طنجرة الكهرباء... حكاية فرن ابتكره غزيون

23 يونيو 2022
طنجرة الكهرباء ابتكار غزّي منذ ثمانينيات القرن العشرين (محمد الحجار)
+ الخط -

 

في منطقة الشمالي بمخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، تستيقظ فتحية رضوان البالغة 52 عاماً يومياً لأداء صلاة الفجر، والشروع في إعداد الدقيق وعجنه وتجهيزه لصنع خبز على طنجرة الكهرباء التي تشغلها في ساعة توفر التيار عند السادسة صباحاً، بحسب الجدول المعهود لساعات التغذية التي تلي انقطاع الكهرباء خلال الليل. هذه تفاصيل يوميات فتحية في الصباح الباكر منذ 7 سنوات، أما حكايتها مع طنجرة الكهرباء فتعود إلى 35 عاماً حين تعلمت على يدي والدتها في سن العاشرة إعداد الخبز البلدي في فرن من طين، ثم اشترت أسرتها طنجرة كهرباء، واستخدمتها في تحضير الخبز ومناقيش الزعتر والجبن وبعض الفطائر الصغيرة. وتشير إلى أنها تتذكر أنها بدأت في استخدام طنجرة الكهرباء في أيام الانتفاضة الأولى عام 1987.

تعتبر طنجرة الكهرباء ابتكاراً غزياً انتشر في فلسطين خلال الثمانينيات من القرن العشرين، ولا يزال حاضراً حتى اللحظة، في حين زاد استخدامه بدرجة كبيرة من قبل الغزيين قبل الحصار الإسرائيلي عام 2007. هي أشبه بفرن كهربائي منزلي صغير وقليل الكلفة تتضمن مواد من الألمنيوم والقصدير، ويحتوي على وعاء صغير لوضع الخبز، وهو يزود بالكهرباء عبر غطاء ألمنيوم موصول بسلك حلزوني من خليط معادن لا تصدأ، والذي ينشر الحرارة في الداخل.

رغم انقطاع التيار الكهربائي يومياً عن المنازل، تحضر طنجرة الكهرباء وتنقذ الأسر من الفقر، بحسب ما يصف كثيرون وفي مقدمهم لاجئون يحصلون على أكياس دقيق كبيرة ضمن مساعدات غذائية تمنحها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).  

الصورة
حاضرة في غزة وتنقذ أسر (محمد الحجار)
حاضرة في غزة وتنقذ أسراً (محمد الحجار)

واللافت أن ثمن طنجرة الكهرباء مرتفع حالياً مقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي السيئ والغلاء السائد بسبب الضرائب التي تفرض على مواد الخام المستوردة من الخارج. تقول فتحية لـ"العربي الجديد" إنه "في بداية الانتفاضة الأولى انتشرت طنجرة الكهرباء في شكل كبير في قطاع غزة، بعدما حظر الاحتلال الإسرائيلي التجوّل في المخيمات، من أجل تقييد حركة المقاومين الذين اتخذوها مقراً، ما صعّب الوصول إلى الأفران البلدية، فباتت طنجرة الكهرباء وسيلة إعدادنا الخبز إذا تواجد التيار". تضيف: "عشنا في المخيمات وسط ظروف صعبة، فكان لا بدّ من وسيلة لإعداد الخبز بسرعة لتفادي الاستهلاك الكبير للكهرباء. ونحن نعد أكثر من 100 رغيف أحياناً خلال استخدامنا طنجرة الكهرباء مرة واحدة، علماً أن أسرتي التي تضم 9 أفراد لا تستطيع شراء الخبز من الأفران، خصوصاً أن أربعة من أبنائي عاطلون من العمل. والحقيقة أن تحضير الخبز على طنجرة الكهرباء أصبح عادة بالنسبة لنا، ونحن نعلّم بناتنا منذ سن المراهقة استخدامها لصنع الخبز".

الصورة
تستخدم طنجرة الكهرباء لتحضير خبز ومناقيش وفطائر (محمد الحجار)
تستخدم طنجرة الكهرباء لتحضير خبز ومناقيش وفطائر (محمد الحجار)

وقد تطوّر تواجد طنجرة الكهرباء في منازل الغزيين، وهي تقدم كهدايا في مناسبات الزواج أو شراء منزل جديد، كما تخبر إنعام حماد البالغة 60 عاماً والتي تعيش في حي النصر بمدينة غزة لـ"العربي الجديد". وتقول: "أهديت أكثر من 10 طناجر في مناسبات مختلفة بينها زيجات لأقارب، وهي تعتبر من الهدايا القيّمة التي تقدم لسكان المخيمات ومناطق مختلفة في قطاع غزة". وتشير حماد إلى أن وجود طنجرة الكهرباء انتشر بسرعة في قطاع غزة خلال الثمانينيات من القرن العشرين. وتذكر أن اللاجئين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة كانوا يصطفون وينتظرون ساعات طويلة يومياً للحصول على خبز من أفران البلدية، في وقت كانت عائلات كثيرة لا تستطيع شراء أفران حديدية، وكان تشييد أفران طينية يحتاج إلى مساحات في منازل المخيم، والتي لم تكن متاحة بسبب تلاصقها بعضها ببعض.

من جهة أخرى، وفّرت طنجرة الكهرباء أعمالاً لتقنيين تولوا إصلاح أعطالها منذ أن تواجدت في الأسواق، وشجع وجودها مصانع محلية على صنع قطع غيار لها. يومياً، يتولى إياد فرج (44 عاماً) إصلاح عدد من طناجر الكهرباء داخل سوق الشيخ رضوان بمدينة غزة، ويقول لـ"العربي الجديد" إن "أسراً كثيرة لا تستطيع شراء طناجر جديدة يتجاوز ثمنها 120 شيكلًا (37 دولارا). أما المصانع التي تصنع هذه الطناجر في غزة فقليلة بسبب الغلاء وصعوبة إدخال مواد خام من خارج قطاع غزة، في ظل الحصار الاسرائيلي المستمر". يضيف فرج أن "أكثر من نصف المنازل في غزة فيها طناجر كهرباء، فهي ليست مكلفة مثل أنبوبة الغاز التي وصل ثمنها إلى 68 شيكلاً (20 دولاراً) ولا تحتاج إلا إلى الكهرباء. وغالبية الناس يصلحون هذه الطناجر مرة واحدة كل شهرين على الأقل، علماً أن بعضهم يعجزون عن شراء قطع غيار لها بسبب الفقر، لكنها تعتبر في بعض المنازل أهم أداة كهربائية توفر متطلبات كثيرة، بدلاً من شراء الخبز ومأكولات جاهزة أخرى من الخارج".