شرطة غائبة... استفحال الجرائم في الداخل الفلسطيني

11 سبتمبر 2022
تغض الشرطة الإسرائيلية النظر عن عصابات الداخل الفلسطيني (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تتفشى الجرائم العنيفة في مناطق وبلدات الداخل الفلسطيني من دون أي رادع حقيقي، ومنذ بداية العام الحالي، سقط 75 قتيلاً، من بينهم 9 سيدات، فضلاً عن عدد كبير من الإصابات.

تطاول الجرائم النساء والشباب والرجال في الداخل الفلسطيني، فليس هناك خطوط حمراء لدى العصابات المنظمة التي تستبيح الدماء لأسباب مختلفة، كما أن هناك ضحايا تم إطلاق الرصاص عليهم في الحيز العام، مثل الطفل عمار حجيرات (4 سنوات)، من قرية بئر المكسور، والذي قتل في يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال وجوده في حديقة للأطفال.
يؤكد الجميع تقاعس الشرطة الإسرائيلية، ويقول مدير المركز العربي لمجتمع آمن "أمان"، المحامي رضا جابر: "لا شك في أن جرائم العنف مرتبطة بشكل كبير بنظام الدولة التي تهدف سياستها إلى بقاء هذه الحالة داخل المجتمع الفلسطيني من دون محاولة جدية لعلاج الأسباب الجذرية التي أسست الجريمة. مرت سنة ونصف على تشكيل حكومة أقرت برنامجاً لمناهضة الجريمة، والحكومات المتعاقبة تحدثت عن ذلك، والنتائج هي مزيد من الضحايا، وإجرام دون رادع أو مساءلة".
يضيف جابر: "الجهاز الحكومي التنفيذي يتعامل مع الحالة بشكل انتقائي حسب الغضب الجماهيري، ولكنه لا يشتبك مع المسببات، ولا مع عناصر الإجرام بشكل مباشر، والمهم هو عدم التأثير على المجتمع اليهودي. في المقابل، الحالة المجتمعية لفلسطينيي الداخل تشكل تربة خصبة لاستشراء الجريمة بسبب ضعف التكافل الاجتماعي، والفشل القيادي في التنظيم، وانعدام الأطر الجدية لحل النزاعات، والاعتماد التام على مؤسسات الدولة".
وتابع: "الأزمة المحورية اقتصادية، لأن الجريمة تحولت خلال السنوات الأخيرة من جريمة جنوح على أساس المخدرات أو السرقة إلى جريمة ذات أبعاد اقتصادية. هناك اقتصاد جريمة يتطور، ويسيطر على الاقتصاد الطبيعي، وهناك من يستفيد من هذه الحالة، ويحرص على استمرارها. تتغلغل الجريمة في المصالح التجارية، وفي البلديات، ولذلك فإنها تتطور، وقوة ونفوذ العصابات داخل المجتمع في ازدياد، لأن كثيرين يمارسونها في ظل انعدام البدائل، أو المكاسب السريعة التي يوفرها اقتصاد الجريمة. كل ذلك يتزامن مع غياب أجهزة الدولة عن أي فعل مجتمعي عميق لمواجهة مكامن الضعف، أو مكافحة هذه الظاهرة".

68 قتيلاً في الداخل الفلسطيني برصاص الشرطة الإسرائيلية منذ عام 2000

بلغ عدد ضحايا الجرائم العنيفة في الداخل الفلسطيني منذ عام 2000 نحو 1682 قتيلاً، من بينهم 68 برصاص الشرطة الإسرائيلية، ويعود ذلك بالأساس إلى انتشار السلاح بين عصابات الإجرام، ووفق تقرير لمراقب الدولة، فإن ذلك السلاح يتم الحصول عليه على الأغلب من الجيش الإسرائيلي.

كان الشاب سائد زيد (25 سنة) أحد ضحايا الجريمة في بلدة كفر قرع، إذ قتل في 17 أغسطس/ آب الماضي، بعد إطلاق الرصاص عليه حين كان يقود سيارته. يقول والده عبد المنعم زيد: " سائد كان ابني البكر، وكان يعمل معي في شركة المقاولات، وتزوج في شهر يونيو/ حزيران الماضي. حتى اليوم، لا نعرف سبب قتل ابني، إذ لم تكن عليه ديون، وليست له علاقة بأي شيء جنائي. حتى الشرطة قالت ذلك بعد الحادثة. حضروا إلى بيتي مرة واحدة، وذهبت لإعطاء إفادة في مقر الشرطة مرة ثانية، والملف ما زال قيد التحقيق. الشرطة تقف وراء كل أحداث القتل في المجتمع العربي، وقد رفعنا ملفنا إلى رب العالمين ليأخذ لنا حق ابننا".
ويضيف: "الناس يخافون فتح نوافذ بيوتهم في البلدة. نسبة الشعور بالأمان صفر، ولا ثقة لدينا بشرطة إسرائيل. لو كان الذي قتل يهودياً لكانت الشرطة قبضت على الجاني خلال ساعتين، لكن سائد ابني عربي. من أين يحصل المجرمون على الأسلحة، واضح أنها من الجيش، كأنهم يريدون أن يقتل العرب بعضهم البعض. بعد مقتل ابني بثلاثة أيام، كان هناك 150 شرطياً يرافقون جرافة تقوم بهدم بيت لمواطن عربي في البلدة. تظهر الشرطة فقط عندما تريد".

وحول مدى انتشار العنف والجريمة داخل المجتمع الفلسطيني، وسهولة الحصول على السلاح، يقول رئيس لجنة المتابعة العربية محمد بركة: "المتورطون في قضايا العنف داخل مجتمع الداخل الفلسطيني هم نفس النسبة الموجودة في أي مجتمع آخر. نعرفهم جيداً في كل قرية ومدينة، وعددهم لا يتجاوز 1 في المائة من أفراد المجتمع. لكن انتشار العنف والجرائم يحدث بهذا الشكل المفزع لأن هؤلاء المجرمين يحظون بحصانة المؤسسة الإسرائيلية. يكفي أن نقارن ما يحدث عندنا بما يحدث في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة. نحن نفس الشعب، ونؤمن بنفس العقائد، لكن نسبة العنف والجريمة عندنا تقارب 7 إلى 8 أضعاف ما هو موجود عند بقية  أبناء شعبنا في المناطق الأخرى. هل الشرطة الفلسطينية أقدر من الشرطة الإسرائيلية على كشف الجرائم وتقديم المجرمين إلى العقاب؟ لا. ليس هذا هو الموضوع".
وحذر بركة من أن "هناك مشروعاً سياسياً لدى إسرائيل لإغراق المجتمع العربي الفلسطيني في العنف والجريمة، فهناك مصلحة سياسية عليا، وقد يبدو الأمر مسكوناً بعقلية المؤامرة، ولكن هذا ما يحدث. إسرائيل التي تدعي أنها تعرف دبيب النمل في طهران، لا يمكن لعاقل أن يوافق على أن شرطتها عاجزة عن مكافحة الجرائم. عصابات الإجرام معروفة جيداً لدى المؤسسة، وسلاح الجريمة أساساً مصدره الجيش الإسرائيلي حسب تقرير مراقب الدولة، والذي قال إن أكثر من 70 في المائة من هذا السلاح يأتي من الجيش، ووفق تصريح لوزير الأمن الداخلي السابق جلعاد أردان فإن 90 في المائة من سلاح الجريمة مصدره الجيش".

وأضاف: "يهدف مشروع المؤسسة الإسرائيلية إلى أن ينصرف الفلسطيني في الداخل عن قضاياه الأساسية، ويصبح سقف طموحه هو الأمن. أن يخرج من البيت سالماً، وأن يعود سالماً. هذا أمر غاية في الخطورة. نشهد في الآونة الأخيرة إعلانات مكثفة تعرض الهجرة على أصحاب المهن والأكاديميين، وتعرض عليهم ترتيب أمورهم خارج البلاد. تريد إسرائيل الدفع بالنخب المهنية والأكاديمية إلى هجرة الوطن، بحيث لا تستطيع أن تطور اقتصاداً، ولا تستطيع أن تعيش وتتعايش، وكل هذا يبرز في الفترة الأخيرة".

الصورة
تهتم الشرطة الإسرائيلية فقط بالجرائم في المجتمع اليهودي (جاك جويز/فرانس برس)
تهتم الشرطة الإسرائيلية فقط بمكافحة الجرائم في المجتمع اليهودي (جاك جويز/فرانس برس)

وأوضح بركة: "يبدو مشروع نشر العنف والجريمة مقدمة لما يسمى بـ(الترانسفير الطوعي) الذي كنا نتضاحك عليه سابقاً، يريدون أن يجعلوا حياتنا في وطننا جهنماً كي نبحث عن حياة في أماكن أخرى، لكن شعبنا رغم كل المحن عازم على التمسك بحقوقه، وبأرضه وانتمائه، وفي نفس الوقت عازم على مكافحة الجريمة. لجنة المتابعة العليا وضعت بالتعاون مع السلطات المحلية برنامجاً استراتيجياً يجري العمل على تنفيذه. لكن نجاح هذا المشروع يحتاج إلى أن يحظى بدعم، ولو محدوداً، من المؤسسة. لم تعد قضية مدنية بين المواطن والدولة، إنما مشروع سياسي في غاية الخطورة".
ونتيجة الواقع الأليم الذي يعاني منه المجتمع الفلسطيني بالداخل، تأسست في بداية العام الحالي "لجنة إفشاء السلام القطرية"، والتي يقف على رأسها الشيخ رائد صلاح، وتعمل على مبادرات الصلح.
ويقول سكرتير لجنة إفشاء السلام القطرية، توفيق جبارين: "لا شك في أن المسؤولية تقع على عاتق من يملك قوة إنفاذ القانون، لكنه لا يفعل ذلك. مجتمعنا في العموم مسالم، ويريد العيش بأمان، لكن هناك فئة قليلة ضلت الطرق إلى الجريمة، وفي نفس الوقت أتاحت لها المؤسسة الحصول على السلاح بسهولة عبر عدم إنفاذ القانون بشكل صارم، وهذا يفاقم ما نراه من مشاهد العنف في مجتمعنا".
يضيف جبارين: "نحن على يقين بأن سلطات إنفاذ القانون لو أرادت القضاء على الجريمة والعنف لتمكنت من ذلك خلال فترة وجيزة كما فعلت سابقاً في مدينة نتنانيا، وفي كريات شمونة. ما ينقص لفعل ذلك هو قرار رسمي، وهو على ما يبدو لم يُتخذ بعد. نظمنا خلال الأشهر الماضية لجان إصلاح في 90 في المائة من البلدات العربية، وكانت هناك لجان بالفعل في عدد منها، ونعمل عبر محورين؛ الأول التوعية والتثقيف، والمحور الثاني هي لجان الإصلاح التي تحاول أن تحد من العنف القائم، ونعول على نجاح مسيرتنا، وبمساعدة مجتمعنا سننجح معاً".

المساهمون