- اكتشاف مقبرة جماعية بـ283 شهيدًا في مجمع ناصر الطبي يعكس الدمار الشديد والصعوبات الكبيرة في عمليات الإنقاذ.
- نقص حاد في عناصر الدفاع المدني والمعدات يبرز الحاجة الماسة لدعم دولي وإنساني لتعزيز قدرات الإنقاذ ومواجهة الأزمة الإنسانية.
مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره السابع، فقدت طواقم الدفاع المدني ما بين 70 إلى 80 في المائة من قدراتها، ما يؤثر على عمليات الإنقاذ الطارئة وانتشال الجثامين ورفع الأنقاض.
أظهر اكتشاف المقبرة الجماعية في مجمع ناصر الطبي مدى صعوبة عمل عناصر الدفاع المدني في قطاع غزة، إذ استغرقت الطواقم رفقة الكوادر الطبية وقتاً طويلاً لانتشال جثامين الشهداء، والتي وصل عددها إلى 283 شهيد، وما زالوا يتوقعون وجود مزيد من الجثامين في المقبرة الجماعية في ظل اختفاء مئات الجثامين التي دفنت في ساحات المجمع ومحيطه، والتي قدرت في وقت سابق بنحو 700 جثمان.
ورغم الانسحاب الإسرائيلي من مجمع ناصر الطبي في الثامن من إبريل/نيسان الماضي، إلا أن اكتشاف المقبرة الجماعية تأخّر كثيراً بسبب حجم الدمار والخراب الذي أحدثه جيش الاحتلال في مختلف مرافق المجمع الذي يعد أكبر ثاني مجمع طبي في القطاع بعد مجمع الشفاء، كما أن عمليات استخراج الجثامين كانت تسير ببطء شديد بسبب قلة الإمكانيات المتاحة.
يقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، لـ"العربي الجديد": "رغم الانسحاب الإسرائيلي من مدينة خانيونس، لا تزال طواقمنا تستخرج جثامين متحللة، من بينها نساء وأطفال، وقلة الإمكانيات تجعل الوقت اللازم يطول، وبينما كنا نعمل في مجمع ناصر الطبي، كانت طواقمنا تقوم بتغطية المناطق التي تتعرض للقصف، وبالتزامن مع مهام البحث والتنقيب عن الجثامين، تقوم الطواقم بمتابعة الطوارئ، وعادة ما يتركز العمل على المناطق التي تتعرض للقصف، والتي يتم التعامل معها وفق الإمكانيات المتاحة، وهذه مهام ثقيلة على فريق إمكانياته محدودة".
يحتاج قطاع غزة في الظروف الطبيعية إلى 2300 عنصر دفاع مدني
يضيف بصل أن "طواقم الدفاع المدني تقوم بمهام إخماد الحرائق يومياً، وكذلك تحطيم الركام والأسقف التي تحدّ من الوصول إلى المدنيين العالقين، مع رفع الركام أثناء عمليات الإنقاذ بعد تفقده للتأكد من عدم وجود ناجين أو جثامين، وهي عمليات تتطلب في الأساس توفر الوقود والمعدات الثقيلة المتنوعة، إلى جانب الجهود البشرية المتواصلة، لكن بسبب نقص المعدات نضطر إلى استخدام شاحنات تابعة لشركات محلية، وكذلك معدات يملكها المواطنون من أجل إنقاذ المدنيين، فقد دمر الاحتلال الكثير من معداتنا، وبعضها كانت في الأصل متهالكة أو قديمة".
وبحسب تقديرات الدفاع المدني، فإن قطاع غزة يحتاج في الظروف الطبيعية إلى 2300 عنصر، لكن العدد اليوم في ظل العدوان المتواصل لا يتجاوز 680 عنصراً، وقد راح ضحية العدوان 67 من العناصر، فضلاً عن إصابة المئات، وبعض هؤلاء أصيبوا بإعاقات دائمة، وقلة من المصابين استطاعوا العودة إلى العمل بعد تعافيهم، لكن هناك عشرات المتطوعين، والحاجة الحقيقية إلى الإنقاذ والانتشال خلال العدوان الحالي لا تقل عن أربعة آلاف عنصر عامل.
وصدمت أعداد المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في قطاع غزة العائلات التي تبحث الكثير منها عن مفقوديها، ويأملون في العثور على أي دليل يؤكد بقاءهم على قيد الحياة، أو معرفة مصيرهم في حال استشهادهم، ومن ثم نقل جثامينهم من المقابر المؤقتة أو ثلاجات الوفيات في المستشفيات لدفنها.
وتوجهت أعداد كبيرة من الأشخاص إلى مجمع ناصر الطبي للتعرف على ذويهم بين الجثامين التي استخرجت من المقبرة الجماعية، خصوصاً ذوي من شوهدوا أخيراً في مجمع ناصر الطبي، وآخرين ممن فقدوا ذويهم في مدينة خانيونس على إثر العملية الإسرائيلية.
كان من بين هؤلاء فادي غبن الذي فقد شقيقة جلال (27 سنة)، إذ توجه مسرعاً إلى المكان لعدم ثقته بقدرة الدفاع المدني على التعرف على شقيقه، خصوصاً أنهم يعملون في ظل إمكانيات محدودة تجعل عملية البحث تستغرق وقتاً طويلاً.
شارك فادي مثل كثير من الغزيين في عمليات الانتشال والإنقاذ لمساعدة طواقم الدفاع المدني عندما كان في مدينة غزة، قبل أن ينزح إلى مدينة خانيونس، ثم إلى مدينة رفح، وهو يؤكد أنه "لولا مشاركة الناس في عمليات الإنقاذ لربما كانت أعداد الشهداء أكبر مما هي عليه حالياً، لكن الوضع في هذه المقبرة أصعب، فأعداد الجثامين، وتحلل الكثير منها، والإمكانيات المحدودة تجعلني أعتقد أن شقيقه أحد هؤلاء الشهداء. لقد فقدناه مرتين أثناء العدوان الحالي، لكنه في كل مرة كان يرسل إلينا ليؤكد أنه على قيد الحياة، لكنه حالياً مفقود منذ شهرين كاملين".
يضيف لـ"العربي الجديد": "الآلاف ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض، وهذه واحدة من أبشع المجازر الإنسانية، وقدرات طواقم الدفاع المدني محدودة، لكنهم رغم ذلك يبذلون مجهوداً جباراً في العمل، لكن مطرقة وحفار كهربائي والقليل من المعدات لا تنفع في مواجهة دمار كبير. عدد من أفراد عائلتي انهارت فوقهم المنازل في مدينة غزة، وقد استسلمنا لواقع أنهم شهداء، فالناس فوق الأرض معرضون للموت، فما بالك بمن هم تحت الأنقاض".
يتابع: "صدمت عندما رأيت الجثامين، والكثير منها متحللة تماماً ولا تظهر أي ملامح، وشقيقي من بين مفقودين كُثر، وبحثنا عنه بين المعتقلين، وحاولنا الوصول إلى عدد من عائلات الأسرى في الضفة الغربية لمحاولة معرفة إن كان أحدهم تعرف عليه بين المعتقلين، لكن لم نصل إلى شيء، وعرفت من البعض أنه تعرض للتعذيب قبل اختفائه، ولو كان حياً لفعل المستحيل ليطمئن والدتي التي احتسبته عند الله شهيداً".
يشير أحمد الترتوري، وهو أحد عناصر الدفاع المدني، إلى أنه مع دخول الشهر السابع على التوالي من العدوان، فقدت الطواقم أعداداً كبيرة من المعدات، فبعضها دمرها الاحتلال قصداً، والبعض الآخر تضرر خلال العمل، ما يدفع العناصر إلى الاستعانة بالمعدات التي يملكونها مثل المطارق والحفارات اليدوية الصغيرة، والأوضاع حرجة، ولا توجد أدنى استجابة للمطالبات المتكررة بتزويدهم بالمعدات لمواصلة عملهم الإنساني.
يعمل الترتوري في الدفاع المدني منذ أكثر من 12 عاماً، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "مستقبل الدفاع المدني في خطر في حال استمر العدوان في ظل عدم تأمين الاحتياجات الأساسية، ولولا مساعدة الناس في الكثير من المرات لكانت ظروف العمل أصعب، لكن الناس تساند الطواقم بإحضار معدات الحفر المنزلية، غير أننا نتعرض للخطر المتواصل، ولسنا محميين رغم كل القوانين الدولية التي تحمينا من أي استهداف خلال الحروب، وقد خسرنا الكثير من الزملاء خلال العمل، وخسرت شخصياً الكثير من معدات العمل، وفي بعض الأيام نعمل بأدوات بدائية، إذ لا يمكننا أن نرفض الاستجابة لأي استغاثة".
وبحسب الطواقم الطبية في مجمع ناصر، ووفق المعاينات الأولية للجثامين، فإن غالبيتها كانت في مرحلة متقدمة من التحلل، وبعضها كانت تظهر عليها علامات التعرض للتعذيب والتنكيل، من بينها تشوهات في اليدين، وآثار تقييد، وتجمعات دموية، وبعض الجثامين كانت منزوعة الملابس.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن نقص معدات الدفاع المدني ومستلزماته يتزامن مع منع الاحتلال إدخال أي معدات إلى القطاع رغم المناشدات المستمرة التي أرسلناها إلى الدول المجاورة والمنظمات الطبية والحقوقية الدولية، وتلك المعدات تعتبر من أكثر احتياجات القطاع العاجلة في الوقت الحالي.
يضيف الثوابتة لـ"العربي الجديد": "حتى 21 إبريل الحالي، تم تقدير وجود نحو 11 ألف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة، ولو توفرت المعدات لجهاز الدفاع المدني لكان بالإمكان إنقاذ أعداد كبيرة من هؤلاء، خصوصاً في المناطق التي شهدت تدمير مربعات سكنية كاملة، والتي كان يتم العمل فيها بأدوات بدائية، والاعتماد على أصوات العالقين للاستجابة. اكتشفنا وجود جثامين متحللة، وهناك أنصاف جثامين شاهدناها مؤخراً بعد انسحاب الاحتلال من بعض المناطق، ولا يستطيع الإنسان التعبير عما رأى من جرائم".
يتابع: "بعد استخراج عناصر الدفاع المدني لهذه الجثامين أصبحنا لا نعرف طبيعة الأسلحة التي استخدمت لقتلهم، كما أن طرق الدفن في مقابر جماعية صعبة، فالاحتلال يملك إمكانيات القتل والدفن، في حين أن طواقم الدفاع المدني الفلسطيني لا يملك الأدوات لإنقاذ الأرواح، أو استخراج الجثامين من تحت الأنقاض بعد المجازر الإسرائيلية"