طبيب أسنان سوري، وحلواني يصنع الحلويات العربية الشهية، ونجار.. هؤلاء نماذج لسوريين غادروا بلادهم التي مزقتها الحرب إلى مدينة درنة الليبية على مدى السنوات الماضية، بحثاً عن عمل وفرص أفضل.
الآن، أصبح العشرات منهم في عداد المفقودين ويخشى أن يكونوا لقوا حتفهم، بعد أن تسببت عاصفة البحر الأبيض المتوسط (دانيال) في فيضانات كارثية اجتاحت المدينة الساحلية ليل الأحد، وأحدثت دمارا وجرفت أحياء بأكملها إلى البحر.
تجاوز عدد القتلى 11000 وهناك أكثر من 10000 في عداد المفقودين. وبعد مرور خمسة أيام، لا يزال عمال البحث والإنقاذ يحفرون في الطين والمباني المجوفة في درنة بحثًا عن الجثث.
بعد مرور خمسة أيام، لا يزال عمال البحث والإنقاذ يحفرون في الطين والمباني المجوفة في درنة، بحثًا عن الجثث
وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، فقد تأكد مقتل 42 سورياً في ليبيا، في حين أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 150.
من بين الضحايا سوريون كانوا يعيشون ويعملون في ليبيا لفترة طويلة، ومهاجرون سوريون كانوا يستخدمون ليبيا نقطةَ عبور في جهودهم للوصول إلى أوروبا، في أغلب الأحيان عن طريق رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط، في قوارب غير آمنة ينظمها المهربون.
قبل عامين، غادر عمار كنعان، نجل نسمة جباوي البالغ من العمر 19 عاماً، منزله في محافظة درعا جنوبي سورية – وهي إحدى بؤر انتفاضة عام 2011 ضد حكومة بشار الأسد.
توجه كنعان إلى ليبيا حيث خطط للعمل وتوفير المال لدفع رسم للسلطات السورية يبلغ حوالي 8000 دولار يعفيه من الخدمة العسكرية الإجبارية.
قالت نسمة إن ابنها تحدث معها آخر مرة بعد ظهر الأحد.. أخبرها بأنه سيغلق محل الحلويات الذي يعمل فيه ويعود إلى منزله لأنه من المتوقع حدوث عاصفة قوية.
وحاولت مراراً الاتصال به الاثنين من دون جدوى. يُظهر حساب واتساب الخاص به أن آخر مرة كان فيها هاتفه متصلاً بالإنترنت حوالى الساعة 1:30 صباحًا يوم الاثنين.
وقالت والدموع تخنقها: "لا يزال لدينا أمل".
بينما ضربت العاصفة درنة في وقت متأخر الأحد، قال السكان إنهم سمعوا انفجارات مدوية عندما انهارت السدود خارج المدينة. وجرفت مياه الفيضانات وادي درنة، وهو نهر يجري من الجبال عبر المدينة إلى البحر.
يوم الثلاثاء، توجه عم كنعان بالسيارة إلى درنة من مدينة بنغازي بشرق ليبيا حيث يعمل، ليجد أن المبنى الذي يعيش فيه ابن أخيه قد جرفته المياه.
قالت نسمة: "كل من كان بالداخل يعتبر ميتاً".
من جهته، أفاد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، بأنه لم يتمكن من التأكد من وجود ناجٍ واحد من بين 150 سورياً مفقودين في درنة منذ مساء الأحد. لكن من الصعب الحصول على أرقام محددة في أعقاب الفوضى التي أعقبت الدمار.
مثل ما هو الحال في سورية، حيث أودت الحرب الأهلية بحياة نصف مليون شخص وأجبرت أكثر من خمسة ملايين على التحول إلى لاجئين في جميع أنحاء العالم، مرت ليبيا بسنوات من الصراع.
انقسمت الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب منذ عام 2014، بدعم من مليشيات مختلفة ورعاة دوليين. تخضع درنة للإدارة الشرقية في ليبيا، حيث يتمتع القائد العسكري خليفة حفتر بسلطة كبيرة.
ومع ذلك، بالنسبة لبعض السوريين، قدمت ليبيا آفاقًا لحياة أفضل. يمكن للسوريين الدخول بسهولة إلى ليبيا بتأشيرة سياحية والعثور على عمل، حيث إن الأجور أعلى مما يكسبه الكثيرون في وطنهم.
زيد مرابح، 19 عاماً، جاء إلى ليبيا قبل عامين من مدينة حمص وسط البلاد وعمل نجاراً.
وروى لـ"أسوشيتد برس" عبر الهاتف من درنة كيف شاهد المياه تتدفق نحو مبناه ليل الأحد.
قال مرابح: "سمعت دوياً عالياً". وكانت هذه هي اللحظة التي انهارت فيها السدود.
عندما بدأ منسوب المياه في الارتفاع في حيه، ركض بشكل محموم نحو الأراضي المرتفعة - تل شيحا الشرقي القريب. ومن هناك رأى المياه تدمر كل شيء تقريبًا في طريقها.
عاد مرابح صباح الاثنين بعد أن انحسرت المياه للاطمئنان على عمه وأقاربه. اختفى المبنى الذي كانوا يعيشون فيه. وقال إن عمه عبد الإله مرابح وخالته زينب وابنتهما شهد البالغة من العمر سنة واحدة لقوا حتفهم.
وأضاف أنه بحث في صفوف الجثث الملقاة في شارعهم، لكنه لم يتمكن من العثور على عائلة عمه.
في العاصمة السورية دمشق، تلقى أفراد عائلة قلعجي، الخميس، التعازي في وفاة أفراد عائلتهم الثمانية الذين قتلوا في درنة.
وقالت الأسرة في بيان إن فراس قلعجي وزوجته رنا الخطيب وأطفالهما الستة سيدفنون في ليبيا.
أفادت غنى القاسم بأن ابن أخيها هاني تركماني كان طبيب أسنان وصل إلى درنة منذ حوالي تسعة أشهر "لتحسين حياته". وقد وجد له أبناء عمومته، الذين كانوا هناك بالفعل، عملاً.
بعد انحسار مياه الفيضانات، ذهب أبناء عمومته الذين نجوا من المأساة للبحث عنه. وقالوا إن شقته كانت مليئة بالمياه والطين، لكن وجود ثقب كبير في الجدار أثار آمالهم في أنه ربما هرب من المبنى أو أخرجه عمال الإنقاذ، على حد قول غنى. وأضافت: "إن شاء الله".
(أسوشييتد برس)