استمع إلى الملخص
- تعاني المدارس في السويداء ومخيمات النازحين في الشمال من نقص التدفئة، مع تراجع الدعم الإنساني، مما يزيد من معاناة السكان في الشتاء.
- في شمال شرقي سوريا، يخفف توزيع المازوت المدعوم من أزمة التدفئة، بينما يواجه سكان ريف حلب الغربي صعوبات بسبب الاعتماد على الحطب والفحم وارتفاع الأسعار.
أمضى أبو وليد الذي يسكن في الريف الشرقي لمحافظة السويداء جنوب سورية، الأيام الأخيرة التي سبقت المنخفض الجوي الأخير في التنقل بين الكروم لجمع ما تَسنّى له من أوراق الأشجار المتساقطة وجذور نباتات الجزل والشيح، بهدف تأمين قسط من الدفء له ولبناته الأربع، في ظل عدم قدرته على توفير وسائل أخرى للتدفئة، لأنه لا يستطيع شراء أي منها.
يقول ابن الخامسة والستين عاماً لـ"العربي الجديد": "كل عام نعود مائة عام إلى الوراء. في بداية الحرب حددت لنا الحكومة مخصصات مقدارها 400 ليتر مازوت لكل أسرة، ثم خفضتها تدريجاً عاماً بعد عام حتى استقرت على 50 ليتراً. وأخيراً رفعت سعر المازوت فلم نعد قادرين على شرائه، وبدلاً عن ذلك كنت أبيعها على البطاقة بفارق السعر الحر، وأخصص المبلغ الذي أحصل عليه لشراء ربع طن من روث الغنم المكبوس الأوفر سعراً من حطب الأشجار. وهذا العام دهمنا المنخفض الجوي قبل أن يستطيع صاحب المعمل تأمين كمية روث الغنم التي حجزتها فحاولت تأمين جزء قليل من الدفء لبناتي من خلال جمع الجزل والشيح والشوك وأوراق الأشجار المتساقطة، وما تقع عليه يدي من ورق مقوى من مخلفات علب البسكويت وأكياس الشيبس وغيرها".
يشتكي التلاميذ في السويداء من عدم إشعال المدافئ خلال الأيام الماضية رغم البرودة الشديدة، وذلك بسبب عدم توزيع المازوت على المدارس. ويقول معلم يدعى قصي م. لـ"العربي الجديد": "استطاعت بعض المدارس في المناطق الشرقية من المحافظة أن تُدفئ الأطفال لمدة يوم واحد بما احتفظت به من مازوت العام الماضي، في حين لم توزع مخصصات على معظم مدارس المحافظة حتى الآن". من جهتها، تقول منيرة الحسن التي تعيش بلا معيل لـ"العربي الجديد": "بحثت بين دكاكين مدينة حمص وأحياء مجاورة عن زجاجات بلاستيك فارغة وحاويات معلبات مصنوعة من ورق مقوى وحتى أعقاب سجائر ولفافات ورقية من مخلفات السندويش والفطائر، وجمعتها في أكياس بلاستيك كي أضمن بعض الدفء لدى عودتي إلى منزلي الذي يتضمن غرفة ومطبخاً وحماماً ورثته عن والدي الذي بقيت أعيله حتى وفاته".
ويقول حمد السالم، من أبناء ريف محافظة درعا الغربي، لـ"العربي الجديد": "كنا نحتال على برد الشتاء في السنوات الأخيرة، فنشعل موقد الحطب (الوجاق) تارة، وتارة أخرى مدفأة الغاز. وعندما تأتي ساعة الكهرباء نشغل مدفأة الكهرباء من أجل توفير الحطب والغاز، أما هذا العام فلا حطب يكفي، وأصبح الغاز وسيلة نادرة للتدفئة، وشبكة الكهرباء لم تعد تتحمل ضغط المدافئ والسخانات، وتأتي بالكاد خمس دقائق ثم تنقطع. هذا الشتاء هو الأصعب منذ سنوات".
وتراوحت مخصصات التدفئة من مادة المازوت التي جرى توزيعها في دمشق والمحافظات الجنوبية بين 8% و12%، بحسب مديريات التموين في المحافظات الجنوبية، علماً أن الكمية المحددة لكل بطاقة دعم والتي تعادل 50 ليتر مازوت، قيمتها 5000 ليرة سورية (34 سنتاً) لليتر الواحد. وطال التوزيع ضمن هذه النسب شريحة من البطاقات المبعدة عن الدعم بأسعار تقارب 12 ألف ليرة لكل ليتر واحد (81 سنتاً)، في حين تتوقع فرق التوزيع أن تحتاج شركة المحروقات إلى سنة كاملة لتلبية جميع جداول التدفئة المدرجة على قوائم البطاقات.
أما في جنوب سورية التي تحتضن المناطق الأكثر برودة في فصل الشتاء فتجاوز سعر ليتر المازوت الحر 20 ألف ليرة (1.35 دولار)، وأيضاً كيلوغرام الحطب. وبلغ سعر برميل المازوت أو طن واحد من الحطب 4 ملايين ليرة سورية (271 دولاراً)، وهو مبلغ تعجز عن توفيره الشريحة الكبرى من المواطنين. وعموماً تغطي كمية 50 ليتراً من المازوت المدعوم 10 أيام تدفئة فقط، بحسب تقديرات الصرف اليومي للمدفأة الواحدة.
وفعلياً استبدل أهالٍ كثيرون مدافئ المازوت بأخرى تعمل بالحطب من أجل استخدام كل المواد القابلة للاحتراق في هذه المدافئ. ويقول معتز الظاهر، وهو سائق تاكسي، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا أن نجمع ما نستطيع من أغصان شجر وحطب وأخشاب، وحتى ألبسة قديمة وأحذية، من أجل التدفئة في فصل الشتاء. ولم نعد نستغرب أن نشاهد أي مواطن يلتقط من الطرق والأرصفة بقايا أشجار أو كراتين مرمية وغيرها من المواد القابلة للاشتعال".
وفي مخيمات الشمال السوري، بلغت أحوال النازحين درجة من السوء، خاصة مع تراجع الدعم الإنساني الحاد، لا سيما في مجال التدفئة والإيواء. ومع بدء هطول المطر على المنطقة، ظهرت الأضرار جلية في الخيام المتضررة، ومعها هشاشة قطاع الإيواء في وقت تفتقر العائلات إلى مواد ووسائل تدفئة.
"الحال يُرثى لها"، وفق ما يقول علي الشيخ الذي يُقيم في مخيمات الزوف بريف إدلب الغربي، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "أرجو أن لا يهطل المطر أو تتساقط الثلوج هذا العام. كل ما نعيشه في الشتاء هو العذاب، في ظل عدم إمكان استخدام أي شيء للتدفئة. نستدين في كل عام لتأمين كمية قليلة من الحطب أو البيرين لتدفئة الخيمة. لا يمكن أن أشتري نصف طن من الحطب لا يكفي لشهرين خلال فصل الشتاء مع أقصى تقنين ممكن. نريد أن يشعر أحد بمعاناتنا".
أما محمود أبو المجد الذي يُقيم في ريف حلب الغربي، فيقول لـ"العربي الجديد": "جاءت أولى موجات البرد، وحملت الآلام لآلاف الأهالي الذين لا يملكون ثمن مواد التدفئة بسبب الفقر. غالبية سكان المنطقة يستعملون الحطب والفحم في التدفئة. وزاد هذه الأيام استعمال قشر البندق والفستق في البيوت نتيجة سهولة الاستعمال، ولا تزال مئات العائلات من دون مدافئ، وهذه حال عائلتي بسبب عدم وجود مواد تدفئة وارتفاع أسعارها. يوجد شح كبير في المساعدات الإنسانية، وتكاد تكون معدومة في بعض المناطق، خاصة بريف حلب الغربي".
وفي مناطق سيطرة الإدارة الذاتية (الكردية) شمال شرقي سورية، يوضح حسين السليمان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الذاتية ستوزع 300 ليتر مازوت على العائلات عبر "الكومينات" بسعر 1050 ليرة لليتر الواحد، (7 سنتات)، وهو سعر مدعوم. ويقول: "هذا سعر جيد يخفف أزمة الشتاء. في السابق كانت الكمية أكبر، وحتى الآن هذه الكمية جيدة".