عراقيون يخشون مساعدة الآخرين في الشارع

05 يونيو 2022
وصل الجريح إلى المستشفى برفقة عائلته (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يتردّد العراقيون في مساعدة الآخرين في الشارع، حتى في أحلك الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد، والاحتقان الطائفي الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. لكن خلال العامين الماضيين، بات المواطنون أكثر تردداً بعدما أصبح من يقدم المساعدة متهماً في حوادث كثيرة. من بين هذه الحوادث تعرض امرأة للدهس من قبل سيارة لاذت بالفرار، الأمر الذي دفع أحد الأشخاص إلى نقلها بسيارته إلى المستشفى فأوقفته الشرطة للتحقيق معه. وبعد وصول ذوي المرأة إلى المستشفى،  تعاملوا معه على أنه المسؤول عن الحادث وسُجن خمسة أيام ثم أطلق سراحه بعد مراجعة كاميرات المراقبة في المنطقة.   
وأحد الأسباب هو الأعراف العشائرية التي انتشرت كثيراً منذ نحو عشرين عاماً، فضلاً عن العصابات المنظمة في ظل غياب قوة القانون في مقابل تنامي قوة القبائل والمليشيات المسلحة.

وعاش المواطنون أوقاتاً عصيبة بعد تقديمهم المساعدة لمحتاجين. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من القصص التي تعكس معاناة بعض الأشخاص الذين قرروا مساعدة الآخرين، الأمر الذي دفع كثيرين إلى تفضيل عدم المساعدة.  
وقع حادث سير على طريق الدورة السريع جنوبي العاصمة بغداد، بعدما انحرفت سيارة عن مسارها نتيجة ارتطامها بسيارة مسرعة من الخلف. وتعرض السائق لجروح بليغة، في وقت لاذ المسؤول عن الحادث بالفرار. وعلى مدى نصف ساعة، لم يقترب أحد من السائق مثنى باجي (45 عاماً) الذي كان غارقاً في دمائه. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يكن قادراً على الحراك أو الكلام، وكان يومئ للناس بيده. يضيف: "لحسن حظي، جاءت دورية للشرطة كانت قريبة من المكان ونقلتني إلى المستشفى".
ويرى ناجي أن ما حدث معه كان "طبيعياً ومتوقعاً"، قائلاً: "في حال عشت موقفاً مشابهاً قد لا أقدم على مساعدة المصاب.  مثل هذه الأمور قد تجلب مصائب كبيرة". أمر يؤكده مرتضى ساجد (36 عاماً) الذي عانى بعد مساعدته شخصاً تعرض لإطلاق نار. يقطن في محافظة بابل. يقول لـ "العربي الجديد" إنه كان في طريقه إلى عمله في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019، حين رأى شخصاً مغمى عليه فوق ناصية شارع عام، وكان كثيرون يمرون بسياراتهم من دون أن يتوقفوا. يضيف: "أوقفت سيارتي إلى جانبه ورأيته ينزف دماً وكان ما زال على قيد الحياة. تواصلت مع مفرزة للشرطة فجاؤوا ونقلوه وطلبوا مني الإدلاء بإفادتي. لكن ما جرى لاحقاً كان أفظع ما مررت به في حياتي. هاجم بيتي أقارب الرجل الذي ساعدته واتهموني بأنني وراء ما تعرض له، وطالبوا بمقاضاتي عشائرياً ما يعني قتلي أو دفع مبلغ كبير ديّة. اعتقلت على أمل أن يستيقظ المصاب ويكشف عن الفاعل الحقيقي". وهذا ما حدث بعد نحو أسبوعين. يقول: "كانت أياماً قاسية عليّ وعلى عائلتي. اضطر أهلي إلى ترك المنزل واللجوء إلى أقاربي في بغداد خشية أن يتعرضوا لأذى من قبل عشيرة المصاب الذي ساعدته. لو عاد في الوقت لما قدمت المساعدة التي لولاها لكان الرجل اليوم في عداد الأموات".

تحاوطه عائلته (صباح عرار/ فرانس برس)
تحاوطه عائلته (صباح عرار/ فرانس برس)

من جهة أخرى، فإنّ لهذه الحوادث انعكاساتها على الأطفال. وتقول غادة العامري، التي تدير روضة أطفال أهلية، إنها سمعت من اطفال أخباراً عن حوادث تتعلق بالانتقام العشائري ومصطلحات عشائرية عدائية. وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد": "في حال لم نتدارك هذه الأخطاء، سنشهد ظهور جيل لا يفهم سوى لغة الانتقام. أحد الأطفال الذي لم يتجاوز الخمس سنوات كان يقول لصديقه إنه سيحمل البندقية ويطلق النار على شخص ما. تحدثت معه طويلاً كي أخرج هذه الأفكار من رأسه. كما تواصلت مع أهله لأخبرهم أن ابنهم يعيش في بيئة صعبة وسيجني نتائج ذلك مستقبلاً وربما يكون قاتلاً. كلّ ذلك هو نتيجة ما نعيشه من سيطرة القبلية والأعراف العشائرية وتفوقها على سيادة القانون".
في هذا السياق، يشرح عضو مجلس شيوخ بغداد في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ هذه الحوادث ليست دخيلة على عادات الناس وتقاليدهم، وتنتشر في جميع مناطق العراق. ويوضح أن "كثيرين لا يرضون بالظلم ويحتكمون إلى القانون ويجعلون أعرافهم العشائرية تأتي ثانياً. لكن هناك نزعة قبلية مرفوضة كانت في السابق غير فاعلة بسبب قوة القانون وسيادته بالشكل الصحيح على الجميع من دون استثناء. لكن الوضع اختلف خلال السنوات الماضية مع فرض العشائر وجهات مسلحة سطوتها وقوتها بفضل انتشار السلاح. وتملك العشائر اليوم أسلحة مختلفة ما بين ثقيلة ومتوسطة".
ويؤكد العبيدي أنّ "زعماء القبائل يسعون إلى أن تكون القوة العشائرية مساندة لقوة القانون وليست خارجة عنه، وأن تكون نعمة للمواطنين والمجتمع لا نقمة عليهم؛ فدور القبيلة معروف بأهميته لصالح نشر السلام والتآلف والتعاون، ولدينا ما لا يمكن عده من مبادرات والمواقف الإنسانية التي تبنتها القبائل". يضيف: "الخوف من تقديم المساعدة لمن يتعرضون لحوادث مختلفة في الطرقات هو ما نعمل على تحقيقه في إطار العديد من المبادرات. فالعشائر تحث على تقديم المساعدة للغريب وضيافته وتكريمه لكن هذه الظاهرة غريبة وليست من عادات العشائر. وما يجري هو نتيجة انتشار السلاح، فيتحدث الناس باسم العشائر ويحملون رايات عشائرهم ويهددون الآخرين في ظل غياب واضح لقوة القانون".

ضعف القانون أمام العشائر يؤكده ضابط في وزارة الداخلية رفض الكشف عن اسمه، ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "من يساند انفلات البعض ممن ينسبون أنفسهم للعشائر هي المليشيات المسلحة التي باتت اليوم قوة كبيرة ولها أحزاب وشخصيات مؤثرة في السلطة". يضيف أنّ "قوة هذه المليشيات والقيادات الحزبية والسياسية مرتبطة بالانفلات العشائري، وفي أحيان كثيرة لا تستطيع الدوريات الأمنية منع هذه القوى العشائرية من الاعتداء بالسلاح على مواطنين".

المساهمون