استمع إلى الملخص
- استشهاد 430 طالباً وفقدان 80 آخرين في غزة مقابل 20 في الضفة الغربية، مع قصص مثل أحمد صباح الذي حرم من حلمه بدراسة هندسة الذكاء الاصطناعي بسبب الحرب.
- الحرب أثرت سلباً على الطلاب الناجين، مثل محمد النجار الذي تخلى عن دراسته بعد فقدان شقيقه، لكن هناك جهوداً لدعم استمرارية التعليم في غزة عبر خطط طوارئ وفرص لإكمال الامتحانات في الخارج.
في قطاع غزة، كثر هم شهداء الثانوية العامة الذين كانوا يحلمون باجتياز امتحاناتهم بنجاح ومتابعة دراستهم الجامعية أو السفر. لكنّ قذائف وصواريخ الاحتلال سبقت أحلامهم.
وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ نحو تسعة أشهر، وعلى الرغم من القصف والتهجير والظروف الأخرى المسيطرة على القطاع من تجويع وأمراض وغيرهما، كان تلاميذ فلسطينيون كثيرون يتشبّثون بأمل أداء امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) التي من شأنها تحديد مصيرهم. من بين هؤلاء من حمل كتبه المدرسية خلال نزوحه إلى مراكز ومخيمات الإيواء، وقد انتشلها من بين ركام منزله. بالنسبة إلى هؤلاء فإنّ الكتب ومستلزمات التعلّم أهم من الملابس وغيرها من المتعلّقات، وقد راحوا يتابعون تعلّمهم بأنفسهم كلّما تراجعت وتيرة القصف الإسرائيلي بعض الشيء.
وفي حين انطلق أكثر من 50 ألف تلميذ فلسطيني بالضفة الغربية المحتلة في امتحانات الثانوية العامة في 22 يونيو/حزيران الجاري، فإن زملاءهم في قطاع غزة حُرموا من ذلك، الأمر الذي يجعلهم متأخّرين سنة دراسية واحدة عن زملائهم. يُذكر أنّ البيانات التي تلقّتها وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية تفيد بأنّ 430 من تلاميذ الثانوية العامة في قطاع غزة استُشهدوا في خلال الحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فصاروا من شهداء الثانوية العامة في قطاع غزة، في حين أنّ 80 آخرين ما زالوا في عداد المفقودين. أمّا في الضفة الغربية، فقد استشهد 20 من تلاميذ الثانوية العامة، بعدما استهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية في مختلف المحافظات، وذلك في المدّة الزمنية نفسها.
وكان عدد من تلاميذ غزة الذين سقطوا شهداء يأملون في تغيير واقعهم، وأحياناً بصورة كبيرة. من بين هؤلاء الشهداء أحمد صباح، من مدينة غزة شمالي القطاع، البالغ من العمر 18 عاماً. هو كان يتطلّع إلى السفر ومتابعة دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، علماً أنّ شقيقه مهندس برمجيات يعيش في ولاية فرجينيا الأميركية. وكان أحمد يتطلّع إلى متابعة دراسة هندسة الذكاء الاصطناعي، ولا سيّما أنّه من بين هؤلاء الأشخاص الذين كانت تلهمهم التكنولوجيا، بحسب ما تقول شقيقته الكبرى يارا لـ"العربي الجديد". وتخبر يارا أنّ أحمد استشهد في الخامس من إبريل/نيسان الماضي، بعدما أُصيب في العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة. هو عانى كثيراً من إصابته تلك، وكان يتلقّى علاجه في مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، الذي ظلّ يستقبل الجرحى والمرضى إلى حين خروجه من الخدمة في أثناء عملية اجتياح رفح التي انطلقت في أوائل مايو/أيار الماضي وما زالت مستمرّة حتى يومنا.
وأحمد الذي كان يتابع تعليمه في مدينة غزة قبل السابع من أكتوبر الماضي، حلّ من بين الأوائل في محافظة غزة الشمالية في العام الدراسي الماضي 2022-2023، عندما كان في الصفّ الثاني الثانوي- تخصّص علمي. لكنّه لم يكن يعلم أنّه سوف يكون واحداً من شهداء الثانوية العامة في قطاع غزة. وإذ تشير يارا إلى أنّ أحمد كان الأصغر بين أفراد أسرته، إلا أنّه كان "العبقري الكبير" في نظرهم والمولَع بالتكنولوجيا. تضيف أنّه كان يصمّم مواقع إلكترونية وهو في الرابعة عشرة من عمره، ويصلح في أحيان كثيرة حواسيبهم المحمولة وهواتفهم الذكية. وتتابع يارا: "نحن في العائلة، كنّا نرى شقيقنا أحمد أعظم استثمار لنا... ونحن كنّا نتوقّع أن يحصل على معدّل في الثانوية العامة يؤهّله لدراسة الطب، علماً أنّه كان يطمح إلى دراسة الهندسة".
وتلفت يارا إلى أنّ شقيقها الأصغر كان محبّاً للخير، وكان يستفيد من ولعه بالتكنولوجيا لمساعدة كثيرين، من خلال إصلاح هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية من دون مقابل. وعن استشهاد أحمد، تقول يارا إنّ "شقيقي أُصيب بالقرب من مخيّم خانيونس (إلى غرب مدينة خانيونس) عندما كنّا ننزح إلى مكان أكثر أماناً، وسط قصف إسرائيلي شديد"، مشيرةً إلى أنّ "عمّتنا المسنّة كانت ترافقنا وقد أُصيبت بدورها. هي استشهدت في وقت لاحق، إذ لم تحصل على العلاج اللازم لها، بالإضافة إلى النزوح المتكرّر" الذي أرهقها. وتكمل يارا: "لكنّ شقيقي كان متمسّكاً بالحياة"، مبيّنةً أنّ عائلتها "كانت من العائلات التي تنتظر الحصول على تنسيق (موافقة) من الجانب المصري، من أجل إنقاذ مستقبل شقيقها الأصغر، فيلتحق بامتحانات الثانوية العامة في مصر أو أيّ دولة أخرى. لكنّه استشهد قبل إعلان كشف المسافرين عن اسم العائلة، علماً أنّ شقيقي في الولايات المتحدة الأميركية وأقاربنا تمكّنوا من جمع المال من أجل سفر أحمد".
بدوره، يُعَدّ عمر أبو عمرة شهيداً من بين شهداء الثانوية العامة في قطاع غزة. وكان الفتى البالغ من العمر 18 عاماً يترقّب امتحانات الثانوية العامة، حتى يتمكّن بعدها من متابعة دراسته الجامعية. وثمّة سبب آخر كان يدفع عمر إلى ذلك، وهو أنّ شقيقه استشهد في العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014 فيما كان في الصفّ الأوّل الثانوي، وبالتالي كانت الوالدة ترغب بشدّة أن تفرح بنجاح عمر في الثانوية العامة، بعدما سرق الاحتلال منها فرحتها الأولى. لكنّ عمر استشهد بدوره في السابع من مايو الماضي، بالقرب من بوابة مدرسته "خليل الوزير الثانوية" في حيّ الرمال بمدينة غزة. ويخبر حسام أبو عمرة، ابن عم عمر وصديقه الذي هو في مثل سنّ عمر وفي الصفّ نفسه، أنّ عائلته كانت من بين العائلات التي رفضت النزوح من مدينة غزة إلى جنوبي القطاع، مشيراً إلى أنّ "عمر كان يأمل قبل استشهاده في انتهاء الحرب والعودة إلى المدرسة".
ويلفت حسام لـ"العربي الجديد" إلى أنّ عدداً كبيراً من تلاميذ المرحلة الثانوية بقوا في مدينة غزة والمنطقة الشمالية من القطاع عموماً، على أمل أن تنتهي الحرب. يضيف "وسط البرد، رفضت حرق كتبي المدرسية، لأنّني كنت أنا وعمر متمسّكَين بها وبإكمال دراستنا"، موضحاً "كنت قد قرّرت متابعة دراستي في التربية الرياضية. فأنا رياضيّ وأحبّ الجري مثل كثيرين من أفراد عائلتي، في حين أنّ عمر كان قد قرّر دراسة تكنولوجيا المعلومات". ويكمل حسام أنّ "عمر كان محبّاً للرياضة أكثر منّي، غير أنّه كان يردّد أنّ لا مستقبل في هذا المجال في فلسطين، إذ إنّ بلدنا تحت الاحتلال". ويؤكد أنّ "عمر استشهد مع أحلام كبيرة جداً. ومنذ ذلك الحين لا أجد أيّ قيمة للدراسة ولا للأحلام بالمطلق. نحن اليوم جائعون ومنهارون، ولم نعد قادرين على السير جيداً بسبب الجوع".
وكان تلاميذ فلسطينيون كثر في قطاع غزة قد تخلّوا عن كتبهم المدرسية وسط الإحباط الذي تملّكهم، ولا سيّما أنّهم رأوا أنّ لا لزوم لها بعد ضياع العام الدراسي. بالنسبة إلى محمد النجار، البالغ من العمر 16 عاماً، هو تخلّى عن كتبه المدرسية بعد استشهاد شقيقه زين الدين في نهاية فبراير/شباط الماضي. هو كان متمسّكاً بكتبه المدرسية في أثناء النزوح، غير أنّه وجد أن لا قيمة للكتب بعدما استشهد شقيقه ودُمّرت المدارس. ويقول محمد لـ"العربي الجديد": "لا جدوى للتفكير في العلم والمستقبل... صاروخ إسرائيلي واحد يدمّرنا ويقتلنا ويقتل أحلامنا كلّها. في خلال نزوحنا، كان شقيقي يتمسّك بكتبه كأنّها قلبه. وكان يحاول إتمام المنهج، وأظنّ أنّه أنهى دراسة عدد من الكتب، لكنّه استشهد قبل تحقيق حلمه". وهكذا صار اسم محمد يُدرَج بين أسماء شهداء الثانوية العامة في قطاع غزة.
في سياق متصل، يخبر محمد الخضري، الموجّه في وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، أنّ عدداً من تلاميذ الثانوية العامة كانوا يسألونه باستمرار عن المستقبل الدراسي وعن امتحانات الثانوية العامة في أثناء تنقّله في أماكن النزوح، وكان في كلّ مرة يردّ أنّ ثمة ترقّباً لاتفاق ينهي الحرب، مع الإشارة إلى أنّ ثمّة خطة طوارئ خاصة بتلاميذ قطاع غزة تقضي بحصر تعليمهم في نصف المنهج وتخفيف العبء عنهم في الامتحانات، مراعاةً لظروفهم وسط العدوان الإسرائيلي. لكنّ الخطة فشلت بسبب استمرار الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة. ويقول الخضري لـ"العربي الجديد" إنّ "تلاميذ في الثانوية العامة استشهدوا (إلى جانب أعداد من الطواقم الإدارية والتعليمية) وماتت أحلامهم. كان بعضهم خارقاً ويرغب في التعلّم في ظلّ كلّ الظروف. ولو كانت المدارس آمنة من القصف الإسرائيلي، كان هؤلاء التلاميذ سيقصدونها ويتابعون فيها تعليمهم" على الرغم من استهداف ما حولها.
ويلفت الخضري إلى أنّ عدداً من تلاميذ الثانوية العامة خضعوا لامتحانات نهاية العام الدراسي في دول عدة، بالتعاون مع السفارات والبعثات الفلسطينية في الخارج، في تركيا وقطر وروسيا على سبيل المثال. ويتابع "في المقابل، وصل عدد الشهداء الذين هم في سنّ الدراسة في قطاع غزة إلى ثمانية آلاف شهيد على الأقل، إلى جانب 350 شهيداً من الطاقم التعليمي، من دون احتساب من هم في عداد المفقودين. كذلك فإنّ أكثر من 12 ألفاً و500 تلميذ وطالب هم من الجرحى، من بينهم ألفان و500 صاروا من الأشخاص ذوي الإعاقة.