استمع إلى الملخص
- يعيش الصيادون في حالة قلق بسبب الأوضاع الأمنية، ويضطرون للنزوح إلى مناطق أخرى مثل صيدا، مما يزيد من أعبائهم المالية ويثير تساؤلات حول دور الدولة في تعويضهم.
- تفتقر الصيادون إلى نقابة تدافع عن حقوقهم، مما يضطرهم للمجازفة بالصيد في ظروف خطرة، ويطالبون بحلول تضمن سلامتهم وسبل العيش الكريم.
تنتهي "سراحة" صيادي مدينة صور اللبنانية عند حدود مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، فالتهديدات الإسرائيلية تقيِّد المساحة المتاحة للصيد، وهم ينتظرون "الفرج وتحرر البحر".
يجلس ديب ضاحي على شاطئ ميناء صور لتصليح "السنانير" التي يحتاجها للصيد الذي يمتهنه منذ أكثر من ثلاثين سنة، ويروي لـ"العربي الجديد"، عن الكارثة التي أصابته مع أقرانه من الصيادين خلال الحرب، والتي ما زالت ممتدة حتى الآن. يقول: "لا نخاطر بالابتعاد عن الميناء، وممنوع التوجه أبعد من 5 كيلومترات في البحر، بعد تحذيرنا من قبل الجيش اللبناني، والصيد يكون على مسؤوليتنا الخاصة. يبلغ عددنا 400 صياد، ونعيش من قلة الموت".
وقبل الحرب، كان الصيادون يصلون إلى البحر قبالة البياضة التي تبعد نحو 15 كلم عن صور، ثم الناقورة الحدودية جنوباً. ويشير ضاحي: "كنا نبحر إلى 26 كيلومتراً من الساحل الجنوبي، واليوم محظور علينا التوجه إلى هناك. ما جنيته من سراح أمس لم يتجاوز ثمنه مليوني ليرة، بينما عليّ أن أدفع 500 ألف ليرة ثمن الوقود، و500 ألف ليرة أجرة الفلوكة، و500 ألف سعر السنانير، إضافة إلى مليون ليرة سعر أجرة مساعدي، ما يعني أنني أدفع من جيبي، ولا أجني ما يكفي عائلتي".
ويتحدث الصياد عماد الزوز، بحسرة عن مشهد الدمار بحي الرمل في صور، ويقول لـ"العربي الجديد": "منزلي غير مدمر، لكن كل بيت في صور هو منزلي. نشعر بخوف كبير على حياتنا حين نجازف بالتوجه إلى البحر، وندعو أن تمر الستون يوماً المقررة في اتفاق وقف إطلاق النار على خير، فنحن نعيش على الرزق اليومي، وإن لم نسرح كي نصطاد لا يمكن أن نطعم أولادنا".
اختبر الزوز النزوح لأول مرة في حياته، ويقول: "نزحت إلى صيدا، وتراكمت عليّ ديون لا تقل عن 1600 دولار أميركي، واليوم نمنع من التوجه إلى العمل، ولا أحد يتطلّع إلى مشكلاتنا. هل الدولة أو حزب الله سيعوضون علينا ما تعرضنا له من خسارة؟ نجازف بالإبحار من الخامسة مساء إلى منتصف الليل، ويمكننا الوصول إلى منطقة الرشيدية، لكن لا يوجد في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة أسماك كافية".
ويؤكد العديد من الصيادين اعتمادهم على المساحة البحرية بين الناقورة والبياضة، وهم ينتظرون انتهاء فترة الهدنة، بعد أن خسروا موسم الصيد الوفير في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني. ولا تزال مسامك صور تقوم بتنظيف المحال وتجهيز البرادات، فغلة السمك القليلة لا يمكن أن تبقى في المدينة، ويجب أن توزع على المطاعم والتجار.
يمارس مازن الحسن الصيد منذ سن الرابعة عشرة، وهو يبلغ حالياً 45 سنة. ويشرح لـ"العربي الجديد": "حدة أصوات القصف، وارتجاج المياه تجعل السمك يهرب إلى الأعماق، وغير مسموح لنا بالإبحار أبعد من 5 كيلومترات. هذا عدو غاشم، ويجب أن نضمن سلامتنا. لا ضمانة مع الاحتلال، ووجود الزوارق البحرية العسكرية في البحر دمّر موسم الصيد. نعيش كارثة حقيقية في ظل احتلال البحر، ويكلفني التوجه إلى الصيد إيجار الفلوكة 50 دولاراً أميركياً، ونجمع بعضنا 15 صياداً لتقاسم الأجرة، ثم نتقاسم الرزق القليل".
ونزح أغلب صيادي صور إلى مدينة صيدا، وهم يتحدثون عن تضاعف الأسعار في مدينتهم شبه المقفلة، ويصف أحدهم الأسعار بأنها "نوع من الإجرام". ويضيف: "في صيدا كان كيلو البطاطا سعره 40 ألف ليرة، بينما في صور سعره 80 ألف ليرة، فيما كيلو البندورة وصل سعره إلى 100 ألف ليرة، وكنا نشتري في صيدا 4 كيلوجرامات بقيمة 100 ألف ليرة. لا يوجد في صور أحد يراقب الأسعار، لكنني جلبت تمويناً يكفيني لمدة أسبوعين من صيدا".
بينما يقوم بتصليح الفلوكة، يقول الصياد خليل عودة لـ"العربي الجديد": "تركنا أرزاقنا ونزحنا، وعندما عدنا وجدنا القوارب متضررة لأن الطحالب تؤذي الخشب". أجازف بالتوجه إلى البحر على مسؤوليتي، رغم الخطر الإسرائيلي، فلا أحد يسأل عنا، والوضع لا يزال مخيفاً، وكل يوم نسمع صوت الضربات الإسرائيلية. أتوجه إلى البحر عند الثالثة صباحاً، ورزقتنا خفيفة بسبب هروب السمك نتيجة القذائف المستخدمة، والزوارق البحرية العسكرية. لا توجد نقابة تدافع عن أحوالنا، ونترك لمصيرنا دائماً".
بدوره، لم يترك الصياد مخايل الجوني الميناء طوال الحرب. ويؤكد لـ"العربي الجديد": "يقوم الجيش بإرشادنا إلى المنطقة التي يسمح بالتوجه إليها للصيد، ونعود عادة من دون أسماك. أضرارنا كبيرة، فرزقنا يومي، وكل يوم لا نعمل به لا يمكننا تأمين لقمة العيش لأولادنا. نريد أن نعيش بسلام، وليس في ظل حالة الخوف من تجدد العدوان الإسرائيلي".