وسط تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، يشكو سوريون من عدم قدرتهم على تحمّل النفقات الخاصة بمراجعة طبيب. وتصدر مطالبات بتحديد تعرفة جديدة تناسب الطبيب كما المريض.
تحوّلت زيارة الطبيب إلى ترف بالنسبة إلى سوريين كثيرين يقيمون في مناطق سيطرة النظام السوري، بعدما تضاعف بدل معاينة الأطباء تبعاً لمزاجية كلّ واحد منهم، بعيداً عن التعرفة الرسمية. ويأتي ذلك في ظل تردي الواقع الصحي والخدمي الذي يعيشه السوريون بمعظمهم، في حين تبحث وزارة الصحة ونقابة الأطباء في تحديد تعرفة جديدة.
فاطمة أحمد (37 عاماً) ربّة منزل مقيمة في دمشق، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الواحد منّا لا يزور الطبيب إلا في الحالات الحرجة، كأنّما المثل القائل إنّ آخر العلاجات الكيّ صار ينطبق على فكرة زيارة الطبيب، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة المعاينة وغلاء الأدوية". تضيف أنّ "المريض صار يبدأ علاجه بما يُنصَح به من أعشاب وغيرها بحسب الطب العربي، مراهناً على الوقت في الشفاء. وفي حال لم يتحسّن، قد يقصد الصيدلية ويشرح ما يشعر به للصيدلاني. فهذا الأخير صار يلعب دور الطبيب ويصف الدواء لمن يحتاج إليه. وفي حال لم يتحسّن هذا المريض، فإنّه يلجأ في آخر المطاف إلى طبيب". وتشير فاطمة إلى "عدم توفّر تعرفة محددة بدل معاينة الطبيب الاختصاصي. فكلّ واحد يتقاضى بدلاً بحسب هواه. وثمّة من يحددها بحسب تقديره لحالة المريض المادية، فيتقاضى مثلاً ثمانية آلاف ليرة سورية من مريض ومن آخر 10 آلاف ليرة ومن ثالث 15 ألف ليرة، علماً أنّ تعرفة بعض الأطباء في دمشق وصلت إلى أرقام خيالية بالنسبة إلى السوريين" (الدولار الأميركي رسمياً = 704 ليرات سورية، وفي السوق السوداء 3335 ليرة).
بدوره يؤكد أبو عبد الله تقي الدين (64 عاماً) وهو متقاعد مقيم في دمشق، أنّ "المواطن السوري غير قادر على تحمّل تكلفة الطبابة". يضيف: "عندما كنت لا أزال في وظيفتي، كان التأمين يغطّي جزءاً كبيراً من تكاليف الطبابة، وكنت بالتالي أدفع فقط نحو 10 في المائة من تعرفة المعاينة وثمن الدواء. لكنّني اليوم صرت بلا تأمين بعدما تقاعدت. ففي سورية، كل شيء بالمقلوب... عندما يصير الإنسان في حاجة أكبر إلى الرعاية الصحية يُرفع عنه التأمين". ويتابع أبو عبد الله أنّ "معاشي التقاعدي هو نحو 65 ألف ليرة، وأنا أحتاج إلى زيارة الطبيب بشكل دوري بسبب معاناتي من مشكلات في القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري. لكنّ كلّ زيارة تكلفّني مبلغاً كبيراً بالإضافة إلى ثمن الدواء، الأمر الذي يجبرني على تسجيل اسمي لدى جمعيات خيرية للحصول على بعض الأدوية أو الدعم المادي". ويأسف أبو عبد الله قائلاً: "بعدما أمضيت عمري في الوظيفة العامة، أقف اليوم على أبواب الجمعيات الخيرية. قد أكون أكثر حظاً من آخرين كثيرين يبحثون عن مساعدة ولا يجدونها بسهولة بسبب الضغط على تلك الجمعيات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإجراء جراحي".
في سياق متصل، يقول طبيب اختصاصي مقيم في دمشق، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من غير الممكن مقارنة أيّ شيء بدخل السوريين بمعظمهم، فهو لم يعد يكفي لتأمين الحدّ الأدنى من الطعام. والطبيب من جهته في حاجة كذلك إلى دخل يكفيه لتأمين متطلبات عائلته على أقل تقدير، ووقود سيارته في حال استجدت حالة طارئة، وتكاليف الطاقة البديلة مثلاً وغيرها من الاحتياجات". يضيف الطبيب نفسه أنّ "المشكلة ليست في تعرفة الطبيب، التي هي في الواقع أقلّ بكثير ممّا كان يتقاضاه قبل عام 2011"، معيداً ذلك إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة السورية. ويشرح أنّ "تكاليف المعيشة وكلّ الأسعار مرتبطة بالدولار"، مشدّداً على "وجوب عدم ملاحقة الأطباء وتصويرهم كجلادين ومصاصي دماء الفقراء، فالحلّ يكمن في رفع رواتب الناس لتتناسب مع الأسعار".
ويلفت الطبيب إلى أنّ "الأطباء اليوم يهجرون البلد من جرّاء عدم قدرتهم على تأمين متطلبات المعيشة مثلهم مثل السوريين بمعظمهم"، موضحاً أنّ "ثمّة أطباء يسافرون يومياً إلى الصومال أو ليبيا، حيث يتقاضون رواتب تتراوح ما بين 2000 و4000 دولار، في حين أنّهم لا يتقاضون في المستشفيات الحكومية ما كفيهم لتأمين قوتهم اليومي".
تجدر الإشارة إلى أنّ وزير الصحة في حكومة النظام السوري، حسن الغباش، صرّح قبل أيام بأنّ اجتماعات عُقدت مع نقابة الأطباء بهدف تحديد تعرفة الكشف الطبي بما يرضي الطبيب ويناسب المواطن بقدر الإمكان. أمّا نقيب الأطباء في سورية، كمال عامر، فكان قد تحدّث في بداية العام الجاري عن تشكيل لجنة لبحث تحديد تعرفة جديدة لمعاينة الطبيب، لافتاً إلى أنّ التعرفة الأخيرة حُدّدت في عام 2004.