت والإصابة بإعاقات دائمة بسبب ظروف نقلهم مكدّسين بأعداد كبيرة جداً في وسائل غير آمنة وعلى مرأى ومسمع من قوات فرض تطبيق قانون السير والجَولان والسلطات الحكومية الأخرى، بحسب الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وهو أكبر اتحاد عمّالي في المغرب.

في خلال السنوات الأخيرة، تكرر مشهد سقوط ضحايا ومصابين في صفوف العاملين في القطاع الزراعي على طرقات مناطق زراعية عدّة، مثل أكادير وشتوكة آيت باها وبركان ومولاي بوسلهام وبني ملال والفقيه بنصالح وتارودانت وغيرها من الأماكن حيث ينتشر تشغيل العمّال الزراعيين. ولعلّ أسوأها ما حصل في الرابع من إبريل/ نيسان من عام 2019 في منطقة مولاي بوسلهام غربي البلاد، حينما أدّى اصطدام قوي بين شاحنة لنقل الرمال ومركبة نقل عاملات زراعيات إلى وفاة تسعة أشخاص وإصابة 24 آخرين.

يقول الناشط الحقوقي وعضو المركز المغربي لحقوق الإنسان (غير حكومي) في اشتوكة آيت باها، منطقة زراعية جنوب غربي المغرب، عبد السلام موماد، إنّ نعت "عربات الموت" بات لصيقاً بالمركبات المخصصة لنقل العاملات والعمّال الزراعيين، نظراً إلى "حوادث السير المتكررة واهتراء هذا الأسطول وانعدام أدنى شروط السلامة داخل تلك العربات".

الصورة
عاملات زراعيات في المغرب (فاضل سنّا/ فرانس برس)
(فاضل سنّا/ فرانس برس)

ويوضح موماد لـ"العربي الجديد " أنّ "هذه الفئة من اليد العاملة تساهم في الأمن الغذائي بالمغرب، وتعاني بغالبيتها من مشكلات وظروف العمل والعيش، إلى جانب تعرّضها لهضم مجموعة من الحقوق، مع تسجيل سلسلة من الحوادث المميتة التي ذهب ضحيتها شهداء وشهيدات لقمة العيش، وكلّ ذلك بفعل استهتار أرباب العمل من كبار المزارعين بأرواح البسطاء من العاملات والعمّال الزراعيين الذين يعدّون بالآلاف".

من جهته، يقول رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان (أكبر تنظيم حقوقي غير حكومي في المغرب) في أكادير، عبد العزيز السلامي، لـ"العربي الجديد" إنّ نقل العاملات والعمّال الزراعيين "يُعَدّ وجهاً من أوجه الأوضاع المأساوية التي يعيشها هؤلاء، من هضم لحقوقهم ودوس لكرامتهم، من قبل مستثمرين همّهم الوحيد الربح ولو أتى ذلك على حساب كرامة وعرق وأرواح المواطنين"، لافتاً إلى "غياب التفاعل الإيجابي مع الشكاوى المقدّمة للسلطات حتى تتحمّل مسؤوليتها، وغضّ الطرف عن الخروقات المسجّلة في نقل العمّال، بما فيها من اهتراء وسائل النقل، وحشر عدد كبير من العمّال والعاملات على متنها، وعدم توفّر بعضها على التأمين أو عدم تأمين الأعداد البشرية المنقولة".

يضيف السلامي أنّ طريقة تعاطي الجهات المسؤولة مع أرباب الضيع الزراعية "تشجّعهم على مواصلة الاستهتار بأرواح العمّال الزراعيين، في غياب تدخّلات قبلية لعناصر الأمن والسلطات المحلية من أجل وقف عمل العربات غير المستوفية لشروط السلامة. هذا من دون التطرّق إلى مسألة الإفلات من العقاب في ملف الخروقات التي يعرفها تطبيق قانون الشغل، ليتمّ في الأخير تحميل المسؤولية للسائقين المغلوب على أمرهم في حوادث السير التي يذهب ضحيتها العمّال، من دون أن يمسّ أيّ إجراء المستثمرين الذين يتملصون من توفير وسائل نقل تحفظ للعمّال إنسانيتهم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبينما تطرح حوادث السير المتواترة موضوع تأمين العمّال الزراعيين وسلامة نقلهم، يشدّد المستشار البرلماني عن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (اتحاد عمالي) خالد السطي لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة تحسين ظروف عمل هؤلاء، ولا سيّما تحسين خدمات النقل لتجنّب الحوادث المأساوية، بالإضافة إلى إنشاء جهاز تفتيش للشغل خاص بالقطاع الزراعي".

المساهمون