عائلات سودانية تعيش على البدائل بسبب الغلاء

03 يونيو 2021
في أحد أحياء الخرطوم (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تشكو عائلات سودانية من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية، حتى باتت عاجزة عن تأمين اللحوم أو دفع بدلات إيجار مساكنها، ما اضطرها إلى البحث عن بدائل تعينها على الاستمرار، منها تقليل عدد الوجبات.

هذه الأيام، في ظل الغلاء الكبير في الأسعار وندرة بعض السلع، تبذل العائلات السودانية جهداً كبيراً لإيجاد بدائل تعينها على الاستمرار في يومياتها. موسى علي هو أحد هؤلاء. يعمل في مجال شحن وتفريغ الحمولات في إحدى شركات الأدوية في العاصمة السودانية الخرطوم. هو أب لثماني بنات في سنّ الدارسة. يقول لـ "العربي الجديد" إن حياته باتت لا تطاق في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار. شهرياً، يتوجّب عليه تأمين بدل إيجار منزله، ومستلزمات العائلة اليومية من مأكل ومشرب، ومصاريف الدراسة، بالإضافة إلى الأدوية. 
حال موسى علي لا يختلف عن حال العائلات السودانية الأخرى، إذ تجد صعوبة بالغة في تأمين الخبز وغاز الطهي، عدا عن ارتفاع أسعار اللحوم، وقد وصل سعر كيلوغرام الضأن إلى نحو 3500 جنيه (نحو 9 دولارات)، وسعر كيلوغرام لحم البقر إلى 3000 جنيه (نحو 7 دولارات) . كما ارتفعت أسعار الألبان والبيض والخضار والفاكهة وغيرها. يقول علي لـ "العربي الجديد" إنّه ترك منزله الذي كان يقطنه بالإيجار مؤخراً وانتقل للسكن في منزل أحد أقربائه في منطقة الحاج يوسف. وبدلاً من الغاز، باتت عائلته تعتمد على الحطب للطهي وتجلبه من مناطق قريبة. كما باتت تعتمد على طحين الذرة لإعداد العصيدة والكسرة بدلاً من الخبز، بالإضافة إلى طهي البقوليات مثل العدس واللوبياء كبديل عن اللحوم.
يوضح علي أنه لا بديل عن "الحدّ من الاستهلاك" للاستمرار، مشيراً إلى حرصه وزوجته على توفير الغذاء الأساسي للأطفال، تجنّباً لإصابتهم بأمراض سوء التغذية، ولافتاً في الوقت ذاته إلى أن التكافل داخل الحي وبين الجيران على وجه التحديد يقلّل كثيراً من الأعباء على الجميع، في وقت لجأت زوجته إلى الطهي في المنازل بهدف كسب المال. ويشير إلى أنّ أصدقاءه يساعدونه من خلال مؤونة غذائية من حين إلى آخر. يقول إنّه يواجه كل شيء "بالرضا والصبر" وانتظار فرج يراه قريباً.
لعائلة الطاهر محمد طريقتها الخاصة في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، إذ عادت الكثير من الأسر إلى نظام المطبخ الواحد، وباتت تتشارك الوجبات اليومية وشراء اللحوم والألبان والسكر والخضار وغيرها من المواد الغذائية. طريقة تصفها هادية الطاهر بالمفيدة جداً، وتساهم في الحد من التكاليف. وتقول لـ "العربي الجديد" إن أسرتها الكبيرة تتشارك دفع فاتورة الكهرباء والمياه وشراء أسطوانة الغاز. وتتوقّع أن يستعيد السودانيون في المستقبل تقاليد قديمة تعتمد على التكافل وذلك لفائدتها وجدواها اقتصادياً واجتماعياً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

أما عبير يوسف، وهي ربّة منزل، فتقول لـ "العربي الجديد" إنّها استغنت عن اللحوم واستبدلتها بالخضار، لتطهو وجباتها معتمدة على الفحم النباتي عوضاً عن الغاز. كما لجأت إلى تقليل الوجبات والاستهلاك والاكتفاء في بعض الأحيان بوجبة واحدة خلال اليوم. كما يشارك جميع أفراد الأسرة في العمل لزيادة دخل الأسرة. وتشير إلى أنّها اتفقت ونساء الحي على المشاركة في شراء بعض المستلزمات الأسبوعية من محلات البيع بالجملة لأن أسعارها أرخص، ثم يعمدن إلى تقسيمها في ما بينهن.
من جهته، يقول هاشم أبكر لـ "العربي الجديد" إنه قرر ترك العاصمة الخرطوم نهائياً والعودة إلى مسقط رأسه في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد، إذ إن "أسعار اللحوم والألبان والخضار فيها أرخص، بالمقارنة مع العاصمة والمدن الكبرى". يضيف أنه بدأ الترتيب للأمر، متوقعاً أن يكون ذلك خياراً بالنسبة للكثير من سكان العاصمة، وخصوصاً القادمين من الأرياف وأطراف السودان. ويشير إلى أن ذلك قد يخلق حلولاً اقتصادية واجتماعية من خلال زيادة الإنتاج وتقليل الاحتقان والازدحام في المدن، لا سيما وأن الأرياف هى الأكثر التزاماً بقيم التكافل الاجتماعي، إذ نادراً ما تجد جائعاً في تلك المناطق.
أما أماني التي تبيع الشاي وسط الخرطوم، فتقول إنّها جرّبت كل البدائل الغذائية الممكنة، منها تجفيف الطماطم عوضاً عن شراء معجون الطماطم، وتجفيف الخبز لإطالة مدة استخدامه. تضيف أنّ جميع من في المنزل يعملون لزيادة دخل الأسرة. مع ذلك، فإنها غير قادرة على تحمل الغلاء الفاحش لأسعار السلع والخدمات. وتستشهد بما حدث مع ابنتها التي تدرس في الجامعة في مدينة الأبيض غرب السودان، إذ احتاجت إلى مال يساوي قيمة تذكرة عودتها إلى الخرطوم بعد قرار إغلاق الجامعات، الأمر الذي اضطرها إلى بيع هاتفها الخلوي لترسل إليها المال. 
وتتابع خلال حديثها لـ "العربي الجديد" أنّها فكرت وابنتها في اتخاذ قرار صعب يتمثل في تعليق دراستها، حتى تكون قادرة على توفير مستلزماتها الدراسية واليومية من مأكل ومشرب والنقل. تضيف أنّها لاحظت أن جيرانها في الحي بدأوا يبيعون أثات منزلهم لتوفير لقمة عيش كريمة.  

المساهمون