مع اشتداد موجات البرد في المغرب، تهدد حوادث الموت اختناقاً بسبب سوء استخدام وسائل التدفئة المختلفة أو عدم تطابقها مع المعايير المطلوبة للجودة، حياة مئات من العائلات، خصوصاً في مناطق جبال الأطلس.
وشهدت الأعوام الأخيرة انقلاب بحث أهالٍ كُثر عن الدفء إلى مآس لا تخطر على بال، وصولاً إلى حد الوفاة. وكان الشاب الثلاثيني محمد احزرير المتحدر من منطقة القصيبة قرب مدينة بني ملال (وسط) نجا من موت محقق قبل سنتين حين استنشق غاز أحادي أكسيد الكربون لدى تسرّبه من موقد شعبي يعرف باسم "مجمر" استخدمه لتدفئة غرفته.
ويقول احزرير الذي تتشابه فصول قصته مع تلك التي تخص حوالى 1500 مواطن يتعرضون سنوياً لحوادث اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون الذي ينبعث من وسائل تدفئة بالغاز وأخرى تقليدية تستخدم الحطب، لـ"العربي الجديد ": "من حسن حظي أنّ والدي وجدني في حال إغماء لدى عودته إلى البيت، ونقلني إلى المستشفى حيث أدخلت إلى غرفة الإنعاش بالأكسجين في الوقت المناسب".
ويحدد خطورة غاز أحادي أكسيد الكربون باستحالة التفطن لوجوده باعتباره بلا لون ولا رائحة، علماً أن أعراض التسمم به تتمثل في الصداع والدوار والشعور بالنوم والتقيؤ، كما يمكن أن يتأزم وضع مستنشقه إلى الشعور بضيق في التنفس وخلل في وظائف الجهاز العصبي والقلب وفقدان للوعي، ما قد يؤدي إلى موت سريع.
وعموماً، يستعمل المغربيون الفحم الحجري أو "الفاخر" بالعامية لمحاربة البرد الذي يفتك بالأبدان خلال أيام البرد والصقيع، ويضعونه في "مجمر" أو "كانون" يجتمع حوله أفراد الأسرة.
ويتحدث أحمد العقاوي الذي يحمل صفة "فاعل جمعوي" يتولى توجيه عملية الاحتكاك بين أفراد المجتمع المغربي، لـ"العربي الجديد" عن أنّ انخفاض درجات الحرارة يدفع الأهالي خصوصاً في المناطق الجبلية حيث تشتد قساوة الطقس البارد، إلى استخدام وسائل تدفئة تقليدية وتجهيزات غاز لا تخلو من مخاطر، وتتسبب في إزهاق أرواح بتأثير حوادث تسرب غاز أكسيد الكربون الذى يصفه أطباء بأنه قاتل صامت". ويوضح أنّ "أهالي منطقة جبل الأطلس يستخدمون، من أجل توفير بديل رخيص للطاقة، حطب الكروش الأخضر، وهو نوع من الحطب يتميز بأن اشتعاله يستغرق مدة طويلة، ويوفر تدفئة كبيرة بكلفة أرخص من وسائل أخرى". ويشير إلى أنّه يكثر استعمال هذا النوع من الفحم النباتي إلى جانب الغاز في التدفئة، خصوصاً داخل المنازل، لكنّه قد يؤدي إلى حصول حالات اختناق، وربما وفيات.
وتكشف إحصاءات المركز المغربي لمحاربة التسمم عن أنّ حوادث الاختناق بالغاز تتركز في مناطق مكناس تافيلالت وطنجة تطوان وتادلة أزيلال التي يستعين أهاليها بأجهزة تدفئة تقليدية وأخرى عصرية لمقاومة برودة الطقس، حيث تتراوح درجات الحرارة أحياناً بين صفر درجة مئوية وناقص 10 درجات مئوية.
ويشرح رئيس هيئة حماية المستهلك في المغرب، بوعزة الخراطي، لـ"العربي الجديد" أنّ "إغلاق المواطنين كلّ منافذ التهوية لإدخال الأوكسجين إلى المنازل يفرز غاز أحادي أكسيد الكربون نتيجة الاحتراق غير الكامل، ويتسبب في حوادث تسمم قد تقود إلى الوفاة". يضيف: "رغم أنّ وسائل التدفئة ضرورية لحصول الأهالي على الدفء خلال فصل الشتاء البارد في المناطق الجبلية، لكن بعضها أصبح مصدراً للخوف والهلع من حصول اختناقات، خصوصاً في ارتفاع عدد الحوادث السنوية لأجهزتها سنوياً، والذي يرتبط أيضاً بتهاون الناس في اختيار نوعيتها الجيدة من الباعة، ما قد يحوّلها إلى قنابل موقوتة تهدد حياة الناس".
ويقول عمر العمراني، التقني المتخصص في إصلاح آلات التدفئة وتسخين المياه، لـ"العربي الجديد": "يجب أن يحذر المغربيون من أجهزة التدفئة المنخفضة السعر، والتي تستورد غالباً من الصين، لأنّها تفتقر إلى المعايير الدولية للوقاية والسلامة، ما يتسبب في حصول كوارث ومآس إنسانية كبيرة". ويشير إلى أن تجهيزات التدفئة التي يقبل الناس عليها خلال فصل الشتاء، يجب أن تخضع لمراقبة صارمة قبل إدخالها إلى الأسواق المغربية، بسبب مخاطرها على صحة المستهلكين.
وأخيراً، أصدرت الحكومة المغربية مجموعة تدابير استباقية لمواجهة البرد وتساقط الثلوج خصوصاً في القرى والمناطق الجبلية، أبرزها توزيع حطب تدفئة لمؤسسات التعليم والمراكز الصحية. وطالبت بأنّ تلعب الأمهات اللواتي يتواجدن في المناطق المستهدفة دوراً في دعم المخطط الوطني الموضوع لتخفيف آثار موجات البرد. ودعت إلى إنشاء مستشفيات ميدانية تابعة للقوات المسلحة الملكية، ومستشفيات متنقلة تابعة لوزارة الصحة، تخصص مواد غذائية وأغطية للمحتاجين.
إلى ذلك، صنفت السلطات المناطق المهددة بالعزل لمدة أكثر من 7 أيام بسبب موجات البرد والصقيع، بأنّها في المستوى الأحمر، وأوضحت أنها تضم 250 ألف شخص، والمناطق المعرضة لمخاطر مواجهة العزل بين 4 و7 أيام في المستوى البرتقالي، وتضم 330 ألف شخص، والمناطق المهددة بالعزل لمدة تتراوح بين يومين وثلاثة أيام والتي تضم 220 ألف شخص في المستوى الأصفر.
لكن حقوقيين يدقون ناقوس الخطر، ويؤكدون أن "الدولة أصبحت ملزمة أكثر من أي وقت بالتدخل لمعالجة تهاون مراقبي أجهزتها في تحديد مخاطر وسائل التدفئة المحلية أو تلك المستوردة على العائلات التي يقضي أفرادها في رمشة عين".