سجلت المحاكم العراقية معدلات طلاق مرتفعة خلال النصف الأول من عام 2023، وصلت إلى 19 ألف حالة، بمعدل تسع حالات طلاق في الساعة الواحدة، حسب إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، لكن هذه الأرقام ليست كلها واقعية، إذ تزايدت وقائع الطلاق الوهمي أو الصوري بالاتفاق بين الزوجين من أجل الحصول على معونة الرعاية الاجتماعية التي تخصص للمطلقة التي لا مصدر دخل لها.
ويعتبر الطلاق الصوري فعلياً نهاية رسمية للعلاقة الزوجية أمام المحكمة، لكن يظل الزوجان مع بعضهما وفق عقد النكاح المعروف في مناطق واسعة من العراق بـ"عقد السيد"، أي رجل الدين، ويجري ذلك باتفاق الزوجين للتحايل على القانون بغرض الحصول على قيمة الإعانة الاجتماعية التي تدفعها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شهرياَ للمطلقات والأرامل والعاطلين عن العمل.
سارة هو اسم مستعار لإحدى النساء اللاتي جربن الطلاق الصوري، وقد قامت بتجهيز الأوراق التي تثبت أنها مطلقة، وتقديمها إلى هيئة الرعاية الاجتماعية في بغداد. تروي سارة لـ "العربي الجديد": "بعد تحمل مسؤولية نفقة أولادي بمفردي لأن زوجي كان عاطلاً من العمل، ويقضي أغلب وقته خارج المنزل، اضطررت إلى مواجهته، فأقنعني بخطة أن يطلقني بشكل غير حقيقي لنتمكن من الحصول على راتب الرعاية الاجتماعية، وبما أن المرأة المطلقة يكون راتبها أكبر من الرجل العاطل، طلب مني أن أتقدم بالأوراق، لكن الوزارة كشفت حقيقة أمري بعد أربعة أشهر من استلامي للراتب، وقامت بقطع المال، وبات يتوجب عليَّ إرجاع ما استلمته خلال الأشهر الماضية. نساء أخريات حصلن على مرتبات الرعاية الاجتماعية الشهرية، وقمن بتغيير محل سكنهم حتى لا يرصدهن أحد من مفتشي أو موظفي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
من جهته، يؤكد مسؤول دائرة الرعاية الاجتماعية، أحمد الموسوي لـ"العربي الجديد"، أن "الوزارة تخصص راتباً شهرياً لكثير من الفئات المستحقة، ومنها المطلقات والأرامل، وفق بيانات يتم التأكد من صحتها شهرياً، وهناك 109567 مطلقة مشمولة بالمعونة، و244689 أرملة. الوزارة كشفت عن عشرات من حالات الطلاق الوهمي والصوري، وهذه جريمة تزوير تتم بالاتفاق مع الزوج، وضمن مهام الباحث الاجتماعي التأكد من صحة حالات الطلاق، والاستفسار من مختار المنطقة والجيران للتأكد من أن المرأة مطلقة رسمياً قبل أن تستلم راتب الرعاية الاجتماعية".
وحول الإجراءات القانونية المتخذة بحق المزورين، يقول الموسوي: "الوزارة تمتلك الحق القانوني في قطع الراتب الشهري، فضلاً عن استرداد كافة المبالغ التي تم تلقيها وفق قانون تحصيل الديون الحكومية".
من الناحية الشرعية، يشدد الشيخ مؤمل الهنداوي على أن الطلاق الصوري غير شرعي، وأن المراجع الدينية لا تحلل مخالفة القانون. ويقول لـ "العربي الجديد": "ترتكب المطلقة صوريا أفعالاً محرمة، منها التزوير والتحايل على الدولة والقانون، ومعاشرة الزوج الذي طلقت منه بالمخالفة للشرع والقانون بينما هي لم تعد جائزة لمعاشرته".
من جهته، يقول الأستاذ في الحوزة العلمية في بغداد، الشيخ عبد المنعم المشكور، إن "من شروط الزوج المُطلّق أن يكون قاصداً الطلاق حقيقة، وليس شكلاً، وعليه فإن هذا النوع من الطلاق باطل، ولا تزال الزوجة في ذمته، فلا إشكال في عيشها معه في ذات البيت، لأنها زوجته، ولاتزال حلاله. الأمر الذي ينبغي عدم السكوت عنه، هو أن الزوجين ارتكبا مخالفة قانونية بهذا التصرف، وهذا يعني أنهما آثمان نتيجة فعلهما المحرم بتحايلهما على قوانين الدولة".
وفي ما يخص العقوبة المترتبة على هذا الفعل، يوضح الحقوقي محمد جمعة لـ"العربي الجديد "، أن "هذه حالات تزوير، وعقوبة التزوير هي السجن، والمدة تصل إلى 15 سنة بحسب مواد قانون العقوبات، كما تدخل هذه الحالات في خانة الاحتيال وفق قانون العقوبات". ويلفت إلى أن "هذا الطلاق مخالف للشريعة الإسلامية، لأن المحاكم لها ولاية شرعية، والرقابة على مثل هكذا عقود غير صحيحة وإبطالها تكون من الدائرة المختصة التي يتم تقديم طلب الرعاية الاجتماعية إليها، فيجب أن تتأكد الدائرة بموجب كتاب شرعي من صحة وجود الزواج من عدمه".
ويبين جمعة أن "الطلاق الصوري يكثر ظهوره في المناطق الفقيرة والشعبية، لذلك فإن فضحه، أو الإبلاغ عنه يكون صعباً، إذ يخشى سكان تلك المناطق من الفضائح المجتمعية، وربما الملاحقات العشائرية، ما يجعلهم يسكتون على هذه الحالات القائمة".