- البيوت الطينية تحتاج لصيانة سنوية باستخدام مواد بدائية، وقد أصبحت أقل أمانًا بعد زلزال فبراير 2023، لكنها توفر عزلًا حراريًا وتعتبر خيارًا اقتصاديًا للعائلات ذات الإمكانيات المحدودة.
- السكان متمسكون ببيوتهم الطينية لخصائصها العازلة وسهولة ترميمها، مع الحاجة لتحديثات لتحسين مقاومتها للماء وتمديد عمرها الافتراضي، معتبرة صديقة للبيئة وتعكس تقاليد البناء القديمة.
السكن في بيوت من طين خيار عائلات في محافظات سورية عدة، سواء في إدلب أو حلب أو الحسكة أو حتى مخيم الركبان، حيث يعتبر هذا الخيار بديلاً عن الخيام التي لا يتناسب السكن فيها مع البيئة الصحراوية للمنطقة.
تسكن عائلات في بيوت من طين في مناطق سورية عدة. وتعتبر هذه البيوت ملاذاً لهم، وهي تتأثر بشكل كبير بعوامل الطقس التي تتسبب في تصدع الجدران أو انهيار الأسقف، وتخلّف بالتالي ضحايا.
في الخامس من مايو/ أيار الجاري، توفي رجل مسنّ وابنته، وفق ما أكدت منظمة الدفاع المدني السوري، في انهيار بيت مبني من طين وخشب سبق أن تعرّض لتصدعات في قرية الباروزة قرب بلدة أخترين بريف حلب الشرقي.
وأخرج منقذو منظمة الدفاع المدني السوري بمساعدة الأهالي الرجل المسن وابنته، وكانا يعانيان من إصابات ونقص في الأكسجين تسبب في وفاتهما بعد نقلهما إلى المستشفى لاحقاً.
يقول بهاء النايف، وهو من سكان بلدة أخترين، لـ"العربي الجديد": "لم تعد المنازل المشيّدة من طين آمنة بعد زلزال السادس من فبراير/ شباط 2023، علماً أنه يمكن القول إنها كانت آمنة جزئياً في السابق. وحالياً تفتقر البيوت إلى الخبرات السابقة في البناء، وكبار السن مثلاً هم أصحاب الخبرات الأكبر في بناء هذه المنازل التي تتميز بأنها تقي من حرّ الصيف وبرد الشتاء، بسبب استخدامها مواد الطين والتراب والتبن".
يضيف: "ترمم هذه البيوت سنوياً، وتشمل الأعمال استبدال الخشب التالف وتعبئة فراغات الجدران المتصدعة بمادتي التراب والتبن الذي يستخرج من القمح بطريقة بدائية. ولا يحتاج ذلك إلى عمال، إذ يرمم كل شخص منزله بيديه".
وعن بقاء عائلات عدة في هذه المنازل، يقول بهاء النايف: "يفي المنزل الطيني بغرض توفير مكان مناسب لعائلات تفتقر إلى الإمكانيات المالية. ومن إيجابيات البيوت الطينية أنها تعزل الحرارة وتوفر أجواءً داخلية معتدلة في الصيف والشتاء، ويجري ترميمها بسهولة بلا حاجة إلى عمال".
يتابع: "لا مخاوف كبيرة لسكن العائلات في بيوت طينية في الشتاء لأنها تبنى بطريقة تقاوم العواصف الهوائية والأمطار. وتتجاوز سماكة جدران بعض البيوت الطينية 50 سنتيمتراً، وتتضمن الأسقف أعمدة قوية".
بدوره، يقول يوسف النايف، وهو من سكان بلدة أخترين، لـ"العربي الجديد": "كانت البيوت الطينية آمنة إلى حدّ ما خلال فترة ما قبل الزلزال، لكن كثيرين لم يتابعوا إجراءات الترميم السنوية بعد الزلزال، والتي يجب أن تشمل طلاء الجدران وتعزيز عزل المياه عن الداخل، علماً أن الكلفة المرتفعة للبيوت الإسمنتية تمنع الناس من الانتقال من هذه البيوت".
وفيما تعيش السبعينية كريمة الشهوان منذ سنوات طويلة في بيت طيني ببلدة البارة، جنوبي إدلب، من دون أن تنوي تغييره أو الانتقال للسكن في مكان آخر رغم تشقق البناء وتصدعه بسبب القصف وعوامل الطقس المتقلب، تقول لـ"العربي الجديد": "أحب السكن في منزلي لأنه يتضمن خصائص تجعله يقاوم البرد والحرارة العالية، فهو بارد في الصيف ودافئ بالشتاء، لذا لا أعاني من تغيّرات الطقس السنوية بداخله، كما أنه عازل للصوت".
ورغم أن عائشة دخان نزحت من قريتها في ريف إدلب الجنوبي وأقامت في مخيمات الشمال السوري، فهي رفضت السكن في خيمة قماشية لا ترد برد الشتاء ولا حرّ الصيف، بل نقلت تجربتها في السكن ببيوت طينية وبنت منزلاً من مواد محلية وطبيعية، ولم تحتج إلى شراء مواد بناء حديثة ومكلفة.
وتخبر "العربي الجديد" بأنها وجدت أن المنزل الطيني أفضل كثيراً من الخيام ومن دفع إيجارات تفوق قدراتها المادية بأضعاف، وتتحدث عن أن البيت الطيني يشبه البيوت الإسمنتية على صعيد الشكل والمواد المستخدمة، "لكنني لا أطمئن إلى أن المنزل سيستمر صامداً أمام الأمطار الغزيرة والرياح والعوامل الجوية التي تهدد بإسقاط الجدران في أي لحظة جراء تحوّل المواد الطينية إلى وحول تفقدها الجدران، ما يؤدي إلى انهيار المنزل في أي لحظة".
وفي مارس/ آذار الماضي تسببت الأمطار في انهيار غرفة بمنزل طيني في حي الهلالية بمدينة القامشلي في محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، وأصيب أحد سكان المنزل بجروح وكسور. ويقول عمار إدريس، وهو أحد سكان الحي، لـ"العربي الجديد": "عاش سكان البيوت الطينية معاناة كبيرة بسبب الأمطار هذا العام، فهي كانت غزيرة على غير العادة، وتسببت في انهيار ثلاثة منازل".
يضيف: "تحتاج هذه البيوت إلى ترميم دائم، وتتطلب اهتماماً وجلب كميات من التبن والطين. وتتضرر بيوت دائماً في حي الهلالية بمدينة القامشلي وتقع جدرانها. البيوت الترابية أو الطينية قديمة جداً، وتتأثر بأي مطر أو عاصفة فتنهار جدرانها. وقد يساعد أهالٍ بعضهم بعضاً في تنفيذ الترميم في هذه الظرف الصعبة، وهذا أمر جيد".
وتلائم البيوت الطينية البيئة المتوسطية لإدخال مواد الخشب والطين والحجر في تشييدها. وهذه المواد الطبيعية تلائم درجات الحرارة وتبدل الفصول الأربعة، لكنها تحتاج أيضاً إلى مستلزمات حديثة من مواد بناء تلائم متطلبات العصر، خاصة في بناء المطبخ والحمامات للحدّ من تأثير الماء الذي يقصّر من العمر الافتراضي للبناء، ويعرضه للانهيار.
وعموماً تُعد هندسة البيوت الطينية صديقة للبيئة، وتعتمد على قوالب قابلة لإعادة التدوير. ويُعتقد بأن هذه العمارة تعود إلى نحو ثمانية آلاف سنة، وانتشرت بشكل رئيسي في شمال شرقي سورية ومنطقة الأناضول.
وعاش السوريون في منازل طينية سابقاً، ونشأ كثيرون فيها لدرجة أنهم يعتبرونها أفضل ألف مرة من منازل الحجر، لكنها تخلو اليوم من أي متطلبات العيش، ولا تصلها إمدادات الكهرباء والمياه.