استمع إلى الملخص
- يعاني الفلسطينيون من سياسة تجويع ممنهجة بسبب عرقلة إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية، مما يزيد من معاناة النازحين خاصة مع انهيار النظام الصحي في غزة.
- اضطر عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع إلى النزوح قسراً، حيث يعيشون في ظروف إنسانية صعبة وانتشار الأمراض، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
داخل خيام مهترئة لا تقي البرد ولا تحجب المطر، وتحت سماء تعج بطائرات حربية واستطلاع إسرائيلية، يعيش النازحون الفلسطينيون المهجرون قسراً من شمال قطاع غزة ظروفاً قاسية، في ظل استمرار الإبادة الجماعية منذ 14 شهراً.
وداخل الخيام المصنوعة من القماش والنايلون، يجلس الأطفال يرتجفون من البرد بلا ملابس تقيهم أو مأوى يحميهم من الأمطار والهواء البارد مع حلول الشتاء.
وفي مشهد مؤلم، ينظر الآباء والأمهات إليهم بقلوب يعتصرها الألم، عاجزين عن تقديم أكثر من حضن دافئ يخفف قليلاً من قسوة الواقع المرير الذي فرضته الإبادة التي ترتكبها إسرائيل.
وفي مكان نزوح أجبروا عليه، يفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، والذي كان ملعباً لكرة القدم، يملأ صياح الأطفال الأرجاء ممزوجاً بأنين الجرحى، ولا يغيب صوت الرياح المتداخل مع أزيز الطائرات التي لا تفارق السماء. ويواجه النازحون، من بينهم مرضى وكبار سن وأطفال يومياً، تحديات يومية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، من ماء وغذاء ودواء، وسط شح حاد في الموارد.
تجويع ممنهج
ويعاني الفلسطينيون في غزة سياسة تجويع ممنهجة جراء شح في المواد الغذائية بسبب عرقلة إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بحسب تأكيدات مؤسسات أممية ودولية عديدة. وانخفاض درجات الحرارة والأمطار يزيد معاناة النازحين، ما يعرض الأطفال وكبار السن للأمراض في ظل انهيار النظام الصحي ونقص الأدوية بغزة.
ولم تسلم المستشفيات والطواقم الطبية من الإبادة الإسرائيلية في غزة، ما أدى إلى انهيار القطاع الصحي وعجزه عن رعاية الجرحى والمرضى.
وأمام خيمته المهترئة، يجلس المصاب عماد صبح (في الأربعينات من عمره) وعلامات الإرهاق والحزن تملأ وجهه، فهو أحد النازحين من شمال قطاع غزة، الذي يشهد عمليات إبادة وتطهير عرقي منذ 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
تحت القصف
صبح نزح مع عائلته قبل أسابيع من بلدة بيت لاهيا تحت وطأة القصف الإسرائيلي، ليجد نفسه بخيمة لا تقيه برد الشتاء ولا تحميه من الأمطار، وسط ظروف معيشية قاسية في مدينة غزة داخل ملعب كرة قدم. وقال صبح: "البرد أرهقنا، أتمنى أن يساعدونا بخيمة مناسبة، الظروف صعبة للغاية، لقد يأسنا من الحياة". أضاف: "حياتنا أصبحت بائسة، نعيش بخيام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وحتى الملابس لا تكفينا".
وناشد صبح العالم قائلاً: "أنظروا إلى حالنا، أوقفوا هذه الحرب، نحن نعاني من نقص شديد بالطعام والماء والدواء، ولا أحد يهتم بمعاناتنا".
وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي شمال قطاع غزة. ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقة عازلة بعد تهجيرهم منها تحت وطأة قصف دموي ومنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وإثر تلك العملية، اضطر عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع إلى النزوح قسراً تجاه مدينة غزة، حيث أقام معظمهم في خيام ومراكز إيواء.
ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للنازحين بحمل أمتعتهم أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية بالصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني.
معاناة بلا مأوى
ويعد صبح من المحظوظين بتوفير خيمة لإيوائه، على عكس الفلسطينية منال أبو ربيع، التي نزحت قسراً من بلدة بيت لاهيا، حيث تعيش بالعراء، مفترشة الأرض تحت سماء مكشوفة، من دون أي غطاء أو مأوى. وتقول أبو ربيع: "خرجنا تحت القصف من مدارس كانت تأوينا من بيت لاهيا، ولا أحد يلتفت إلينا، ولا نملك فراشا ولا طعاماً ولا شراباً". تضيف: "ننام على الأرض بلا فرش أو خيام، نتمنى الحصول على خيمة تقينا وتستر حالنا". وتوضح أنها تجلس مع أطفالها في أحد الشوارع من دون أي مقومات للحياة، وسط انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار بين الحين والآخر".
ومنذ أسابيع، يشهد قطاع غزة انخفاضاً بدرجات الحرارة وهطول أمطار، ما فاقم معاناة النازحين الذين غادروا منازلهم قسرا بحثا عن الأمان. ويضطر الفلسطينيون خلال نزوحهم إلى اللجوء للمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، والبعض يقيم خياماً في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، ووسط انتشار الأمراض.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية مليوني شخص. وترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من151 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
(الأناضول)