شجرة السدر... بركة المزارعين والمواطنين العراقيين وسط الجفاف

18 ابريل 2024
لشجرة السدر قدرة كبيرة على النمو والإنتاج رغم الجفاف (أسعد نيازي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في العراق، يتجه السكان نحو زراعة أشجار السدر لتحملها الظروف القاسية واحتياجها لمياه قليلة، مما يحول الأراضي المهجورة إلى منتجة ويعزز الاقتصاد والبيئة.
- أشجار السدر تساهم في صناعة العسل عالي الجودة وتقدم فوائد صحية، مما يشجع على زيادة زراعتها لدعم الاقتصاد المحلي وتحسين النظام البيئي.
- تعتبر شجرة السدر جزءًا من التراث العراقي ورمزًا للبركة، حيث توفر حلًا مستدامًا لمواجهة التحديات البيئية مثل التصحر والجفاف، وتعد استثمارًا قيمًا للمستقبل.

مع ارتفاع نسبة الجفاف في البلاد، يُقبل العراقيون على زراعة أشجار السدر التي تحتاج إلى نسبة قليلة من المياه، عدا فوائدها الكثيرة وعوائدها الاقتصادية.

تكتسب أشجار السدر أهمية كبيرة في العراق، ويحرص المواطنون على زراعتها في حدائق المنازل والمزارع، لامتلاكها ميزات يندر وجودها في أشجار أخرى، لا سيما قدرتها الكبيرة على النمو في الظروف البيئية الصعبة، وأبرزها الجفاف، إلى جانب فوائدها المتعددة الأخرى وعوائدها الاقتصادية.
ويشجع مزارعون ومربو النحل وبيئيون على زراعة هذه الشجرة في مختلف المدن العراقية، في ظل الجفاف الذي تعاني منه البلاد، لما لهذه الشجرة من قدرة كبيرة على النمو والإنتاج بالاعتماد على كميات مياه قليلة. خلال خمسة أعوام فقط، تحولت مساحة زراعية تبلغ 100 ألف متر، هُجرت لأكثر من 11 سنة، إلى أرض منتجة وتدر ربحاً جيداً بعد زراعتها بأشجار السدر، كما يقول لـ "العربي الجديد" المهندس الزراعي نبيل راضي، المشرف على هذه المساحة الزراعية.
هذه الأرض التي تقع في محافظة ديالى شرقي البلاد، كانت تزرع بمحاصيل زراعية فصلية مختلفة لعقود طويلة، لكن شح المياه وفقدان الخطط التي تحمي المنتج الزراعي المحلي من غزو مثيله المستورد أديا إلى تحولها لأرض مهجورة. ويوضح راضي أنه يشرف على عدد من المزارع التي وضع لها خطط إعادة تأهيل تماشياً مع شح المياه، لافتاً إلى أن هذه المشاريع تعتمد على زراعة أصناف من الأشجار الملائمة للبيئة الجافة وتكون ذات مردود مالي كبير، ومن بينها مزارع أشجار السدر.
شجرة السدر التي تشتهر في العراق باسم النبق يلقي عليها العراقيون صفة القدسية، كونها من الأشجار التي ذُكرت في القرآن الكريم. ويقول كريم حنظل، الذي يملك مزرعة أشجار فاكهة تضم أصنافاً عدة، من بينها أشجار السدر، إنه "يجب على من لديه مساحة من الأرض، وإن كانت حديقة منزلية، أن يزرع سدرة. يكفي أن الله ذكرها في عدة مواضع بالقرآن الكريم ومنها قوله: عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى. هذا دليل على عظمتها". 
يتابع حنظل في حديثه لـ "العربي الجديد" أن من أهم مميزات هذه الشجرة أنها صلبة وقوية النمو وتثمر بعد عامين من زراعتها، وتتحمل الظروف القاسية والجافة. ويؤكد حنظل الذي يصف نفسه بخبير شجرة السدر، أن هذه الشجرة تشمل أنواعاً عديدة، لافتاً إلى أن العراق يزرع أفضل هذه الأصناف. ويقول إنه فضلاً عما تنتجه الشجرة من ثمار، تحمل أوراق السدر خصائص علاجية، وتتمتع بقدرة عالية على مقاومة الآفات والأمراض، بالإضافة إلى فوائدها البيئية، وهو ما يزيد من الرغبة بزراعتها، مؤكداً أن المزارعين العراقيين لم يكونوا في السابق يولون أهمية لزراعة هذه الشجرة التي كانت غالباً ما تنبت بشكل تلقائي في المزارع.

لا يمكن إغفال قيمة العسل الذي ينتجه النحل من التغذية على السدر، ويعدّ من أفضل أنواع العسل لناحية القيمة الغذائية والخصائص العلاجية، وهو ما جعل مشاريع زراعة السدر تزداد في العراق. ويقول  أحد مربي النحل في العراق،
عامر المندلاوي، لـ "العربي الجديد"، إن النحالين العراقيين بشكل عام على تواصل مع المزارعين وينصحون دائماً بالزراعة والتشجير، وخصوصاً أشجار السدر، لما لها من فوائد كبيرة للبلد والمجتمع بشكل عام، فضلاً عن أنها تساعد في نجاح تربية النحل.
يشير المندلاوي إلى أنه بالإضافة إلى عمله في تربية النحل، فهو شريك في بستان كبير لأشجار الفاكهة في محافظة بابل (وسط)، موضحاً أن "البستان يحتوي على أكثر من مائة شجرة سدر، ونحو ثلاثة آلاف من أشجار النخيل وفاكهة مختلفة توفر مصدر تغذية جيداً للنحل". يضيف: "اليوم، هناك وعي كبير بين المزارعين في استغلال المساحات لزراعة أنواع من الأشجار والنباتات التي تعطي أكثر من فائدة. وهذا كان وراءه تشجيع وتثقيف من متخصصين بيئيين ومهندسين زراعيين ومربي النحل، فبرزت هنا زراعة أشجار السدر".
يتابع: "أصبح المزارعون يزيدون من زراعة شجرة السدر. فبالإضافة إلى ما توفره هذه الشجرة من دخل مالي من خلال بيع ثمارها مع عدم إيلائها الاهتمام الكبير، فهي شجعتهم لتكون مصدر دخل آخر من خلال تربية النحل الذي يتغذى عليها ويعتبر عسل السدر من أرقى أنواع العسل وأكثرها فائدة".

وشجرة السدر ذات خصوصية لدى العراقيين، وتتواجد في الشوارع والجزرات الوسطية والحدائق العامة والمنزلية. وفي الموروث المحلي، يزيد وجودها في حديقة المنزل من البركة والرزق الإلهي. ويقول الباحث وصاحب مؤلفات تتعلق بالتراث العراقي شاكر الحديثي، لـ "العربي الجديد": "شجرة السدر في الذاكرة الشعبية العراقية لها ارتباط بالقدسية، ولهذا تتعدد استخداماتها". يضيف: "بالعودة إلى أكثر من أربعة عقود، نجد أن كل شيء في شجرة السدر كان يستخدم في العراق، حتى نوى ثمره كانوا يحولونه إلى مسبحات للتسبيح للاعتقاد ببركة هذه الشجرة، وكانت تستخلص من أوراقها الزيوت وتغلى أوراقها أو تحرق للاستخدام في المعطرات والمنظفات والغسول والصابون وعلاجات مختلف، منها تلك الروحية". ويرى الحديثي أن "خصوصية هذه الشجرة وزيادة المعرفة وانتشار مفهوم وأثر الثقافة البيئية، دفعت العراقيين إلى زراعتها بشكل أكبر، مع الإشارة إلى فوائدها الغذائية العديدة".
تقول شمم رائد (26 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنها تعلقت بشجرة السدر منذ أكثر من خمسة أعوام حين زرع والدها شجرتي سدر في حديقة المنزل، وأثمرتا في خلال ثلاثة أعوام وأصبحت هذه الثمار فاكهتها المفضلة. وتشير إلى "أهمية وضرورة أن ينشر الجميع ثقافة زراعة أشجار السدر لأهميتها وفوائدها العديدة، وخصوصاً وجود مخاطر كبيرة جراء التصحر والجفاف. فهذه الشجرة تنمو وتقاوم درجات الحرارة العالية والجفاف وتكتفي بكميات قليلة جداً من الماء". تضيف أن "هذه الشجرة تحافظ على تماسك التربة وتولد كميات كبيرة من الأكسجين وتخفف من درجات الحرارة، كما أن ثمارها لذيذة ويمكن استغلالها لتكون مصدر دخل". 

المساهمون