طريق النحل إلى جبل الشيخ وسلسلة جبال لبنان الغربية طويلة، وتحتوي على مناظر خلابة وطبيعة بِكْر تفوق أماكن كثيرة في لبنان، رغم المحطات التي شهدها هذا الجبل الذي يتقاطع بين لبنان وسورية، ويرتفع نحو 2800 متر عن سطح البحر.
أكثر ما يميّز جبل الشيخ عسل الشنديب، أو شوكة الشنديب، وغيرها من الأشواك الزهرية التي تشكل غذاء النحل خلال فصل الصيف وحتى أكتوبر/ تشرين الأول، لذا يسمّى "العسل التشريني" الذي ينتجه نحل تجري تربيته على ارتفاعات شاهقة، بعيداً بالكامل عن السهول والحقول الزراعية التي يرشها أصحابها بمبيدات ومواد كيميائية تضر بالنحل ونوعية العسل وجودته.
وهكذا يكون عسل جبل الشيخ أحد الأجود والأفضل، ويتساوى مع عسل السدر اليمني الأشهر عالمياً، بحسب ما يقول المهندس الزراعي للإنتاج النباتي والحيواني إحسان ضاهر، والذي يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "عسل الشنديب التشريني يوجد فقط في جبل الشيخ بين لبنان وسورية، حيث يعتمد النحل في غذائه على الأعشاب البرية، بسبب قلّة الزراعات في هذه المنطقة. وفي المقلب الشرقي من جبل الشيخ، أي في سورية، فإضافة إلى شوك الشنديب والأعشاب البرية الأخرى، هناك زراعات متعاقبة ومتنوعة وفي مقدمتها اليانسون، ما يرفع كميات إنتاج العسل التشريني أكثر من لبنان".
ويؤكد هذا الأمر ابن بلدة بيت الجن السورية في المقلب الشرقي من جبل الشيخ، أبو أحمد محمد الصفدي، الذين نزح إلى بلدة شبعا بقضاء حاصبيا جنوب لبنان. ويقول لـ"العربي الجديد": "تنتشر تربية النحل كثيراً في قرانا، في ظل الطلب الكبير على عسل الشنديب التشريني. ومهنة تربية النحل تتوارثها الأجيال، وتتطوّر باستمرار لكنني لا أعرف وضعها بعد الحرب في سورية".
وللحصول على عسل الشنديب التشريني، يربى النحل على ارتفاعات تتراوح بين 800 متر و1700 متر عن سطح البحر. ويعتمد النحل في غذائه على الأعشاب البرية والشوكية دون سواها، وفي مقدمتها شوكة الشنديب التي تنتج مادة الرحيق على دفعتين أو ثلاث. والنحلة عادة تقف لحظات على الزهرة لتتغذّى منها، بينما تقف على زهر الشنديب أكثر من دقيقة لتحصل على رحيق الزهرة، بحسب ما يوضح ضاهر.
ميّزات
ويتحدث ضاهر عن أن "ما يميّز تربية النحل في جبل الشيخ هو اختلاف توقيت المواسم والارتفاعات، فعندما ينتهي موسم الفيض على الساحل والمناطق التي يصل ارتفاعها إلى 700 متر، تبقى الفرصة مفتوحة أمام النحّالين في المنطقة لجمع عسل الشوكيات لفترة تمتد حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول. وفي كل لبنان لا يوجد أي موسم تشريني للعسل سوى في جبل الشيخ، ودرّة التاج فيه شوكة الشنديب التي يقصدها النحل بغزارة، وتجعل عسل الشنديب يتميز بجودته ومذاقه ونكهته وحلاوته، لذا يمكن القول إنه ينافس عسل السنديان ذا الشهرة الكبيرة في لبنان".
ويقول مربي النحل محمد المصري، الذي ورث مع أشقائه الثلاثة الآخرين هذه المهنة من والدهم الذي يتجاوز الـ 93 من العمر وما زال يتمتّع بصحة جيدة، "بفضل عسل الشنديب" لـ"العربي الجديد": "نضع قفران النحل عند بوابة مزارع شبعا المحتلة في جبل الشيخ، وهو ما يفعله كثير من النحالين أيضاً للاستفادة من مرتفعات جبل الشيخ، وزهر الشنديب، وباقي أزهار الأعشاب البرية التي يضمها، والتي تجلب فوائد غذائية وصحية تميّزها عن غيرها من الأزهار".
أساليب مربي النحل
في المقابل، يشكو النحّالون بشكل أساسي من استخدام المزارعين المبيدات الزراعية من أجل التخلص من الحشرات والأعشاب الضارة. ويقول ضاهر إن "المزارع يمكن أن يلجأ إلى طرق بديلة للتخلص من الأعشاب والحشرات الضارة عبر وضع مصائد واستعمال أدوية لا تضرّ النحل، وهذا الأمر يحتاج إلى متابعة من الدولة ومراقبة الأدوية الزراعية التي تدخل إلى لبنان، وتباع في الصيدليات الزراعية، للتأكّد من أنها غير سامة أو تضرّ بالنحل والسمك والبشر، كذلك يجب أن تلعب الجهات غير الحكومية دوراً في تثقيف النحّال والمزارع على حد سواء، لزيادة الوعي بمخاطر الأدوية على النحل والبشر، لأن النحلة تلقّح والمزارع ينتج. من هنا بتنا نشهد هجرة معاكسة للنحالين، الذين أصبح ملاذهم الآمن الجرود والمناطق المرتفعة، حيث لا بشر تؤذي الطبيعة، لذا عندما يضع النحال قفرانه في جبل الشيخ يشعر بالأمان والاطمئنان على نحله وإنتاجه".
يتابع: "هناك بين سبعة آلاف وثمانية آلاف نحّال في كل لبنان، بحسب ما يتداوله النحّالون من أرقام. وفي السلسلة الغربية من جبل الشيخ يشكّلون نحو 20 في المئة من نسبتهم، وهي قليلة رغم دخول مربي نحل جدد، لذا يجب تعزيز الدخول في قطاع النحل أكثر، فلا زراعة بلا نحل، وبالتالي لا غذاء".
العسل الصحي
وتشير مختصة التغذية حوراء شمس الدين، في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن "آباءنا نصحونا بتناول ملعقة عسل صباح كل يوم، لكنني بصفتي مختصة بالتغذية أنصح بتناول ملعقة عسل منتصف النهار، وذلك بعد صرف الطاقة وحاجة الجسم للنشاط. ويتضمن العسل معادن، مثل الكالسيوم والحديد والماغنيسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والزنك، كما يشمل العديد من الأحماض الأمينية والفيتامينات، ولكن بنسب بسيطة مثل بي 12 وبي 9 وبي 3 وبي 6. أما المكونات الأساسية للعسل فهي الكربوهيدرات والماء والسكر الطبيعي، مثل الفركتوز والغلولكوز والسكّروز، وهو لا يحتوي على دهون أو كوليسترول، ونسبة البروتين بالعسل قليلة جداً (بمعدل 0.3 لكل 100 غرام)".
وتنصح شمس الدين بإضافة العسل إلى الحليب الساخن "لأنه يحفّز الجسم والدماغ على الاسترخاء ويسهّل عملية النوم. كما يتفاعل العسل مع خلايا الجسم لإفراز مواد مطهّرة تقلل الالتهابات والسموم في الجسم، ومن أهم ميزاته الاحتواء على السكروز، وهو من السكّريات المكرّرة البسيطة التي لا تتخمّر في المعدة، ما يساعد الجهاز الهضمي، ويحمي من الإمساك والحموضة الزائدة في المعدة".