عربات تجرها حيوانات شاهدة على العطش في غزة

01 يوليو 2024
يعتمد الفلسطينيون على طرق بدائية لمواجهة العطش في غزة، 1 يوليو 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

تتضاعف أزمة العطش في غزة يوما تلو الآخر في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي، بفعل الإغلاق المتواصل للمعابر وقطع الكهرباء ومنع الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية وضخ المياه، واللازم لحركة الشاحنات المخصصة لتوزيع المياه المفلترة.

وتُعتبر أزمة العطش في غزة وما تشمله من توفير ونقل المياه الحلوة الصالحة للشرب من أبرز الأزمات التي يخلقها ويعززها طول أمد الحرب الإسرائيلية في القطاع، إلى جانب مجموعة من التحديات الإضافية الخاصة بتوفير المتطلبات الأساسية، كالمواد الغذائية والكهرباء والمساعدات الإنسانية والإغاثية والصحية.

العطش في غزة يفاقم معاناة الأهالي

وفي مُحاولة بدائية للتغلب على الأزمة الحادة للعطش في غزة، تصطف العربات التي تجرها الأحصنة أمام محطات تحلية المياه التي تمكنت من توفير بعض الوقود الذي يُمكّنها من العمل ساعات مُحددة خلال أوقات الصباح، بفعل غياب القدرة على نقل المياه عبر الشاحنات المُخصصة، من جراء النقص الشديد في الوقود.

الصورة
عربات تروي جزءاً من العطش في غزة ، 1 يوليو 2024 (العربي الجديد)

وعلى الرُغم من الأحجام الصغيرة والمتوسطة التي يتم نقلها عبر العربات، وتتراوح بين 500 و1500 لتر، بفعل عدم قدرة العربات على توفير أو استيعاب أحجام أكبر، فإنها باتت الوسيلة شبه الأساسية في مواجهة العطش في غزة وتوفير مياه الشرب، ونقلها إلى البيوت، وخيام النازحين وأماكن تجمعهم.

ويقول الفلسطيني محمد زيارة إنه تشارك مع صديقه خليل النعيزي في تجهيز العربة لنقل المياه الحلوة للمواطنين في ظل الأزمة الكبيرة المترتبة على توقف معظم الشاحنات عن التوزيع، حيث يمتلك صديقه حصانا، فيما يمتلك هو عربة كان يعمل عليها قبل نفوق حماره، لافتا لـ "العربي الجديد" إلى أنه يتجه إلى محطة التحلية الوحيدة غربي مدينة دير البلح برفقة صديقه منذ ساعات الصباح الأولى لتعبئة البرميل المُحمل على ظهر العربة، قائلا: "ننتظر حتى بدء عمل المحطة، وفي الكثير من الأحيان نجدها متوقفة عن العمل بسبب النقص في الوقود، والذي بات المصدر الأساسي لتشغيلها بفعل الانقطاع التام للكهرباء".

ويُشير زيارة إلى أن انتظار تعبئة البرميل الواحد بسعة 1500 لتر يستغرق وقتا طويلا، فيما تزيد صعوبة الانتظار مع اشتداد درجات الحرارة، إلا أنه مضطر للعمل لتوفير قوت أسرته المكونة من ثلاثة أفراد، إلى جانب المُساهمة في التخفيف من وطأة أزمة المياه، والتي تُعتبر من أقسى الأزمات التي تواجه الفلسطينيين.

الصورة
عربات تروي جزءاً من العطش في غزة ، 1 يوليو 2024 (العربي الجديد)

فيما يوضح زميله خليل النعيزي أن العمل في نقل المياه على العربة غير مُجدٍ ماديا، إلا أنه يُساعد على توفير المتطلبات الأساسية، إلى جانب توفير الماء لأسرته، لافتا إلى أن الحاجة الكبيرة للناس لا تُمكّنه في بعض الأيام من الرجوع ولو بلتر واحد لأسرته التي تُعاني كغيرها من الأسر.

ويلفت النعيزي لـ "العربي الجديد" إلى أن نقل المياه على العربات التي تجرها الأحصنة، على الرغم من كونه مُحاولة لتخفيف أزمة العطش في غزة إلا أنه غير آمن على العربة، بسبب الثِقل الشديد في البرميل، وضُعف العربات الخشبية غير المُخصصة لنقل الأوزان الثقيلة، خاصة في ظل سيرها على الطُرقات الرملية والمُكسرة بفعل القصف الإسرائيلي المُتعمد للبنية التحتية.

وتتجمع العوامل المؤدية إلى تفاقم أزمة مياه الشرب، وفي مقدمتها إغلاق المعابر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وقطع كل خطوط الكهرباء، إلى جانب منع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة، أو تشغيل المولدات الكهربائية البديلة، كذلك تعطيل حركة الشاحنات التي تحمل صهاريج المياه.

ويُعتبر التهجير الإسرائيلي القسري لمئات آلاف الفلسطينيين، وإجبارهم على التكدس في مناطق مُحددة، من أبرز أسباب أزمة المياه، نتيجة تسببها باختلال التوازن في تقديم مختلف الخدمات الأساسية، وتزامن كل تلك العوامل مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وتحديدا في خيام النازحين، وزيادة طلب واستهلاك المياه، خاصة في ظل الانقطاع شبه الكامل لوصول مياه البلدية "مياه الاستخدام اليومي".

الصورة
عربات تروي جزءاً من العطش في غزة ، 1 يوليو 2024 (العربي الجديد)

وعن تفاصيل العمل، يوضح الفلسطيني مرسي الجمل أنه يتجه فجرا للمحطة على أمل حجز دور سريع، إذ يصطف في مكانه بعد حجز دوره إلى حين بدء ضخ المياه، وبعد التعبئة يتجه إلى أماكن تجمعات الناس لبيعها بسعر واحد شيكل لكل عشرة لترات. (الدولار يساوي 3.7 شواكل)، لافتا لـ "العربي الجديد" إلى زيادة تهافت الناس على الماء، كُلما ابتعد عن المحطة، بسبب عدم مرور شاحنات بيع الماء، أو مرورها محجوزة لناس مُحددين، أو نفاد الكمية قبل وصولها إلى الأماكن البعيدة عن المحطة، ما يُبقي الناس في حالة انتظار لمرور عربات أخرى، أو مُحاولة حمل "القِرَب" وهي غالونات بلاستيكية بأحجام تتفاوت من 10 إلى 30 لتراً، والاتجاه لأماكن وجود المياه.

ويوضح الجمل أن عمله قبل الحرب كان مُختصا بنقل مياه الري عبر عربته داخل المناطق الزراعية الوعِرة والتي لا تتوفر فيها مضخات مياه أو شبكات ري، نتيجة عدم وجود شبكة كهرباء، فيما قام بتحويل عمله لنقل المياه الحلوة للمواطنين بعد توقفه عن العمل من جراء تجريف الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الشرقية، إلى جانب قصف وتدمير طول الشريط الحدودي، لافتا إلى اختلاف أساليب بيع المياه، "البعض يحجز الكمية بشكل كامل لنقلها إلى خزانه، أو إلى مطعمه، أو إلى منطقة مُعينة يوجد بها عشرات الأفراد المُحتاجين للمياه، فيما يعتمد البيع بشكل أساسي على مرور العربة وبيع الكمية في الطرقات لأشخاص قاموا بتجهيز الغالونات المُخصصة وانتظار مرور العربات".

ويعتمد الفلسطينيون على نظام التعبئة اليدوية اليومية للمياه من العربات التي تجرها الأحصنة، أو من بعض السيارات، أو حتى من المحطة بعربات الدفع اليدوي وذلك نتيجة عدم توفر كهرباء لضخ كميات كافية إلى الخزانات على أسطح البنايات، علاوة على السبب الأساسي والمتمثل في نزوح ما يزيد عن 1.5 مليون فلسطيني، وعيشهم داخل الخيام، واعتمادهم على الغالونات الصغيرة في توفير ماء الشرب والاستخدام، نتيجة عدم توفر الخزانات الكبيرة، التي تُمكنهم من شراء كميات كافية من المياه لعدة أيام، كما درجت العادة قبل العدوان.

وتسبب الاعتماد شبه الكامل على العربات التي تجرها الأحصنة والحمير بالتنقل وتوزيع المياه في نفوق العديد منها، نتيجة ضغط العمل الشديد وساعات العمل التي لا تتخللها فترات راحة، وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب وعورة الطُرق المُدمرة، مع النقص الحاد في الأعلاف نتيجة إغلاق المعابر مُنذ بداية العدوان، وزيادة الخِناق بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح بداية شهر مايو/ أيار الماضي.

المساهمون