استمع إلى الملخص
- تعاني المرافق الصحية، مثل مستشفى كمال عدوان، من نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات، مما يضع الكوادر الطبية تحت ضغط كبير لتقديم الخدمات بأقل الإمكانيات وسط استهداف متكرر.
- يصف السكان الوضع بأنه كارثي، مع انعدام الأمان ونقص الموارد، ويطالب المسؤولون الفلسطينيون المجتمع الدولي بالضغط لإدخال المساعدات الإنسانية والوقود.
يشهد شمال غزة منذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التوغل البري الإسرائيلي الثالث للمنطقة التي بات عدد الفلسطينيين الموجودين فيها يتناقص، خصوصاً في أطراف مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا وبلدة بيت لاهيا، وجميعهم يبحثون عن بصيص أمل يتمحور حول توقف العملية العسكرية الإسرائيلية التي خلفت دماراً واسعاً وتهجيراً أوسع.
وتتقلص مع استمرار هذا التوغل الواسع كميات المياه المتوفرة للشرب، إلى جانب شح المياه اللازمة للاستخدام اليومي لعشرات الآلاف ممن قرروا البقاء في منازلهم أو في مراكز الإيواء، وعدم النزوح إلى مكان آخر، كما باتت مهمة الحصول على المواد الغذائية الأساسية في شمالي القطاع شبه مستحيلة نظراً لتوقف المؤسسات الإغاثية والخيرية عن العمل في ظل عمليات الاستهداف التي تقوم بها قوات الاحتلال.
وتغيب وسط كل ذلك طواقم الدفاع المدني عن العمل بعد أن أجبرها جيش الاحتلال على التوقف عبر التهديدات والاستهدافات، واعتقال كوادرها الذين لا يمتلكون أي مقومات حقيقية للعمل في ظل استمرار العدوان. كما لا تقدم المساعدات لأهالي الشمال.
ووفقاً لتقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا" فإن إجمالي عدد السكان في مناطق شمال غزة يتراوح بين 65 إلى 75 ألف نسمة، وذلك بعد موجة النزوح القسري الواسعة التي فرضها جيش الاحتلال منذ بداية العملية العسكرية، وسياسة التجويع المتعمد التي يفرضها.
بالتوازي مع ذلك، يكرر جيش الاحتلال استهداف مستشفى كمال عدوان، وأصيب مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية، الذي قرر البقاء مع عدد قليل من الكوادر الصحية في المستشفى. ويمنع الاحتلال إدخال الوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات، ويسمح أحياناً بإدخال كميات شحيحة تتيح العمل لفترة زمنية لا تزيد عن خمسة أيام، ما يبقي الكادر الطبي تحت ضغط توفير الخدمة الطبية بأقل الإمكانيات. ومستشفى كمال عدوان هو أحد المراكز القليلة المتبقية للخدمات الطبية في المنطقة، وقد تعرض للاستهداف والقصف والمداهمة من قبل جيش الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023.
يصف الفلسطيني أحمد مسلم المشهد في شمالي غزة بأنه "كارثي" في ظل انعدام الأمان نتيجة استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية، واستمرار الحصار والقصف والتجويع ونقص المياه. ويقول لـ "العربي الجديد"، إنه اختار البقاء في الشمال نظراً لانعدام الخيارات، وعدم وجود مكان آمن في قطاع غزة، في ظل الاستهداف المتواصل لكل المناطق، فضلاً عن رغبته البقاء مع عائلته.
يضيف مسلم: "وين أروح؟ مناطق الجنوب والوسطى ليست أفضل حالاً من مناطق الشمال. أنا هنا في بيتي المدمر ووسط أفراد عائلتي، وعلى الأقل حينما نستشهد سنكون مع بعضنا بعد فترة الصمود الطويلة. أبرز المشكلات التي تواجه أهالي الشمال هي نقص مياه الشرب، وعدم وجود الطعام. تخلى الجميع عنا، وعمليات النزوح تتكرر من مكان إلى آخر كلما اشتد القصف الإسرائيلي على مناطق جباليا وبيت لاهيا".
فقدت الفلسطينية سهيلة عبد العزيز عدداً من أفراد عائلتها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي تعتني بأطفالها في مناطق الشمال، لكنها لا تجد ما يكفي من الطعام. وتقول لـ "العربي الجديد": "هناك نقص كبير في الطعام، مع ارتفاع كبير في الأسعار في وقت لا نملك المال لشراء ما يكفي لإشباع الأطفال الجوعى، ما يضطرنا إلى بعض البدائل الغذائية، مثل المعلبات والعدس. المياه من المشكلات اليومية الكبرى لكل من يعيشون في الشمال، سواء مياه الشرب أو مياه الاستهلاك اليومي، نظراً لشح عربات توزيع المياه، وعمليات الاستهداف والقصف العشوائي التي تقوم بها قوات الاحتلال، ما يجعل الحركة صعبة وخطرة".
وحسب تقديرات في القطاع، فإن أكثر من 3500 فلسطيني استشهدوا منذ بداية العملية العسكرية على شمالي غزة، والتي بدأت في جباليا، ثم توسعت في كل المناطق، وأصيب آلاف آخرون بجراح متفاوتة، فيما نزح عشرات الآلاف قسراً تحت وطأة التهديد بالقتل والاعتقال.
ويزعم جيش الاحتلال منذ بداية العملية العسكرية أن ما يجري ليس تنفيذاً لما يسمى "خطة الجنرالات" التي تستهدف إخلاء شمال غزة، وإنما عملية عسكرية تستهدف تدمير البنية التحتية لحركة حماس، غير أن عمليات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير والتجويع تتسق تماماً مع ما ورد في بنود خطة الجنرالات.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن "الواقع في شمالي القطاع غاية في الصعوبة في ظل عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين". ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "الاحتلال يستخدم كل وسائل القتل في مختلف أنحاء القطاع، وخصوصاً في مناطق الشمال، ومن بينها القصف الجوي والمدفعي، إلى جانب استخدام المسيرات المختلفة، وعلى رأسها الطائرات المعروفة باسم (كواد كابتر)، فضلاً عن التجويع والحصار ومنع إدخال المساعدات الغذائية أو السلع الأساسية".
ويشير الثوابتة إلى أن "حجم المعاناة كارثي في مقابل حالة الصمت الدولي، وعدم الضغط على الاحتلال لإدخال الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في ظل استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي، ومن بين المشكلات الأبرز نقص الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات والعيادات المتبقية في قطاع غزة، حيث تعاني غالبية المرافق الصحية من أزمة وقود تهدد استمرار عملها، وتجعل من توقفها أمراً متوقعا، ومن بينها مستشفى كمال عدوان في الشمال، وغيرها من مستشفيات القطاع".
ويبين أن "الواقع المعيشي في الشمال شديد القسوة، وسط غياب طواقم الدفاع المدني، وتكرار عمليات الاستهداف التي طاولت هذه الطواقم، وكذلك استهداف الطواقم الطبية، كما هو الحال مع مستشفى كمال عدوان، وتكررت مطالباتنا بالضغط على الاحتلال لإدخال الوقود اللازم لاستمرار تشغيل المستشفيات في ظل استمرار الحرب، وكذلك الضغط لإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ الفلسطينيين من الأوضاع الصحية والغذائية الصعبة التي يعيشونها نتيجة لسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال".