"لا شكّ أنّنا مُقبلون على عمليات عسكرية جديدة، والحقيقة المرّة أننا نزحنا من بلداتنا لنلوذ بمكان آمن، لنجد أنفسنا في مواجهة الكابوس ذاته الذي فرّرنا منه، ولكن هذه المرة في مخيمات النزوح حيث لا جدران تصدّ ولا سقف يحمي"، هكذا عبّرت النازحة مروى العبد الرحمن (37 عاماً) عن خوفها من استمرار القصف على المنطقة من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي.
تقيم مروى مع زوجها وأبنائها الستة في مخيمات كفر جالس، شمال إدلب، منذ نزوحها الأخير عن بلدتها معرشورين منذ خمس سنوات، وتعيش ظروفاً صعبة وسط الفقر وانعدام الحد الأدنى من سبل العيش. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "القصف أحيا مخاوف النزوح مجدداً، حيث لا طاقة لنا على تحمّل تبعاته وسط كل ما يواجهنا من مآسٍ".
تعيش العائلات في إدلب وسط قلق بالغ إزاء التصعيد الأخير للقصف والضربات الجوية على المنطقة، والذي أسفر عن وفيات وإصابات في صفوف المدنيين داخل مخيمات النازحين داخلياً وفي محيطها ومدن ومناطق متفرقة في إدلب.
منذ يوم 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت الضربات البرية والغارات الجوية التي شنتها قوات النظام السوري وحليفه الروسي على عدة مناطق، بما في ذلك مخيمات النازحين داخليا الواقعة على مقربة بعضها من بعض، وعلى مشارف بلدات كفر جالس ومورين وكفر روحين في ريف إدلب الغربي، فضلا عن منطقتي الصناعة وأريحا في ريف إدلب الجنوبي، ومدن أخرى ومنها ترمانين والدانا ودارة عزة وغيرها من المناطق، ما أدى لمقتل واصابة مدنيين وإتلاف الكثير من الخيام.
مريم الباكير (41 عاماً)، نازحة مقيمة في مخيمات كفر دريان شمال غربي إدلب، قالت لـ"العربي الجديد" إنها غير مستعدة لمجرد التفكير برحلة نزوح جديدة، وخاصة أنهم باتوا على أبواب الشتاء ولا مكان آمناً يمكن أن يذهبوا إليه.
وتعتقد أن التصعيد الأخير على المنطقة يهدف ضرب الاستقرار فيها، ونشر الرعب بين المدنيين ومنعهم من عيش حياتهم الطبيعية، أو ربما توقيع اتفاقيات جديدة تقضي بالاستيلاء على مناطق أخرى نكون فيها الخاسر الوحيد.
من جهتها، قالت الناشطة المدنية وفاء الأسود إن هذه الهجمات وغيرها تعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، وتضاعف معاناة المدنيين الذين يعيشون أساساً ظروفاً بالغة التعقيد وسط الفقر والتشرد وقلة الدعم، في الوقت الذي يتقاعس فيه المجتمع الدولي عن محاسبة مرتكبي تلك الجرائم.
وأشارت إلى أن المدنيين غالباً ما يدفعون ضريبة تلك الهجمات من سلامتهم وأمنهم وحياتهم وحياة أبنائهم، من دون أن يجدوا مكاناً آمناً يلجؤون إليه، ويكون واقع الأمر مضاعفا على فئة النساء والأطفال، الحلقة الأضعف والضحايا الأكثر.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت مقتل 161 مدنيا في سورية على يد أطراف النزاع كافة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو نصفهم من الأطفال والنساء.
وأصدر فريق "منسقو استجابة سورية" تقريراً حول حملة التصعيد العنيفة التي شنتها قوات النظام وروسيا على مناطق شمال غربي سورية خلال الشهر الماضي، سببت سقوط عشرات الضحايا والإصابات بين المدنيين مع حركة نزوح كبيرة من مناطق مختلفة، وتعتبر هذه الهجمات هي الأكبر منذ أربع سنوات على المنطقة.
وسجّل الفريق 575 هجوماً نفذتها قوات النظام السوري، في حين شنت الطائرات الحربية الروسية 64 هجوماً أي ما يعادل 142 غارة جوية، موضحة أن المجموع الكلي للهجمات 639، تسببت بسقوط 67 مدنياً من بينهم 13 امرأة و26 طفلاً و4 من كوادر العمل الإنساني.
ومن حيث الإصابات بين المدنيين، سجل الفريق 274 مدنياً من بينهم 49 امرأة و83 طفلا، ووثق استخدام الأسلحة المحرمة دوليا تسع مرات في أكثر من خمس نقاط، كما سجل استهداف أكثر من 64 منشأة بشكل مباشر أو ضمن محيط المنشأة، من بينها أكثر من 14 مدرسة و8 مخيمات و19 منشأة طبية، إضافة إلى مراكز خدمية أخرى.
وتطرّق الفريق إلى الأوضاع الإنسانية، ففي سياق حركة النزوح، سجلت المنطقة نزوح 118,734 شخصاً، يشكل الأطفال والنساء نسبة 69% منهم، بالتوازي مع انخفاض وتيرة العمليات العسكرية على المنطقة مقارنة ببداية شهر أكتوبر، سجلت عودة 18,473 مدنياً مع بقاء النسبة الأكبر من العائدين في حالة ترقب للنزوح مرة أخرى في حال عودة التصعيد العسكري.
ولفت الفريق إلى أن الاستجابة الإنسانية العامة، خلال الشهر الماضي، شهدت انخفاضاً إلى 47.18% في متوسط كافة القطاعات الإنسانية، في حين لم تصل نسب الاستجابة الإنسانية للنازحين الجدد إلى عتبة 11.18% من إجمالي الاحتياجات الإنسانية اللازمة للنازحين.
وسجلت مخيمات النازحين ثباتاً نسبياً في عمليات الاستجابة بلغت ضمن مختلف القطاعات 58.12% من إجمالي الاحتياجات.
أما حركة المساعدات الإغاثية والأممية، فقد سجل دخول 155 شاحنة إغاثية خلال شهر أكتوبر من المعابر الحدودية الثلاثة موزعة على معبر باب الهوى: 126 شاحنة بانخفاض 86.89% عن الشهر نفسه خلال 2022، معبر باب السلامة: 29 شاحنة، معبر الراعي: 0 شاحنة.
وينذر استمرار التصعيد بموجة نزوح جديدة نحو المخيمات المهددة أساساً بكارثة إنسانية، مع اقتراب موعد انتهاء التفويض بإدخال المساعدات الإنسانية عن طريق معبر باب الهوى الحدودي الذي يشكل شريان الحياة الوحيد لمناطق شمال غربي سورية، التي يعيش فيها أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون قسرياً من عدة مناطق في سورية، ما يفاقم الحالة الإنسانية للنازحين ويحرمهم من حقهم في الغذاء والدواء بعد أن حرمهم نظام الأسد من حقهم في العيش الآمن.