صباح السادس من سبتمبر/أيلول، علم سكان جنين بنبأ هروب ستة معتقلين من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة. بالنسبة إلى الفلسطينيين، تشكل هذه العملية غير المسبوقة "انتصاراً حقيقياً"، رغم إعادة اعتقال أربعة من الأسرى الفارين.
بين الأسرى الفارين، زكريا الزبيدي، القيادي في "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة فتح، والذي ذاع صيته خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية "2000- 2005"، وهو من جنين، ويقول عمه أبو أنطوان إنه ما إن علم بنبأ الفرار حتى أمل أن يبقى ابن شقيقه "حرّا إلى الأبد".
وكان مع الزبيدي خمسة فلسطينيين آخرون ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي. فرّ الستة عبر فتحة أحدثوها أسفل مغسلة زنزانتهم التي حفروا نفقا انطلاقا منها، في عملية تشبه سيناريوهات أفلام هوليوود.
لطالما كانت جنين، الواقعة في شمال الضفة الغربية، نقطة حساسة تسبّبت باشتعال الوضع مرات عدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتخلى الزبيدي الذي اصطدم مراراً بالسلطات الإسرائيلية، وحتى الفلسطينية، عن سلاحه في عام 2007، مقابل إزالة اسمه من قائمة المطلوبين لدى الاحتلال، لكنه اعتقل مجددا في عام 2019.
ويقول أبو أنطوان: "تشبعنا بالأمل في الساعة التي تلت النبأ. قلنا لأنفسنا، إذا لم يتم اعتقاله بعد، فربما سيبقى حرا إلى الأبد". بعد هروبهم الذي أحرج إسرائيل ومؤسستها الأمنية، انشغل الشارع الفلسطيني بالتكهن بمكان اختباء الزبيدي ورفاقه.
رجّح فلسطينيون أن تكون المجموعة قد وصلت إلى سورية أو الأردن المجاورين، فيكتمل سيناريو "الانتصار"، بينما جنّدت إسرائيل جميع أجهزتها الأمنية في مطاردة الأسرى الفارين، وأوقفت، ليل الجمعة، اثنين منهم، هما محمود عبد الله العارضة ويعقوب قادري، في مدينة الناصرة، ثم أوقفت زكريا الزبيدي ومحمد العارضة في اليوم التالي، وتواصل حتى اليوم البحث عن الأسيرين الباقيين.
إلى جانب ملصقات صور "شهداء" الانتفاضة الممزقة والباهتة المنتشرة على الجدران الأسمنتية في جنين، أضيفت ملصقات جديدة تشيد بـ"الأبطال" الذين هربوا من جلبوع.
والفارون الستة متهمون في إسرائيل بالتخطيط أو بتنفيذ هجمات، وبالنسبة إلى أبو أنطوان، فإن "الهروب يبقى انتصارا للفلسطينيين"، ولو أن إعادة اعتقالهم جعلت هذا النصر "غير مكتمل"، مشيرا إلى أنه سبق لجد الزبيدي أن هرب من سجن شطة الإسرائيلي في عام 1958، وهو أحد السجون المغلقة حاليا.
بعد نشر إسرائيل صور اعتقال الزبيدي مكبل اليدين وقد بدت عليه مظاهر التعب، نشر الفلسطينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورا معدلة تظهره مبتسما. ويفخر أحمد (20 سنة) بالمعتقلين الفلسطينيين "الذين غلبوا الجيش الأكثر قوة في الشرق الأوسط"، داعيا إلى "الصمود من أجل إبقاء هذا الشعور" بعد الاعتقالات.
وتبث فضائية "فلسطين اليوم" المقرّبة من حركة الجهاد الإسلامي بشكل متواصل تحية تقدير للهاربين، تركز فيها على عضو المجموعة محمود عبد الله العارضة، الذي قضى 25 عاما في المعتقل، وينظر إليه على أنه العقل المدبر لعملية الهروب من السجن.
في منزل عائلته في قرية عرابة، تعلّق عائلة العارضة صورة كبيرة لابنها على أحد الجدران. كانت والدة محمود متسمرة تتابع الأخبار خلال فترة الفرار، وتقول: "رقصت فرحا عندما علمت بهروبه. كنت آمل أن يأتي، ويفتح باب منزلنا".
أما شقيقه محمد، فيروي أن أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية اتصل به أثناء فرار محمود. "قال لي إذا عاد محمود إلى المنزل، فليقبّل والدته ثم اتصل بنا لنعتقله". ويقول إنه ردّ على الضابط: "لا، لن أتصل بك".
واعتقل محمود في مدينة الناصرة بعد أن طاردته مروحية إسرائيلية. ويقول شقيقه: "لم أصدّق ذلك. لكن بعدها تذكرت أنه على الأقل لا يزال على قيد الحياة. يكفي أنه تذوّق خمسة أيام من الحرية تعادل 50 عاما في السجون".
(فرانس برس)