عمال تونس... انتظار تعويضات الحوادث رفيق المتضررين لأعوام

31 يناير 2023
لا يحظى كلّ العاملين في تونس بالتغطية الصحية والاجتماعية (أنيس مليلي/ فرانس برس)
+ الخط -

"جرحت يدي اليمنى وأنا أجمع بقايا بلاستيك من قمامة لبيعها إلى مجمّعي هذه المواد الذين يسلّمونها بدورهم إلى معامل إعادة التدوير. لم أضع حينها قفازات لحماية يدي من خطر الإصابة، إذ لم أهتم كثيراً بحال الجرح إذ اعتقدت في البداية أنّه بسيط وسيختفي مع مرور الوقت رغم أنني رأيت أنه عميق". 
هذا ما يقوله العامل التونسي عبد الرحمن الغالي لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "حصلت هذه الحادثة قبل أربع سنوات تقريباً، وتسببت في إصابتي بالتهاب كبير في يدي جعلني أتلقى علاجاً لمدة أكثر من ستة أشهر، وذلك على نفقتي الخاصة. كما اضطررت خلال فترة علاجي إلى التوقف عن العمل مدة طويلة بسبب عدم قدرتي على التقاط أي شيء بيدي اليمنى، في حين لم أتمتّع بأي تغطية صحية أو اجتماعية لأنني لا أعمل في شركة وفق عقد منظم، بل في قطاع مهمّش لا يجد فيه أي شخص يتعرض لإصابة أي تعويض أو علاج مجاني. وبعد الحادثة تركت العمل في جمع النفايات، وعملت حارس مبنى في تونس العاصمة".

وتؤكد العديد من المنظمات والجمعيات المهتمة بحقوق العمال أنّ آلافاً من مزاولي مهن في قطاعات مهمّشة ووقتية لا يحصلون على تعويضات أو رعاية صحية مجانية في حال تعرّضهم لحوادث في العمل. 
وعموماً يمكن أن يحصل فقط من ينخرط في منظومة التغطية الصحية بصفة فردية أو عن طريق شركة أو مشغل على تعويض من الصندوق، فيما يبقى عدد حوادث العمل في قطاعات خاصة أو مهمّشة على غرار أعمال البناء الحر أو الزراعة أو أعمال بسيطة أخرى غير مصرّح به في السجلات الرسمية، ما يمنع حصر عدد حوادث العمل فيها. أيضاً، تحصل آلاف حوادث العمل الأخرى في قطاعات منظمة يتمتع العاملون فيها بتغطية صحية واجتماعية. 

الصورة
لا يمكن حصر نسبة حوادث الشغل في القطاعات المهمشة (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
لا يمكن حصر نسبة حوادث الشغل في القطاعات المهمشة (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)

تقارير الحوادث المسجلة
ويشير تقرير نشره الصندوق الوطني للتأمين على المرض أخيراً إلى أنّ عدد حوادث العمل التي أبلغ بحدوثها من مؤسسات منخرطة في نظام جبر الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع الخاص بلغت 25.612 خلال عام 2021، في ارتفاع نسبته 3.9 في المائة مقارنة بعام 2020 الذي شهد 24.644 حادثاً جرى تسجيلها".
ويورد التقرير أنّ حوادث العمل القاتلة بلغت 100 عام 2021 مقابل 114 عام 2020. ويلخص، من خلال دراسة أجراها، أسباب الحوادث القاتلة في مكان العمل المصرح بها عام 2021، بالسقوط والتعرض للتيار الكهربائي والإصابة بنوبة قلبية أو التعرض لضربات من أجسام ثقيلة.
إلى ذلك تحتل الاعتلالات العظمية العضلية المرتبة الأولى على قائمة الأمراض المهنية المصرح بها، ثم الإصابة بفيروس كوفيد- 19 وأمراض الجهاز التنفسي والقلب والصمم المهني والعيون وتلك الجلدية والجرثومية.
وتحتلّ صناعة الملابس المركز الأول ضمن توزيع عدد حوادث العمل بحسب القطاعات، وتليها الصناعات الغذائية والميكانيكية، والبناء والأشغال العامة والكهربائية. 
ويتولى الصندوق الوطني للتأمين على المرض منذ عام 1994 مسؤولية إدارة نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاعين العام والخاص، كما تتولى الإدارة العامة لتفقد طبّ الشغل والسلامة المهنية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية إعداد برامج الوقاية من الأخطار المهنية ومراقبة ظروف الصحّة والسلامة المهنية في المؤسسات الاقتصادية. وهي تتعاون في تنفيذ هذه المهمة مع معهد الصحة والسلامة المهنية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وبهدف الوقوف على مدى فاعلية منظومة الوقاية من الأخطار المهنية بالقطاع الخاص وجبر أضرار الضحايا وفقا لمبادئ الاقتصاد والكفاءة والفعّالية، تراقب عدة جهات آليات الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية، وإجراءات التعويض لفائدة الضحايا. 

الصورة
تظل بعض حوادث الأعمال الفلاحية بلا تصريح (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
تظل بعض حوادث الأعمال الفلاحية بلا تصريح (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

محكمة المحاسبات
ويفيد آخر تقرير أصدرته محكمة المحاسبات عام 2021، أن أعمال مراقبة المؤسسات شملت أيضاً عقد مجموعة جلسات حوار مع الأطراف المعنية، وتحليل الإطار التشريعي واستقاء معطيات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول مستحقات التقاعد والأرامل والأيتام، وأوضاع انخراط المؤسسات ونسب اشتراكاتها.
ويشير تقرير محكمة المحاسبات إلى "ضعف مراقبة وإجراءات تفقد المؤسسات في مجال الصحة والسلامة المهنية، وعدم تنفيذ إدارة طب الشغل أي مهمة في هذا الشأن في 11 في المائة من عينة المؤسسات الأعلى تسجيلاً لحوادث العمل القاتلة والأكثر تصريحاً بالأمراض المهنية. كما لم تنفذ إدارة طب الشغل في بعض الأحيان مهمات تفعيل إجراءات الردع المستوجبة في شأن المؤسسات ذات المخاطر المهنية العالية رغم مخالفتها ترتيب السلامة المهنية".
ويتحدث التقرير أيضاً عن أنّ "الصندوق الوطني للتأمين على المرض لم يتابع آجال التصريح بحوادث العمل، ولم يحل المؤسسات المخالفة على القضاء من أجل تشديد العقوبات المستوجبة".

لا أموال كافية
وعن مسألة التأخير في صرف تعويضات المتضررين يقول سيف الدين بالضياف لـ"العربي الجديد": "تعرّضت منذ عام ونصف العام لحادث عمل إثر سقوطي من إحدى العمارات خلال أشغال بناء، ما تسبب لي بكسور تراوحت درجاتها بين طفيفة وخطرة، واضطرني إلى التوقف عن العمل أكثر من سبعة أشهر. وحتى اليوم لم أحصل على تعويضات رغم مرور سنة ونصف على الحادث. وسبب التأخير في صرف التعويضات العلاقة بين المؤسسات المشغلة والصندوق الوطني للتأمين على المرض، فبعض المؤسسات لا تدفع مساهماتها المالية للصندوق الذي لا يجد الأموال الكافية لدفع مستحقات عدد كبير من المتضررين في الوقت ذاته". 

التعرض لمواد كيميائية
وتؤكد محكمة المحاسبات أيضاً غياب النصوص التي تضبط سبل الوقاية من مخاطر المواد والمنتجات الكيميائية رغم تعرض حوالي 36 في المائة من العمال لمواد مصنّفة بأنها مسرطنة بحسب خريطة الأخطار المهنية في تونس. ولم يسهم هذا الوضع في حماية العمال من المخاطر، إذ زادت هذه الأنشطة في مؤشر حوادث العمل. 

المساهمون