سودانيّة تُعيد الجدل حول حق اختيار الفتاة شريك حياتها

26 ديسمبر 2020
تحمل لافتة تعلن فيها رفض اضطهاد النساء (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

نشرت فتاة تُدعى إحسان أحمد آدم فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، نفت فيه ما زعمته أسرتها عن تعرّضها للخطف، معلنة أنها تركت منزل عائلتها بمحض إرادتها، بعدما رفضت (العائلة) زواجها من الشاب الذي اختارته. وأعلنت أنها مارست حقها وعقدت قرانها مع الرجل الذي اختارته في المحكمة، مستنكرة تدخّل العائلات في خيارات الفتيات. كذلك دعت الفتيات إلى التمرّد والإصرار على الزواج بمن يرغبن.
كذلك، استشهدت بآيات قرآنية وأحاديث نبوية للتأكيد على صحّة خيارها وموقفها، مؤكدة كذلك أن الإسلام يبيح ذلك وفقاً لمذهب الإمام أبو حنيفة النعمان.
وبعد انتشار الفيديو، انقسم الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض. عدّ البعض خيار الفتاة تمرّداً على التقاليد والأعراف والتعاليم الدينية، في وقت دشّنت إحسان بعد زواجها وهربها إلى دولة جنوب السودان حملة على صفحتها في "فيسبوك" للفت أنظار العالم إلى قضيتها، ونشرت صوراً لها مع زوجها للمرة الأولى. 
والد إحسان أحمد آدم عبد الله خرج بدوره إلى العلن للرد على ما أثارته انته، وأصرّ على رواية اختطافها وإجبارها على تسجيل فيديو كما يحدث مع بقية المخطوفين والأسرى. في الوقت نفسه، أعلن الوالد تبرؤه من ابنته لإقدامها على الزواج من دون موافقته مع التمسك بحق أولياء الأمور في الموافقة على زواج بناتهم كشرط أساسي، التزاماً بتعاليم الدين الإسلامي. وحمّل المسؤولية في كل ما حدث لابنته للمفاهيم الخاطئة لطبيعة الحكم المدني الجديد في البلاد، وخصوصاً مع اصطدام تلك المفاهيم بالقيم الدينية، ليجد هو الآخر دعماً وتأييداً من الشارع السوداني.

في هذا السياق، تعرب مشاعر موسى، وهي فتاة عشرينية، عن تأييدها لشجاعة إحسان وكل فتاة تصر على حقها كإنسانة في اختيار شريك حياتها، من دون تدخل من شخص قريب أو بعيد. وتقول لـ "العربي الجديد" إنه لا يحق للمجتمع والعالم الافتراضي التدخل في خصوصية الزوجين بتلك الطريقة السافرة. في الوقت نفسه، تقول إنه في حال مرت بتجربة مماثلة، لن تفعل كما فعلت إحسان لارتباطها الروحي والمصيري بأسرتها، وخصوصاً والديها، ولن يكون في مقدورها التخلي عنهما مهما كانت الأسباب.
أما مزدلفة دكام، فتنتقد تجاوز إحسان أو أي فتاة أخرى للعادات والتقاليد والأعراف السودانية التي تنظر إلى الزواج كرابط بين أسرتين وقبيلتين ومجتمعين وليس شخصين فقط، ما يؤكد أهمية موافقة الأسرة. تضيف: "كان يمكن لإحسان العمل على إقناع أسرتها بالشاب الذي تريده وتكرار المحاولة بدلاً من أن تُعرّض الأسرة لهجوم وإحراج يومي".
في المقابل، تقول الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة إحسان فقيري إن القانون والدستور ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق المواطنة وحتى الدين الإسلامي والأديان السماوية الأخرى تعطي المرأة الحق في تزويج نفسها طالما بلغت سن الثامنة عشرة، وأنها وحدها المسؤولة عن قراراتها وخياراتها، مشيرة، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى أن أي اعتراض لخيارات الفتيات يصنف كعنف ضد المرأة.  

يجب تعديل القوانين السودانية وإعطاء الولاية الكاملة للمرأة لتزويج نفسها


ويشيد فقيري بشجاعة الفتاة إحسان أحمد آدم، وظهورها المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن حقها وحق الفتيات الأخريات في اختيار الزوج. وتؤكد فقيري أن العادات والتقاليد الضارة في السودان يمكن تجاوزها مستقبلاً بمزيد من الوعي والتثقيف لمناهضتها ومناهضة ختان الفتيات وزواج القاصرات، مشددة في الوقت نفسه على أهمية التماسك المجتمعي من خلال الزواج، من دون الإخلال بمبدأ حرية الزوجين في الاختيار في الوقت نفسه.
من جهتها، تتحدّث الصحافية سهير عبد الرحيم عن رفض مبدأ إجبار الأسرة الفتاة على الزواج من شخص لا ترغب فيه، على أن تلتزم بعدم الزواج من دون موافقة والديها لأهميتهما في حياة كل شخص. وتؤكد على حاجة أي امراة لأسرتها حتى بعد زواجها، خصوصاً في حال الطلاق، أو توفي الزوج، الأمر الذي يضع الزوجة أمام مواجهة صعبة مع ظروف الحياة القاسية.
وتوضح عبد الرحيم لـ "العربي الجديد" أن المرأة التي تتزوج بمفردها وبعيداً عن والدها ووالدتها، وهما أكثر الناس معرفة بمصلحتها، ستفقد ثقة حتى الشخص الذي تزوجته، لأنه سيدرك أنها تخلت عن أقرب الناس إليها، وربما يأتي يوم تتخلى فيه عنه، مشيرة إلى أن الذين يشجعون الفتاة على موقفها مطلقين شعارات حقوق المرأة، تناسوا أن حقوق الوالدين تعلو على كل الحقوق.

إلى ذلك، يقول المحامي أبو بكر عبد الرازق إنه يجب تعديل القوانين السودانية وإعطاء الولاية الكاملة للمرأة لتزويج نفسها، وعدم ترك المجال للأسرة للاعتراض، مشيراً إلى أن التشريعات في ما مضى كانت تعطي المرأة هذا الحق. إلا أن الحروب القبلية التي اشتعلت نتيجة زواج فتيات بعيداً عن عائلاتهن، دفع المشرعون إلى إعطاء الولاية للأب. يتابع أن قانون الأحوال الشخصية في عام 1991 أعاد الولاية للمرأة مرة أخرى، لكنه منح الوالد حق الاعتراض على الزوج لعدم الكفاءة. وعدم الكفاءة بموجب القانون، يرتبط بالدين والأخلاق، مؤكداً أنه من الصعب على أي والد إثبات عدم الكفاءة في المحاكم.
ويشدد في حديثه لـ "العربي الجديد" على أهمية تعديل القانون، لتكون المرأة صاحبة القرار في زواجها، وتكريس الحرية والحوار بين الأبناء والآباء داخل العائلات، ما يساهم في الحفاظ على تماسك العائلة والمجتمع.

المساهمون