صرخات ألم وبكاء وتلاوة قرآن وأدعية في مستشفيات غزة مع فقدان أدوية التخدير

10 نوفمبر 2023
الألم أكبر ممّا يمكن تصوّره (محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

تبكي طفلة صغيرة من الألم وتصرخ "ماما... ماما"، في حين يرتق ممرّض جرحاً في رأسها من دون استخدام أيّ مخدّر، إذ إنّ أدوية التخدير لم تكن متوفّرة في ذلك الوقت في مجمّع الشفاء الطبي، شمالي قطاع غزة.

تلك واحدة من أسوأ اللحظات التي يرويها الممرّض أبو عماد حسنين، خلال وصفه المعاناة التي يعيشونها مع اضطرارهم إلى التعامل مع تدفّق جرحى لم يسبق له مثيل ومع ندرة الأدوية، لا سيّما المسكّنة منها، منذ بدء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من شهر على قطاع غزة.

ويخبر حسنين: "في الغالب، نعطيه (الجريح) الشاش المعقّم لكي يعضّ عليه عند الشعور، لكنّنا نعلم أنّ الألم الذي يشعر به هو أكبر ممّا يمكن تصوّره أو هو يفوق سنّه الصغيرة"، في إشارة إلى الجرحى من الأطفال مثل تلك الصغيرة المصابة بجرح في رأسها.

من جهته، حضر نمر أبو ثائر إلى مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة لتغيير ضمادات وتعقيم جرح في ظهره بسبب غارة جوية إسرائيلية. يقول الرجل الذي هو في منتصف العمر، إنّه لم يحصل على أيّ مسكّن للألم عندما رُتق جرحه بعد إصابته. يضيف: "ظللت أقرأ القرآن حتى انتهوا من عملية الرتق".

الألم أو الموت

في هذا الإطار، يقول مدير مجمّع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية إنّ وصول أعداد كبيرة جداً من المصابين في وقت واحد يجعلهم أمام خيار واحد وهو معالجهتم على الأرض من دون أدوية لتخفيف الألم بصورة كافية.

ويشير أبو سلمية، في مثال على ذلك، إلى ما حدث مباشرة بعد الانفجار الذي وقع في المستشفى المعمداني (الأهلي العربي) في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيخبر أنّ نحو 250 جريحاً وصلوا إلى مجمّع الشفاء الطبي الذي يضمّ 12 غرفة عمليات فقط، وبالتالي "لو جعلنا هذا العدد الكبير من الجرحى ينتظر، لمعالجة الواحد تلو الآخر، لكنّا فقدنا جرحى كثيرين".

يضيف أبو سلمية: "لذا اضطررنا إلى العمل على الأرض من دون أي تخدير أو بأدوية تخدير بسيطة جداً أو مسكّنات للألم خفيفة جداً، حتى نتمكّن من إنقاذ حياة الجرحى".

ويتابع أبو سلمية، من دون الخوض في تفاصيل، أنّ العمليات التي أجرتها الأطقم الطبية في مجمّع الشفاء الطبي في مثل هذه الظروف شملت بتر أطراف وأصابع ورتق جروح وعلاج حروق خطرة.

ولا يخفي أبو سلمية أنّ "الأمر مؤلم للطواقم الطبية وهو أمر ليس بسيطاً، غير أنّ لا سبيل غير ذلك... إمّا أن يتألّم الجريح وإمّا أن يفقد حياته".

"الأمر مؤلم جداً"

وفي مستشفى ناصر بمدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، يقول مديره محمد زقوت إنّه في بداية الحرب الإسرائيلية نفدت إمدادات التخدير بالكامل من المستشفى، إلى حين سُمح لشاحنات المساعدات بالدخول إلى القطاع المحاصر.

ويخبر زقوت أنّ "عمليات عدّة أُجريت، من بينها عمليات ولادة قيصرية لنساء حوامل، من دون بنج على الإطلاق"، مؤكداً أنّ "الأمر كان مؤلماً جداً. كذلك اضطررنا إلى معالجة الحروق من دون تخدير ومن دون مسكّنات للألم لعدم توفّرها".

ويوضح زقزت أنّ الطواقم الطبية بذلت قصارى جهدها للتخفيف من آلام المرضى بأدوية أخرى أخفّ تأثيراً، لكنّ هذا لم يكن كافياً بالتأكيد. ويبيّن أنّ "هذا ليس الحلّ الأمثل لمريض في غرفة العمليات، فنحن نريد إجراء العملية تحت تخدير كامل".

ويشير زقوت إلى أنّه على الرغم من تخفيف النقص في أدوية التخدير في مستشفى ناصر بعد وصول المساعدات، فإنّ النقص ما زال حاداً في مجمّع الشفاء الطبي والمستشفى الإندونيسي، وكلاهما يقعان في شمال القطاع الذي يتعرّض لقصف شديد.

يُذكر أنّه بعد إطباق الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، كما الغذاء والمياه والوقود، وصلت في 21 أكتوبر الماضي قافلة المساعدات الإنسانية الأولى التي سُمح بإدخالها من معبر رفح الحدودي مع مصر. وعلى الرغم من أنّ قوافل عدّة دخلت إلى القطاع منذ ذلك الحين، فإنّ الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية تؤكد أنّ المساعدات المقدمّة ليست قريبة من المستوى المطلوب للتخفيف من الكارثة الإنسانية.

(رويترز)

المساهمون