سكان أصليون يحاولون التصالح مع المتنزّهات الوطنية في أميركا

13 مايو 2024
كانت المتنزّهات الوطنية جزءاً من أراضي أجداد السكان الأصليين (جاكوب بورزيخي/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المتنزهات الوطنية الأميركية، التي كانت أراضي السكان الأصليين، تشهد محاولات لبلسمة الجروح التاريخية من خلال توظيف أفراد من هذه المجموعات، مثل رايشون رامون من "توهونو أودهام".
- تحسينات في خدمة المتنزهات الوطنية تشمل تعيين أميركي من السكان الأصليين مديرًا لأول مرة في 2021، وتأكيد على إعلام الزوار بالتاريخ الحقيقي للاستيلاء على هذه الأراضي.
- تعزيز الشراكات بين السكان الأصليين وخدمة المتنزهات مع وجود 80 اتفاقية للإدارة المشتركة، وجهود لتحسين قرارات الحفظ بناءً على المعارف القديمة وتعزيز الوعي بتاريخ السكان الأصليين.

بعدما كانت المتنزّهات الوطنية الأميركية، التي تحظى بشعبية واسعة لدى الأميركيين والسياح الأجانب، جزءاً من أراضي أجداد السكان الأصليين الذين إما طُردوا منها أو أُجبروا على التنازل عنها، يحاول أعضاء من المجموعات الأصلية راهناً العمل في هذه المرافق الطبيعية لـ"بلسمة جراح تاريخية عميقة".

كان رايشون رامون متردداً عندما ارتدى للمرة الأولى الزي الأخضر والرمادي الخاص بحراس المتنزّهات الوطنية الأميركية. في البداية، لم يرغب الرجل المنتمي إلى مجموعة "توهونو أودهام" الأميركية الأصلية "التحدّث كثيراً" عن وظيفته الجديدة في متنزّه ساغوارو الوطني في ولاية أريزونا. ويقول الشاب البالغ من العمر 28 عاماً: "كنت خائفاً مما قد يفكّر فيه شعبي بشأني. فما السبب الذي يدفعني للعمل في مكان تسبّب لنا بألم كبير؟". وقبل أن تصبح هذه المساحات الشاسعة متنزّهات وطنية، كانت جزءاً من أراضي الشعوب الأصلية. لكن منذ القرن التاسع عشر، طُرد هؤلاء من الأراضي أو أُجبروا على التنازل عنها بموجب معاهدات ذات بنود من السهل خرقها.

من تاريخ السكان الأصليين

رايشون رامون هو أول فرد من مجموعة "توهونو أودهام" يعمل حارساً لمتنزّه ساغوار، الذي كان مملوكاً تاريخياً لهذه القبيلة. ويقول وهو يجلس بين نباتات صبار، إنه ارتاح عندما فرح أعضاء مجموعته بعد إدراكهم أنّ "شخصاً يشبههم" تبوّأ هذا المنصب أخيراً. وبعدما كان يشعر في السابق بأنّه "غير مرحب به"، بات يرى نفسه اليوم بمثابة "صلة وصل" بين المتنزّه ومجموعته. ويقول إنها "مسؤولية كبيرة".

وتعكس مسيرته التغييرات التي تحدث ببطء في خدمة المتنزّهات الوطنية (NPS) لتحسين علاقاتها مع السكان الأصليين. وللمرة الأولى منذ عام 2021، عُيّن أميركي من السكان الأصليين مديراً لهذه الإدارة المسؤولة عن المتنزّهات الوطنية، في مؤشر قوي لمحاولة بلسمة جروح تاريخية عميقة.

ويقول مايك توريك، مؤلف أحد الكتب النادرة التي تتناول هذا الموضوع: "ينبغي إعلام زوّار المتنزّهات بأنّ هذه المرافق البيئية كانت مساحات خاصة بالأميركيين الأصليين". يضيف: "الاستيلاء على هذه الأراضي تخللته أعمال عنف، ثم قُيّدت إتاحتها للسكان الأصليين".

وفي يلووستون، أول متنزّه أنشئ عام 1872، يؤكد المسؤولون عنه أن الأميركيين الأصليين لم يدخلوه قط. ويعلّق الخبير أن هذا الحديث "يقلل من أهمية تاريخ المتنزّهات". وفي أماكن أخرى، كانت المواجهة مع المستوطنين دموية. قبل إنشاء متنزّه يوسيميتي الوطني، تعرّض الأميركيون الأصليون للطرد أو القتل. وراهناً، يُعدّ الاستخدام التقليدي للأراضي من هذه المجموعات إحدى نقاط الخلاف الرئيسية. وتتذكر جاسيل رامون ـ ساوبيران المنتمية إلى مجموعة "توهونو أودهام"، كيف كان موظفو "ساغوارو بارك" يعاملونهم، إذ كانوا يصرخون في وجهها عندما كانت ترتاد المتنزّه وهي طفلة لقطف ثمار الصبار الشهيرة.

وتقول أمام أحد المخيمات على أطراف المتنزّه إن التقليد المرتبط بهذه الثمار يعود إلى زمن بعيد، إذ يتم استخدام الشراب المحضّر من الفاكهة خلال الاحتفالات أو كدواء. وتشير هذه المتخصصة في الدراسات المتعلقة بالأميركيين الأصليين، إلى أنّ خدمة المتنزّهات الوطنية حاولت في منتصف القرن الفائت حظر هذه المحاصيل بشكل نهائي. أما اليوم، فيتعيّن على الراغب في زراعتها الحصول على موافقة من السلطات.

وتقول المرأة البالغة 35 عاماً: "لم تكن العلاقة بين المتنزّه وتوهونو أودهام جيدة دائماً، لكنّها تحسنت خلال المرحلة الأخيرة. نحن نسير في الاتجاه الصحيح لأن نصبح شركاء".

وعام 2021، دافع المؤلف الأميركي المنتمي للسكان الأصليين ديفيد ترور عن فكرة صادمة في مجلة "ذي أتلانتك"، تتمثل في "إعادة المتنزّهات إلى السكان الأصليين"، مشيراً إلى أنّ ذلك "يمثل خطوة رمزية كبيرة تعيد لهم كرامتهم".

ويؤيد المدير الجديد لخدمة المتنزّهات الوطنية تشاك سامز تطوير الشراكات بين الطرفين. وثمة حالياً 80 اتفاقية تُعنى بالإدارة المشتركة للمتنزّهات بين خدمة المتنزّهات الوطنية، المسؤولة عن أكثر من 400 موقع في مختلف أنحاء البلاد، وبعض المجموعات الأصلية من بين أكثر من 500 قبيلة أميركية أصلية.

وفي شمال مونتانا، تشارك تيرمين إدمو في برنامج "نايتيف أميركا سبيكس" الذي يسمح كل صيف لمحمية بلاكفيت رواية تاريخها لزوّار الحديقة الوطنية الجليدية (متنزّه غلايشر الوطني). وتشير إلى أنّ مسؤولي المتنزّه يحاولون "العمل معنا" بطريقة لم تحدث من قبل. لكن هذه المرأة البالغة 35 عاماً تستخدم عبارات قاسية ضد مَن يديرون هذه الأراضي "المسروقة" من شعبها.

تهدف مبادئ توجيهية لعام 2022 إلى تعزيز اتفاقيات التعاون التي ينبغي أن تؤدي إلى "الاعتراف بوجود جروح عميقة يُؤمَل شفاء بعضها"، بحسب سامز. وترمي أيضاً إلى اتخاذ قرارات أفضل مرتبطة بحفظ المتنزّهات، استناداً إلى المعارف القديمة للسكان الأصليين. ومن شأن زيادة توظيف الأميركيين الأصليين أن تساعد في إحداث فرق. فمن بين نحو 20 ألف موظف في خدمة المتنزّهات الوطنية، نحو 2.5% هم من السكان الأصليين، فيما تقرّ السلطات بأنّ هذا الرقم "منخفض بشكل ملحوظ". ويرغب رايشون رامون في البدء بتثبيت لوحات تفيد ببعض المعلومات عن السكان الأصليين. ويقول: "يسألني الزوار: ماذا حدث للأشخاص الذين كانوا يعيشون هنا؟ أبتسم وأقول لهم ما زالوا هنا، لأنّني أنا هنا".

(فرانس برس)

المساهمون