عندما أجبرت الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم سارة الشريف وأسرتها على الفرار، تركت الطالبة التي تتابع دراستها في تكنولوجيا المعلومات كتبها وجهاز الكمبيوتر الخاص بها وراءها.
واليوم، تعيش سارة البالغة من العمر 19 عاماً في سنار الواقعة على بعد 30 كيلومتراً إلى جنوب شرق الخرطوم، وتعاني من جرّاء ضعف الإنترنت، في حين أنّها لا تملك جواز سفر يمكّنها من مغادرة السودان.
ولا تجد سارة، شأنها شأن كثيرين، سبيلاً لمواصلة دراستها، في حين يحتدم القتال في البلاد ما بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع".
وقد تسبّبت الحرب، التي اندلعت في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، في انهيار نظام التعليم المتعثّر أساساً في السودان، مع إغلاق مدارس عديدة أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين وإلغاء معظم امتحانات نهاية العام الدراسي 2022-2023. وتقول سارة إنّ هذه الحرب تؤدّي إلى نهاية التعليم في السودان وتحوّل الأمور من سيّئ إلى مستحيل.
وأشعل الصراع معارك يومية في شوارع الخرطوم، وعادت معه الهجمات العرقية في دارفور، وتسبّب في تشريد أكثر من أربعة ملايين في داخل السودان وخارج حدوده كذلك.
في هذا الإطار، تشير المسؤولة بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في السودان سيمون فيس إلى أنّ ثمّة "عدداً مقلقاً من التقارير التي تفيد بتجنيد جماعات مسلّحة للفتيان والفتيات".
كذلك، تبيّن الأمم المتحدة أنّ 89 مدرسة على أقلّ تقدير، في سبع ولايات، تُستخدَم ملاجئ للنازحين، الأمر الذي يثير مخاوف من عدم تمكّن أطفال كثيرين من دخول المدارس في العام الدراسي المقبل 2023-2024، وهو ما يجعلهم عرضة لعمالة الأطفال وسوء المعاملة.
وكانت وزارة التربية والتعليم في السودان قد ألغت، أمس الأربعاء، امتحانات نهاية العام بمعظمها في المناطق المتضرّرة من الحرب.
وتقول سحر عبد الله، مدرّسة نازحة من الخرطوم لجأت إلى سنار، إنّ الجميع يرون استحالة بدء عام دراسي جديد، في ظلّ الوضع الراهن.
إضراب المدرّسين
وقبل اندلاع الصراع، كانت منظمة "أنقذوا الأطفال" قد صنّفت السودان واحداً من البلدان الأربعة الأولى على مستوى العالم التي يواجه التعليم فيها خطراً شديداً. أمّا اليوم، فتفيد المنظمة بأنّ عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ارتفع إلى تسعة ملايين بعدما كان 6.9 ملايين، فيما نزح أكثر من مليون طفل في سنّ التعليم وأغلقت 10.400 مدرسة على الأقلّ أبوابها منذ بدء القتال.
وفي حين تتميّز الخرطوم بتراث فكري تعتزّ به، ينهار نظام التعليم بسبب قلة الاستثمار والتدخّل السياسي والأزمة الاقتصادية الطاحنة. وسبق أن تعطّلت الدراسة نتيجة احتجاجات الشارع، قبل وبعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، وكذلك وسط الفيضانات العارمة غير المعتادة في عام 2020، وخلال أزمة كورونا الوبائية.
وعن مشكلة اكتظاظ الفصول الدراسية، تقول عبد الله إنّ كثيرين من التلاميذ يواجهون مشكلات في الجلوس، لافتة إلى احتمال أن يحضر التلميذ إلى المدرسة حاملاً مقعده معه. وتتناول كذلك عدم توفّر الكتاب المدرسي بصورة كافية، الأمر الذي يصعّب على المدرّس إيصال المعلومة.
يُذكر أنّ المدرّسين في القطاع العام نظّموا إضراباً لمدّة ثلاثة أشهر، قبل اندلاع الحرب، احتجاجاً على الأجور وظروف العمل. ولا يخفي عضو بارز في لجنة المعلمين السودانيين أنّ ما يصل إلى 300 ألف مدرّس لم يتقاضوا رواتبهم منذ مارس/ آذار الماضي.
بدورها، تقول فاطمة محمد، وهي مدرّسة نزحت من الخرطوم إلى ولاية القضارف، إنّ "الحرب تسبّبت في توقّف الدراسة، وكنا نستعدّ لامتحانات نهاية العام الدراسي"، مؤكدة أنّ "مستقبل التلاميذ مجهول ولا نعرف متى سوف نعود إلى العمل". تضيف أنّه "منذ شهر مارس لم نستلم رواتبنا الشهرية"، مشيرة إلى أنّ المدرسة التي كانت تعمل فيها "تقع في منطقة حرب".
"انتظار وأمل"
وعلى الرغم من الاضطرابات التي شهدها التعليم في السودان، في السنوات القليلة الماضية، تمكّنت رباب نصر الدين من بلوغ السنة الثالثة في كلية القانون بجامعة الخرطوم إلى حين اندلاع الحرب.
وقد اضطرّت هي الأخرى إلى الفرار، تاركة وراءها شهادات ومواد تعليمية قد تساعدها في مواصلة الدراسة في مكان آخر. بالنسبة إليها، فإنّ "الخيار الوحيد هو الانتظار والأمل بحدوث الأفضل".
في سياق متصل، يحاول عمّال الإغاثة المساعدة في التخفيف من حدّة الأزمة، من خلال إنشاء مساحات آمنة للتعليم وتزويد الأطفال بالدعمَين النفسي والاجتماعي.
وجمع صندوق "التعليم لا ينتظر"، التابع للأمم المتحدة والمخصّص لتمويل جهود التعليم في حالات الطوارئ، 12.5 مليون دولار أميركي، وهو يهدف إلى توفير خدمات تعليمية لنحو 120 ألف طفل في السودان والدول المجاورة.
وتفيد المديرة التنفيذية للصندوق ياسمين شريف بأنّه في خلال جائحة كورونا، لم يرغب الأهالي في الدول الغنية في أن "ينتظر الأطفال عاماً أو شهراً لمواصلة الدراسة. فلماذا نتوقّع منهم (في السودان) الانتظار حتى ينتهي الصراع؟".
ويسعى عدد من النازحين من السودان إلى الالتحاق بمدارس وجامعات في الدول التي استقبلت الفارين من الصراع، مثل مصر. لكنّ لا خيارات مماثلة في تشاد التي وصل إليها أكثر من 377 ألف لاجئ.
(رويترز)