عراقيون يعزّزون ثقافة التبرع

03 نوفمبر 2021
الدعم جزء من ثقافة المجتمع العراقي (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

تكثر رؤية شباب في شوارع مختلف المناطق العراقية يجمعون تبرّعات من الأهالي لمساعدة مواطنين احترقت سياراتهم أو تعرضوا لحادث مروري أو غير ذلك، لعدم قدرتهم على تأمين المبلغ المطلوب. وعادة ما تزداد هذه المبادرات خلال فصل الصيف، على الرغم من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة التي تصل إلى خمسين درجة مئوية.
وتنتشر على مواقع التواصل العديد من مقاطع الفيديو التي توثّق حملات التبرّعات التي يقودها شباب لتعويض السكان المتضررين الذين احترقت سياراتهم أو تضررت من جراء حوادث مرورية، ما يعكس تنامي ثقافة التبرّع في البلاد. 

ويقول أحد الشباب ويدعى رحيم عباس لـ "العربي الجديد": "عادة ما يجمع مبلغ أكبر من سعر سيارة جديدة"، مشيراً إلى مشاركته في جمع مبلغ لصاحب سيارة احترقت في إحدى مناطق بغداد. يضيف أنّ السيارة كانت من نوع بيك أب، وهي قديمة، وسعرها لا يزيد على ستة ملايين دينار (نحو 4 آلاف دولار)، لكنّها كانت مصدر رزق لصاحبها، مشيراً إلى أن عدداً من الشباب الموجودين في المكان اتفقوا على جمع تبرعات لصاحب السيارة. ويوضح أنه "خلال وقت لا يتجاوز الساعتين، تمكنا من جمع أكثر من تسعة ملايين دينار (أكثر من 6 آلاف دولار)". يتابع: "تبرّع أصحاب المحال والمارة. كما استهدفنا جميع السيارات التي كانت تمر في مكان وجودنا. أذكر أن بعضهم أخرجوا من جيوبهم المال وتبرعوا به من دون التدقيق حتى في المبلغ الذي تبرعوا به. بعض المشاهد لن تُمحى من ذاكرتي. وأذكر امرأة مسنة كانت تركب حافلة نقل عام، وقد تسلمت راتبها التقاعدي للتو، فأعطتني نصفه. كما تبرع رجل مسنّ كان يقود سيارته بمبلغ من المال، وأقسم أنه لم يكن يملك أكثر من المبلغ الذي أعطاني إياه".

مواطنون في العراق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
مواطنون في العراق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

فقراء وعمال بسطاء
ومن بين أكثر المشاهد التي أثرت فيه، يقول عباس: "تبرع فقراء وعمال بسطاء، من بينهم طفل صغير لا يتجاوز عمره العاشرة يبيع قناني المياه عند التقاطع المروري، في وقت يمضي وقتاً طويلاً في الشارع ليعود لأهله بربح قد لا يتجاوز ربع المبلغ الذي تبرع به. رفضت أخذ المبلغ منه لكن إصراره أجبرني على قبوله".
ويرى عراقيون أنّ التبرّع جزء من ثقافة المجتمع، وقد اعتاد الأهالي مساعدة بعضهم بعضاً في حال تضرر منزل أحدهم من جراء حريق، أو احتاج أحد المرضى لإجراء عملية جراحية، وغير ذلك. ويقول محمد الزبيدي لـ "العربي الجديد" إنّه يعمل في تجارة السيارات وهو ميسور الحال. وقبل نحو ثلاثة أعوام، اشترى مجموعة من سيارات الأجرة وعرضها للبيع في أحد المعارض. وأثناء قيادته إحدى هذه السيارات، تعرض لحادث مروري وارتطم بعمود للكهرباء فاشتعلت السيارة. يتابع: "تجمع الناس من حولي وأطفأوا الحريق وظنوا أنني أعمل سائق سيارة أجرة، وقرروا جمع تبرعات لمساعدتي. لكنني أخبرتهم بأنني قادر على تحمل الكلفة المادية للأضرار وشكرتهم على موقفهم".

مبادرة لإلباس أطفال محتاجين (صفين حامد/ فرانس برس)
مبادرة لإلباس أطفال محتاجين (صفين حامد/ فرانس برس)

حرائق سيارات
وخلال فصل الصيف، عادة ما ينشر مواطنون نصائح على مواقع التواصل لتفادي حوادث حرائق السيارات، من جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. إلا أن ذلك لا يمنع وقوع مثل هذه الحوادق. وتقول المواطنة فيحاء ساجد إن "ظاهرة جمع التبرعات للمتضررين من أصحاب السيارات تساهم أيضاً في التحذير من التعرض لحرائق من خلال اتباع وسائل السلامة اللازمة".
تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "كلّما رأيت شباباً على مواقع التواصل يجمعون التبرعات لتعويض سيارة تعرضت لحادث ما، أحرص على الالتزام بالإرشادات المرورية، بالإضافة إلى اهتمامي المتزايد بإجراءات السلامة المرورية وخصوصاً في فصل الصيف".
ويظهر فيديو شباناً يجمعون التبرعات في أحد شوارع المدينة لصاحب سيارة متضررة، وقد تكاتفوا مع بعضهم البعض من أجل المساعدة، الأمر الذي يجده كثيرون أنّه يساهم في بناء مجتمع متعاون ومتسامح ومتكاتف.

قضايا وناس
التحديثات الحية

في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية هدى الراوي إنّ مشهداً مثل جمع التبرعات لرجل احترقت سيارته يعدّ "تجربة ميدانية مهمة وهي أفضل بمئات المرات من ورش عمل ومحاضرات تتعلق بتربية الأجيال على التعاون والتضامن الذي يحتاجه بلدنا بشدة". وتوضح الراوي في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ ما عاناه العراقيون لسنوات من جراء العنف الطائفي ما زالت آثاره حاضرة، مشيرة إلى أنّ "الدراسات التربوية تؤكّد ضرورة اندماج مكوّنات المجتمع، سواء في العمل أو الدراسة والسفر، لتصفيتها مما علق بها من شوائب العنف الطائفي". تضيف أنّ "التكاتف لجمع التبرعات لأشخاص لحق بهم الضرر يختصر كل شيء. شاهدت العديد من مقاطع الفيديو التي تؤكد أنّ الحوادث وقعت في مدن مختلفة. كما أنّ الأشخاص الذين يقودون حملات التبرع لا يعرفون طائفة المتضررين أو انتماءاتهم السياسية. والأمر نفسه ينسحب على المتبرعين. من هنا، فإنّها ظاهرة إيجابية تساهم في بناء مجتمع متعاون ومتسامح بين أطيافه".

المساهمون