شاطئ غزة وجهة للنزوح لا للاستجمام هرباً من أهوال الحرب

29 اغسطس 2024
خيام النازحين على الشاطئ في خانيونس، 9 يوليو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

على شاطئ غزة وسط في القطاع وجنوبه، تنتشر آلاف الخيام المهترئة المصنوعة من القماش والنايلون بشكل غير منظّم، حيث تؤوي نازحين أُجبروا على مغادرة منازلهم قسراً بفعل أوامر الإخلاء الإسرائيلية، في ظل حرب متواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولم يعد شاطئ البحر للاستجمام في فصل الصيف كما هو معروف في كل مكان بالعالم، بل تحوّل إلى ملجأ للغزيين الفارين من أهوال الحرب وما خلفته من دمار وقتل.

شاطئ غزة... ملاذ الفارين

وعلى طول شاطئ البحر، من مخيم النصيرات (وسط) وحتى مدينة خانيونس (جنوب)، يفترش الأطفال والأهالي الأرض خارج خيامهم التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، حيث لا تتوافر وسائل تهوية، وترتفع درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية.

وارتفعت أعداد النازحين على شاطئ غزة بعد الأوامر الجديدة بالإخلاء التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لمناطق شرقي مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة الأسابيع الماضية. والاثنين، أعلنت بلدية دير البلح وسط قطاع غزة، حصول تهجير قسري لنحو 250 ألف مواطن فلسطيني وخروج 25 مركز إيواء عن الخدمة وعدد من المنشآت الخدمية الإنسانية، تحت وطأة قرارات الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة.

وفي هذا المكان المكتظ بالنازحين، تجد من ينشغل بغسل الأواني، وآخر بغسل الملابس، بينما يتجه البعض لجمع الحطب والورق لإشعال النيران، وآخرون يسعون للعثور على مياه صالحة للشرب.

معاناة مستمرة

وأمام الخيام المنتشرة، تتراكم النفايات في كل مكان، في ظل عجز البلديات عن جمعها بسبب ظروف الحرب ونقص الوقود اللازم لآلياتها، ما يخلق بيئة غير صالحة للحياة الإنسانية، تتفاقم فيها معاناة السكان بسبب تردي الظروف البيئية. ومنذ بداية الحرب على غزة، يُجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي السكان على مغادرة منازلهم والتوجه إلى مناطق يُطلق عليها اسم "المناطق الإنسانية"، ومع ذلك، تواجه هذه المناطق القصف أيضاً، ما يؤدي إلى وقوع شهداء وجرحى، ومأساة إنسانية.

واضطر الفلسطينيون النازحون إلى إنشاء مخيمات مؤقتة في أماكن متفرقة في قطاع غزة، بعد أن تركوا منازلهم قسراً، خصوصاً في المناطق الغربية القريبة من شاطئ البحر. وتفتقر هذه المخيمات إلى أبسط مقومات الحياة، وتمثل ملاذاً مؤقتاً للعديد من الأسر التي نزحت جراء القصف، حيث يعيش السكان تحت ظلالها في ظروف صعبة. وفي تلك الخيام البدائية يواجه الفلسطينيون خطر الجوع والعطش، ونقص العلاج، وخصوصاً الأطفال، حيث تمنع إسرائيل دخول المساعدات بشكل كافٍ، في إطار حرب "إبادة جماعية" تشنّها على القطاع.

اضطر الفلسطينيون النازحون إلى إنشاء مخيمات مؤقتة في أماكن متفرقة في قطاع غزة، بعد أن تركوا منازلهم قسراً

ويعتمد الغزيون على الخشب والورق والنايلون لاستخدامها وقوداً لإعداد الطعام على نارها، فيما ينامون على التراب مع فراش بسيط، ويعانون من غياب أدوات الحياة الحديثة والمعدات الأساسية. وعلاوة على ذلك، تعاني الأسر في الليل من انتشار الحشرات والزواحف، ما يزيد من قلقهم وخوفهم على سلامتهم، ولا وسائل لديهم لمنعها سوى إشعال النار ليلاً في محيط الخيمة.

كفاح من أجل الحياة

وأمام خيمته في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يستريح الفلسطيني سيف الحلبي (39 عاماً)، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، بعد أن تمكن من جمع أوراق وخشب لإشعال نار لطهي الطعام. وقال الحلبي لـ"الأناضول": "الوضع مأساوي جداً، هربنا من مدينة غزة في بداية الحرب وانتقلنا إلى مدينة رفح (جنوب)، ثم توجهنا إلى دير البلح قرب مستشفى شهداء الأقصى (وسط)، الذي أمر الجيش بإخلاء محيطه قبل أيام (الأحد)، والآن نقيم على شاطئ غزة".

ويخشى من أن تفاجئهم الزوارق الحربية الإسرائيلية وتطلق النيران عليهم، كما حدث في الأشهر الماضية، حيث استُهدفت الخيام على شاطئ البحر، ما أوقع العديد من الجرحى. ولفت إلى أنّ "الحياة على شاطئ البحر صعبة وليست مأوى جيداً، وخصوصاً للأطفال". وأوضح أنّ أطفاله يعانون من أمراض متعددة، تشمل حساسية في الصدر وارتفاعاً مستمراً في درجات الحرارة. وذكر أن زوجته كانت حاملاً، ولكن حملها لم يستمر بسبب ظروف النزوح والتنقل، ما أدى إلى إجهاض جنينها في الشهر الخامس. وقال: "نعيش حياة صعبة في ظل نقص مقومات الحياة الأساسية مثل المياه والطعام، ولا نجد مكاناً سكنياً يليق بنا، حيث كل الأماكن مستهدفة".

الحياة على شاطئ البحر صعبة وليست مأوى جيدا خصوصا للأطفال

والاثنين، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في منشور على منصة إكس، أن نقص المياه بلغ 85% في دير البلح وسط قطاع غزة، مبينةً أن 3 آبار ماء فقط من أصل 18 تعمل في المدينة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 11 شهراً.

داء يفتقر إلى الدواء

بدورها، تقول هند عبد الوهاب (55 عاماً)، التي تعاني من مرض السكري وارتفاع الضغط، للأناضول: "البحر في كل دول العالم يُستخدم للاستجمام، لكن في غزة أصبح مأوى لنقيم عليه باعتبارنا نازحين". وتضيف عبد الوهاب، التي تقيم مع والدها المسن وأشقائها وأطفالها على شاطئ غزة داخل خيمة، بعد أن نزحت من حيّ التفاح في مدينة غزة: "لا يوجد دواء وأعاني من عدة أمراض، وأحتاج إلى علاج، والنفايات منتشرة من حولنا بشكل كبير".

والسبت، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة نفاد 60% من قائمة الأدوية الأساسية و83% من المستهلكات الطبية جراء الحرب وسيطرة إسرائيل على المعابر وإغلاقها. وأشارت عبد الوهاب إلى أن أبناءها بحاجة إلى ملابس وطعام جيد ومياه نظيفة، ولا يوجد شيء من ذلك متوافر في أماكن النزوح. وأوضحت أنها تعاني من النزوح والتشرد قسراً منذ بداية الحرب، وأن الوضع "لم يعد يحتمل"، حيث أصبح أمامهم خياران فقط: "إما الموت بنيران الجيش، وإما الغرق في مياه البحر". وتعرب عن أملها بعودة إلى منزلها، قائلة: "أتمنى العودة إلى منزلي حيث كانت حياتنا نظيفة ومعقمة والطعام والدواء متوافران".

ومنذ اندلاع الحرب تقطع إسرائيل الكهرباء عن قطاع غزة، وتمنع دخول الوقود لتشغيل محطة التوليد الوحيدة، فضلاً عن وقف إمدادات الماء والاتصالات والمواد الغذائية والعلاج، وإغلاق المعابر. وتدخل إلى غزة حالياً مستلزمات طبية ومساعدات دولية "محدودة" تمرّ عبر إسرائيل، ولا تكفي حاجة سكان القطاع الذين يعانون أوضاعاً إنسانية وصحية كارثية.

وبدعم أميركي تشنّ إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول حرباً مدمرة على غزة خلفت أكثر من 134 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة. وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب الحرب، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون