عمّال العراق ضحية غياب اشتراطات السلامة

22 أكتوبر 2021
حوادث الوفيات ما زالت تُسجَّل بشكل يومي بين العمّال (همن بابان/ الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من الوعود التي أطلقتها الحكومات المتكرّرة بتحسين أحوال العمّال في العراق، ومنها إلزام أصحاب العمل والمشاريع بتوفير معدّات الحماية والأمن اللازمة لمستخدميهم، فإنّ حوادث الوفيات ما زالت تُسجَّل بشكل يومي بينهم في مدن عراقية مختلفة. ويقول مسؤول في وزارة الداخلية العراقية في بغداد لـ"العربي الجديد" إنّ "ما لا يقلّ عن 10 وفيات بين العمّال في العراق تحدث بمعدّل أسبوعي، كثير منها بسبب فقدان اشتراطات السلامة". يضيف المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته أنّ "حوادث الوفاة بمعظمها تُطوى بتسوية عشائرية بين أهل الضحية وصاحب العمل، من ضمن العرف العشائري والاجتماعي أو الفصل. ويأتي ذلك من خلال تقديم تعويض لذوي الضحية الذين هم في العادة من الفقراء الذين يقبلون التعويض، إذ إنّ القانون العراقي لن يعوّضهم أو يدفع لهم راتباً. وهكذا يفضّل هؤلاء تعويضاً من صاحب العمل في مقابل التنازل عن الشكوى اضطراراً".
أمّا وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فتقرّ بتقصير في قضية حماية العاملين في معظم الأنشطة الاقتصادية للقطاعَين العام والخاص. وقد صرّح معاون مدير المركز الوطني للصحة والسلامة المهنية في الوزارة مشرق عبد الخالق بأنّ "فرق التفتيش التابعة للمركز رصدت حوادث وإصابات نتيجة افتقار بيئة العمل في القطاعَين الخاص والعام" إلى اشتراطات السلامة، موضحاً أنّ ذلك يعود إلى عدم توفّر شروط الصحة والسلامة وقلة الوعي بأهمية توفّرها للحفاظ على حياة العمال. ولفت عبد الخالق في تصريحاته الصحافية السابقة إلى أنّ "رصد وتسجيل إصابات العمل في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية يتمّ من خلال التعاون مع الجهات الصحية المخوّلة بموجب قانون العمل"، مضيفاً أنّ "من شأن نشر ثقافة الصحة والسلامة المهنية تقليل الإصابات للحفاظ على عناصر الإنتاج، وفي مقدّمتها العنصر البشري، بيد أنّ أغلب المشاريع لا تعير هذا الجانب الأهمية المطلوبة، ما يعرّض حياة العاملين إلى الخطر". 

من جهته يؤكد رئيس لجنة العمل والهجرة في البرلمان المنتهية ولايته رعد الدهلكي لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة حاجة إلى تشريعات قانونية في هذا الشأن. لذلك وُضع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي على طاولة التصويت قبل الانتخابات، لكنّ الوقت لم يُسعف لجنة العمل لإكمال هذا القانون، للأسف". ويلفت الدهلكي إلى أنّ "البرلمان الجديد سوف يتابع إقرار قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، لأنّه يُعَدّ من أهمّ القوانين التي تخص حياة العامل والمواطن"، موضحاً "ذهبنا إلى هذا القانون لضمان حقوق الشباب العمّال في القطاع الخاص. فتكرار الحوادث التي يذهب ضحيتها عمّال يعود إلى ضعف التشريعات وعدم تطبيق القانون. فالقوانين بعد عام 2003 (تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق) بدأت تُطبّق مزاجياً". ويشدد الدهلكي على "ضرورة أن تكون ثمّة دولة مؤسسات حقيقية تلتزم بالقوانين، إذ إنّه لا بدّ للقانون أن يضمن حقوق العمّال والفقراء".

 

عامل عراقي في العراق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
تفتقر بيئات العمل إلى اشتراطات السلامة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

وفي هذا الإطار، يقول عضو اتحاد نقابات عمّال العراق سعد الكرخي لـ"العربي الجديد" إنّ "حقوق العمّال في البلاد تكاد تكون غائبة تماماً منذ 18 عاماً"، موضحاً أنّ "البرلمانات المتعاقبة لم تنصفهم من خلال التشريعات. كذلك فإنّ الحكومات التي توالت على السلطة منذ عام 2003 لم تتّخذ أيّ خطوات من شأنها النهوض بواقع العمّال المتردي". ويبيّن الكرخي أنّ "أجرة العامل العراقي تصل إلى 25 ألف دينار عراقي (نحو 17 دولاراً أميركياً) في أحسن الأحوال، وهذا المبلغ لا يكفيه لسدّ قوت يومه بعد الارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة قرار الحكومة خفض قيمة الدينار في مقابل الدولار في نهاية العام الماضي". يضيف أنّ "ثمّة عدداً غير قليل من العمّال تعرّض إلى حوادث، بعضها أدّى إلى الوفاة أو تسبّب في إعاقة من دون توفّر أيّ تعويض للمصابين وأسر المتوفّين، سواء أكان ذلك من قبل المعامل والشركات التي كانوا يعملون بها أم من قبل الحكومة".
وفي سياق متصل، يؤكّد المرشّح الفائز في الانتخابات حسين عرب، وهو نائب سابق، أنّ "العراق تأخّر عن بقيّة دول العالم في كل شيء. فالدولة العراقية لم تتمكّن من توفير ضمانات لمختلف الشرائح، من بينها العمّال". يضيف عرب لـ"العربي الجديد": "لا تتوفّر لدينا خطط استراتيجية واضحة لضمان حقوق العمّال"، موضحاً أنّ "قيام البرلمان الجديد بتمرير قانون التقاعد والضمان الاجتماعي سوف يضمن حقوق العمّال بشكل كبير".

ويشير عرب إلى أنّ "هذا القانون في حال إقراره، فإنّه سوف يوفّر للعمّال ضماناً صحياً ورواتب تقاعدية، مؤكداً أنّ "إجراءات الصحة والسلامة المهنية والدفاع المدني ضعيفة في كلّ مواقع العمل في العراق إلا في ما ندر". ويتابع عرب أنّ "قلة الرقابة أدّت إلى الاستهتار بأرواح الناس، والبرلمان المنحلّ سبق أن شكّل قبل سبعة أشهر لجاناً لمراقبة المصانع حيث لا تتوفّر إجراءات وقائية". ويشدّد عرب على "ضرورة معاقبة المتسبّبين في الأذى للعمّال"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة من أحيل إلى القضاء". ويكمل عرب أنّ "مهمّة البرلمان هي تشريع القوانين التي تحفظ حقوق العمّال، فيما تقتضي وظيفة الحكومة تطبيق هذه القوانين. ولا بدّ من العمل على تحقيق ازدهار نوعي في توفير الخدمات للعمّال".

المساهمون