سوريو الدنمارك... خلاص بلجوء جديد في أوروبا

31 أكتوبر 2021
عائلة سورية في مركز الترحيل بالدنمارك (توم ليتل/ فرانس برس)
+ الخط -

تستمر السياسة الدنماركية المشددة مع اللاجئين السوريين الآتين من العاصمة دمشق وريفها، والذين يجد مئات منهم أنفسهم تحت سيف تجميد رخص الإقامة المؤقتة الممنوحة لهم، ويُدفعون بالتالي إلى "مراكز ترحيل". وأخيراً، رفض "مجلس اللجوء" الذي يدرس أحقية الشخص في نيل لجوء سياسي بالدنمارك، قرار منع الترحيل القسري الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتلاقت حيثياته مع تكرار تحذيرات منظمات دولية بينها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين من المخاطر التي تتربص بالمرحلين إلى سورية، والتي تصفها بأنها "بلد غير آمن".
وجاء في بيان "مجلس اللجوء": "لم نجد أسباباً حقيقية تربط عمليات الترحيل القسري إلى أجزاء من سورية بانتهاكات حقوق الإنسان". لكنه أبقى على نافذة أمل ضيّقة بالقول إنه "من المهم في المستقبل توخي المزيد من الحذر على صعيد التقييمات المحددة الخاصة بمواجهة السوريين مخاطر بمجرد عودتهم إلى بلدهم".
ويتبنى "مجلس اللجوء" الدنماركي منذ نهاية 2019 تقارير داخلية تتحدث عن إمكان عودة اللاجئين الآتين من دمشق، في وقت ترتكز سياسته اليوم على درس كل حالة لجوء بمفردها قبل تجديد الإذن المؤقت الممنوح، أو وضعها على قوائم الترحيل التي تضم الآلاف.
وكانت الدنمارك شرعت منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها في تبني سياسة منحهم "حماية مؤقتة مشروطة بتعهدهم العودة إذا تحسن الوضع في مناطقهم، والتي قسمتها لاحقاً إلى آمنة وغير آمنة، استناداً إلى تقييم أجراه وفدان أرسلتهما إلى سورية ولبنان في عام 2019، وضما مشرعين وقانونيين. لكن هذا التقييم والإجراءات التي يخضع لها عارضها نشطاء قانونيون وحقوقيون كُثر.

جدل "أمان" دمشق وريفها
راهن سوريو الدنمارك على تحركات شعبية وسياسية لليسار ومنظمات حقوقية معنية بشؤون اللاجئين والمهاجرين لوقف سياسة سحب الإقامات، لكن حكومة يسار الوسط استمرت منذ عام 2019 بتبني النهج المتشدد السابق لحكومة اليمين ويمين الوسط، قبل أن تلوح بارقة أمل في الفترة الأخيرة لإمكان تراجع كوبنهاغن عن سياستها، بعدما لم تستطع تنفيذ أي ترحيل إلى سورية، وتراجع "مجلس اللجوء" عن اعتبار شابات يدرسن في البلاد مقيمات غير شرعيات. 
وعزز التفاؤل تزايد ضغط الشارع، علماً أن منظمات حقوقية غير حكومية جمعت بدعم من اليسار أخيراً نحو 50 ألف توقيع لعرض قضية اللاجئين على مشرعي مجلس النواب، كما ارتبط برفض المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي الترحيل القسري إلى بلد "تتوافر فيه كل الأسباب للاعتقاد بمواجهة المرحلين خطر الموت والتعرض لسوء المعاملة".
وواكب محامون سوريون ورجال قانون دنماركيون تقرير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمطالبة "مجلس اللجوء" الدنماركي باعتماد القرار كمبدأ قانوني يمكن قياس أحكام اللجوء عليه، ويسمح بوقف تجميد إقامات الآتين من دمشق وريفها. وبعدما أجرى "مجلس اللجوء" مداولات في القرار أعلن أن "لا شيء فيه يدعو إلى تغيير ممارسات الدنمارك مع اللاجئين استناداً إلى اعتبار سلطاتها دمشق وريفها منطقتين آمنتين لعودتهم إليهما".
وجدد القرار حال الإحباط لدى حوالى 4500 لاجئ من دمشق وريفها يخضعون لأحكامه، في وقت يصرّ محامون ومتخصصون في قضايا حقوق الإنسان على أخذ المحاكم الوطنية بقرار المحكمة الأوروبية الذي اعتبر أن "كل سورية غير آمنة"، كما يقول المحامي المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء نيلز هنريك كريستنسن.

احتجاج ضد ترحيل السوريين أمام السفارة الدنماركية في دبلن (آرتور فيداك/ Getty)
احتجاج ضد ترحيل السوريين أمام السفارة الدنماركية في دبلن (آرتور فيداك/ Getty)

ترحيل مع وقف التنفيذ
عملياً، يصعب أن تخضع الحكومة الدنماركية السوريين لعمليات ترحيل قسري، أو تجبرهم على العودة، في ظل غياب أي تعاون بين سلطاتها والنظام السوري. لكن تجميد الإقامات يرهق أسراً سورية تتواجد منذ ست سنوات في الدنمارك، والتحق بعض أبنائها وأفرادها البالغين بمدارس وأعمال. 
وحصلت "العربي الجديد" على معلومات تفيد بأن "مجلس اللجوء يعيد النظر في نحو 800 طلب لتجديد الإقامات المؤقتة للاجئين، وأن 100 منهم تبلغوا انتهاء لجوئهم خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، علماً أن معظم إقامات لجوء الآتين من دمشق وريفها منحت لهم على أساس الوضع الأمني العام، باستثناء قضايا أثبت أفرادها أن حياتهم في خطر وأنهم قد يتعرضون لاضطهاد، وأخرى لأشخاص سبق أن اعتقلوا خلال الأعوام الأولى للثورة السورية بعد عام 2011". 
وبالنسبة إلى مديرة اللجوء في "مجلس اللاجئين" الدنماركي، إيفا سينغر: "لا تتعلق المسألة بمئات يعاد النظر في لجوئهم حالياً، بل بتطبيق مبادئ تستند إلى تقييمات تشمل الجميع". وتستشهد سينغر بتقارير حقوقية دولية تتحدث عن أنه "حتى أولئك غير المعنيين بالسياسة معرضون لمخاطر الاعتقال والاضطهاد"، في وقت يحاول النظام السوري الإيحاء برغبته في استقبال اللاجئين العائدين، لكن تقارير لمنظمة العفو الدولية ومكتب وكالة اللجوء الأوروبي تفيد بأن "النظام السوري ينظر إلى العائدين بأنهم خونة، ما قد يعرضهم لتعذيب واغتصاب في سجونه".

إلى دول أوروبية أخرى
يتحدث نازحون سوريون في الدنمارك لـ"العربي الجديد" عن أن تجميد أوضاع عشرات منهم استناداً إلى اعتبار دمشق وريفها آمنين، يدفعهم في ظل اليأس والإحباط إلى "البحث عن حلول فردية بينها الانتقال إلى دول أوروبية أخرى"، خصوصاً أن بعضهم، وبينهم أشخاص لجأوا إلى هذا البلد قبل 7 سنوات، وكبر أطفالهم فيه وباتوا يرتادون مدارسه، لا يخفون خشيتهم من أن تتشكل غالبية تشريعية في البرلمان تسمح بفتح كوبنهاغن قنوات تواصل مع النظام في دمشق لبدء الترحيل، وهو ما أوحت به نقاشات أجريت بين نوابه في ربيع العام الحالي، وترافقت مع إبداء نواب اليمين حماستهم للفكرة. 
وخلال الأسابيع الأخيرة، عبّرت أسر سورية عن رغبتها في تجربة اللجوء مجدداً في ألمانيا أو السويد أو هولندا أو بلجيكا، ويعوّل هؤلاء على أن اتفاق دبلن الأوروبي الخاص بمسؤولية البلد الأول المستقبل عن اللجوء لا يشملهم. وقد حمل وائل بقدونس وزوجته سوزان الحفار فعلياً بعض الأمتعة وغادرا مع أطفالهما الثلاثة جود ولمار وريماس إلى هولندا، بعدما قطعا الأمل بالبقاء في الدنمارك. وتخوض هذه الأسرة اليوم مثل أسر أخرى اختفت من رادار الحكومة الدنماركية بسبب رفضها الالتحاق بمراكز ترحيل، تجربة العيش المؤقت في معسكر لاستقبال اللاجئين في منطقة تير أبيل شرق هولندا، بأمل أن يختلف رأي أمستردام عن كوبنهاغن في مسألة اعتبار منطقتهم السورية "آمنة".

الشبان السوريون يواجهون حملة مراقبة قاسية (كلاوس فيسكر/ فرانس برس)
الشبان السوريون يواجهون حملة مراقبة قاسية (كلاوس فيسكر/ فرانس برس)

صخب اليمين 
وكانت أزمة الوضع القانوني للاجئين السوريين في الدنمارك ظهرت إلى الضوء حين صوّتت غالبية أعضاء "مجلس اللجوء" على قرار اعتبار دمشق وريفها آمنين لعودة اللاجئين إليهما، إثر زيارة أجراها وفدان أرسلتهما كوبنهاغن إلى دمشق وبيروت في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019.
وأعقب ذلك إلغاء نحو 100 إقامة للاجئين سوريين في الدنمارك العام الماضي، بعضها خضع لبرنامج "لمّ الشمل"، ورفضت نهائياً إقامة 41 منهم، ونقل 38 إلى مراكز ترحيل. وحالياً يجري إعادة النظر بقضايا تشمل نحو 800 لاجئ، علماً أن الاندماج في سوق العمل يلعب دوراً في تقييم إقاماتهم.
وهذا العام، أثار اليمين صخباً بتسريبه معلومات عن دائرة الهجرة عن سفر آلاف السوريين إلى بلدهم بعد الحصول على اللجوء، في إجازات وزيارات للأهل. ونشر معلومات عن أن الزيارات حصلت عبر مطار بيروت الدولي، فيما يحتجّ نشطاء سوريون بأن من زاروا سورية حملوا صفة إقامة "لمّ شمل"، وخضعوا للقانون الذي يمنع اللاجئين فقط من زيارة وطنهم ويعرضهم لعقوبة إسقاط صفة الحماية عنهم، في حال إثبات أن حياتهم ليست في خطر.

ووسط السجالات الكثيرة خصوصاً في بداية الصيف الماضي، سرّبت صحف دنماركية ومواقع للتواصل الاجتماعي معلومات عن وجود "لاجئين مؤيدين لنظام بشار الأسد". واستشهد هؤلاء بصفحات ونقاشات أجراها بعضهم، وبينهم سيدات نشرن على صفحاتهن الخاصة صوراً عن زيارتهن إلى سورية، قبل أن تعمد بعضهن إلى شطب تعليقات مؤيدة للأسد ويجرين مقابلات صحافية هاجمن فيها النظام. واعتبر اليمين حينها أن "هذه التصرفات هدفت إلى الإيحاء بأنهم معارضون وملاحقون".

المساهمون