انتظر أسامة البكور (33 عاماً) سنوات عدة علّه يتمكن من العيش وزوجته تحت سقف واحد. وبعدما بات هذا الحلم قريباً، ساهم تفشي فيروس كورونا في إرجاء الأمر حتى إشعار آخر. بمعنى آخر، يعيش ما يمكن تسميته "زواجاً مع وقف التنفيذ". ويصف البكور، في حديثه لـ "العربي الجديد"، تجربته بـ "الصعبة"، قائلاً: "تمّت الخطوبة عام 2014 ثم ثُبّت الزواج في المحكمة عام 2015. بعد الخطبة، حصلتُ على اللجوء في بلغاريا ثم غادرت إلى ألمانيا ليُرفض طلب لجوئي بحسب اتفاقية دبلن (تنص على أن تكون الدولة الأوروبية التي يدخل إليها المهاجر للمرة الأولى مسؤولة عن تسجيله وعن إجراءات لجوئه)".
وبعد تهديد السلطات الألمانية بترحيله إلى بلغاريا، انتقل إلى بلجيكا وبقي ثلاث سنوات فيها. حاول إخراج زوجته عن طريق التهريب من سورية إلى السودان وبعدها إلى ليبيا ثم إيطاليا، من دون أن يتحقق ذلك لأن الظروف كانت صعبة. يقول: "بعد ثلاث سنوات من الإقامة في بلجيكا، قوبل طلب لجوئي بالرفض. وكان قرار ترحيلي صدمة جديدة. توجهت إلى ألمانيا يائساً وقد اتخذت القرار بالعودة إلى بلغاريا ثم إلى تركيا وسورية. لكن خلال فترة وجودي في ألمانيا، ولحسن الحظ، وافقت المحكمة على طلب لجوئي، لأبدأ بإجراءات لم الشمل".
وهذه حكاية أخرى. يقول: "هناك أوراق لا بد من استخراجها لي ولزوجتي للم الشمل، كأوراق الزواج وإخراج قيد عائلي وغيرها، ويجب الحصول عليها من دمشق حصراً أو ترفض. وللحصول على هذه الأوراق، احتجت إلى دفع الكثير من المال والاتفاق مع سماسرة لتأمينها بسبب العوائق الكثيرة، منها ألا تكون الزوجة مقيمة في دمشق، أو أن يكون الزوج مطلوباً للنظام. ولا يمكن تأمين هذه الأوراق إلا بعد معاناة. واجهت صعوبة في تأمين إخراج القيد العائلي، وهي ورقة أساسية لمقابلة لمّ الشمل للزوجة التي تتم في السفارة أو القنصلية الألمانية في تركيا أو اقليم كردستان العراق، ويجب تصديقها من السفارة الألمانية في بيروت. ويتطلب الأمر إجراءات كثيرة ورشى، وقد استغرق الأمر نحو شهر ونصف الشهر".
يتابع: "كان موعد مقابلة زوجتي في أربيل في شهر مارس/ آذار الماضي، ثم أرجئ حتى مايو/ أيار الماضي. وبعد فترة، أُبلغت بإلغاء الموعد بسبب فيروس كورونا، ثم وصلتني رسالة عبر البريد بأن المواعيد محدودة ويجب التحلي بالصبر للحصول على موعد". يقول إنه رهينة الوقت وكورونا، ويأمل تحديد موعد جديد للمقابلة وإنهاء نحو ستة أعوام من الانتظار.
من جهته، يقول أحمد قصيراوي، لـ "العربي الجديد"، إنّ حياته وخطيبته باتت رهن الظروف. ويوضح: "أعيش وحيداً في تركيا بعيداً عن أهلي. كنت أرغب بالارتباط بامرأة متعلمة عمرها مناسب لعمري، إلا أنني لم ألتق بالمرأة المناسبة في تركيا، فطلبت المساعدة من أهلي، وهو ما حصل فعلاً، وتمت الخطوبة". وفي ما يتعلق بلم الشمل، يقول: "في تركيا، هناك مجموعة من الإجراءات لإتمام لم الشمل. يجب تأمين صورة عن بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك)، وسند إقامة من مختار الحي الذي أقيم فيه، وصور ملونة لجوازات سفر الأشخاص، ومحلّ الطلب للموجودين في سورية، وصورة عن دفتر العائلة (بيان عائلي) مترجمة إلى اللّغة التركية ومصدقة من دوائر النوتر (كتاب العدل) التركية. وأضيف أخيراً شرط جديد، وهو صورة شخصية للمطلوب لمّ شملهم، ليتم التأكد من شخصيتهم ومطابقتها مع الصور والأوراق نظراً لارتفاع نسبة التهريب والتزوير واستغلال قرار لمّ الشمل".
لا يمكن لإسماعيل م. إتمام زواجه بسبب الظروف الاستثنائية الناتجة عن فيروس كورونا
يتابع قصيراوي: "بشكل عام، يصعب الحصول على موعد، ويجب المتابعة طوال الوقت. وللحصول على موعد مستعجل، يجب دفع 100 دولار. ثم يتوجب تأمين إخراج قيد عائلي ومستند لا حكم عليه من سورية، على أن تترجم هذه الأوراق للغة الإنكليزية أو التركية، وتصدق من وزارة الخارجية، مع صور جوازات سفر ملونة. بعدها، يجب الحصول على موعد لمّ الشمل. ثمّ يكون هناك دعوة من كاتب العدل (النوتر)، ترفق بإفادة عمل وعقد إيجار للبيت أو إفادة سكن، ولا حكم عليه، وصورة ملونة عن الهوية. هذه الأوراق توضع في ملف وترسل إلى الزوجة في سورية. ثم يجب حجز بطاقة سفر وهمية مع تأمين صحي للسفر، بالإضافة إلى طلب التأشيرة وبعض الإجراءات الإلكترونية. وهناك حاجة أيضاً للحصول على كشف حساب مصرفي عن الأشهر الثلاثة الأخيرة، تضاف إليها الأوراق المرسلة".
تأمين الأوراق ليس صعباً، إلا أن العائق الأكبر هو الحساب المصرفي، يقول قصيراوي. "أعيش في تركيا بصفتي لاجئاً، ودخلي الشهري متوسط، ولا أستطيع أن أفتح حساباً مصرفياً وأضع فيه المبلغ المطلوب وهو 3000 دولار. لذلك، اضطررت للاستدانة وفتح حساب مصرفي. وبسبب كورونا، فإن الحدود السورية اللبنانية مغلقة في وجه السوريين من أجل الذهاب الى القنصلية التركية في بيروت وتقديم الأوراق، الأمر الذي ساهم في تأخير لم الشمل".
وفي ما يتعلق بالأيام المقبلة، يقول إنه سيواجه بعض الصعوبات، لناحية إقامة الزوجة وقوننة وجودها على الأراضي التركية، ثم تسجيل الزواج في تركيا وتأمين دفتر العائلة التركي، بالإضافة إلى تسجيل المواليد الجدد في تركيا وسورية.
ويلفت إلى ضورة أن يكون هناك جهة سورية رسمية يرعاها الإئتلاف الوطني السوري بصفتها المؤسسة الرسمية الراعية للسوريين من أجل النظر في مسألة لم شمل للسوريين في تركيا، والتواصل مع الحكومة التركية لتسهيل الإجراءات ومنح الموافقة للملفات المكتملة الأوراق. وتعد أوراق لم الشمل وإجراءاته من الأمور التي تعيق زواج معظم السوريين".
بدوره، يعيش إسماعيل م." (28 عاماً) تجربة صعبة. يُقيم في مدينة إسطنبول التركية فيما تعيش خطيبته في إدلب. ولا يمكنه إتمام زواجه بسبب الظروف الاستثنائية الناتجة عن فيروس كورونا. ويقول لـ "العربي الجديد" إن خطوبته تمت عام 2019، بعدما استغل فترة الإجازات والقدرة على السفر من خلال معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. ومنذ ذلك الوقت، بدأ العمل على ادخار المال لإتمام الزواج، إلا أن فيروس كورونا حال دون ذلك. وفي الوقت الحالي، الطريق مسدود أمامه وخياره الوحيد هو إدخال خطيبته إلى تركيا بطريقة غير شرعية والخلاص من هذه المعاناة. ويبقى عامل الوقت المعيار الأساسي في تحدبيد مصير هذه الزيجات.