استمع إلى الملخص
- الفلسطيني رضوان عدوان استغل الفرصة لإصلاح قبر والده المدمر، بينما والدته زينة تتلو القرآن وتبكي على الأيام التي مرت دون زيارة زوجها، في حين يبحث آخرون عن قبور أحبائهم بين الأنقاض.
- شهد مخيم اليرموك معارك عنيفة منذ 2012، مما أدى إلى أزمة إنسانية وفرار السكان، وعاد عدد محدود منهم بعد طرد داعش في 2018 وسط دمار ونقص في الخدمات.
مع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الجاري، بدأت الحياة تتدفق من جديد إلى "مقبرة الشهداء" الواقعة في مخيم اليرموك بالعاصمة السورية دمشق، حيث بدا الأهالي في العودة إلى المخيم وتفقد منازلهم وقبور ذويهم، والتي كانت محرمة على الأهالي منذ استعاد جيش النظام السوري السيطرة على المخيم في العام 2018.
تبدو معظم قبور "مقبرة الشهداء" بدون شواهد أو بعضها مكسرة، بينما احتفظ بعضها بشواهد كتبت عليها أسماء الموتى وتواريخ وفاتهم. يقابلها ساحة يلفها الدمار كانت في ما مضى حديقة تضمّ ألعابا، بينما يقابلك في الطريق إلى المقبرة أطفال حفاة وبملابس رثة يلعبون ببقايا أراجيح معدنية.
وعلى غرار كثر، استغلّ الفلسطيني رضوان عدوان (45 عاما) سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول ليدخل المقبرة. يحمل عدوان أحجارا بيدَيه ويكدّسها في محاولة منه لإصلاح قبر والده المدمّر الذي يزوره للمرة الأولى منذ سبع سنوات. ويقول الرجل المقيم حاليا في بلدة قدسيا قرب دمشق "لولا سقوط النظام، لما تمكنا من زيارة قبر والدي مرة أخرى". مضيفا فيما لملم أحجارا كبيرة من المقبرة ووضعها بشكل مستطيل لإعادة القبر إلى ما كان عليه "وصلنا ولم يكن هناك أثر للقبر، ونعيد تأسيسه الآن".
إلى جانب رضوان، جلست زينة (70 عاما) والدته على كرسي معدني صغير، تتلو القرآن على روح زوجها، وتبكي بحرقة على "كل الأيام التي مرت بدون أن تتمكن من زيارته". قائلة "هذه المرة الأولى التي أزور فيها قبر زوجي منذ سبع سنوات وقد جفت دموعي لهذه اللحظة (...) كل شيء تغيّر هنا لكن لا أزال أحفظ جيدا مكان قبره".
وبينما كان عدد من الرجال والشباب يبحثون عما تبقى من قبور أحبائهم بين الدمار. يشير محمود بدوان (60 عاما) بيديه اللتين اتسختا بالتراب وهو ينبش بين الأنقاض قائلا "هنا كان قبر والدي، وهناك قبر عمي، وهنا خالي". مضيفا "لم يسلم من نظام الأسد الأحياء ولا الأموات، انظر إلى الركام كيف غطى كل المقابر، لم يسلم أحد".
اتكأت أمينة منوّر (48 عاما) على جدار متشقق من بقايا منزلها المدمر الذي جاءت لتفقده بعد نحو أسبوع على سقوط بشار الأسد، وهي تطيل النظر في الأشخاص الذين يبحثون عن أقاربهم، قائلة "لديّ أمل كبير بإعادة إعمار المخيم بعد سقوط النظام، لديّ أمل بمستقبل أفضل"، مضيفة "فرحنا كثيرا بسقوط النظام، لكن فرحتنا ناقصة، لأنه لدينا معتقلين لم نعرف عنهم شيئا بعد". وبينما تشرب أمينة الماء من قارورة جلبتها معها، تقدم الماء لأولئك الذين يصلون بعد عناء إلى المقبرة ويلهثون عطشا. ومن بين هؤلاء من ينظر في هاتفه إلى صورة القبر الذي يبحث عنه ويحاول أن يطابق الصورة مع الواقع في أرض تحولت إلى ركام.
وفرّ آلاف الفلسطينيين من مخيم اليرموك في العام 2012، مع وصول المعارك إليه إثر سيطرة فصائل معارضة عليه ثمّ حصاره من القوات الحكومية، وكان يسكنه قبل اندلاع الصراع 160 ألف لاجئ فلسطيني بالإضافة إلى آلاف السوريين. وفي العام 2015، تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من التسلّل إليه، وتسبّبت المعارك بأزمة إنسانية خانقة وبفرار العدد الأكبر من سكانه وسقوط ضحايا، قبل طرد داعش منه في مايو/أيار 2018.
وعاد عدد محدود من سكان المخيم إلى منازلهم التي لا تزال صالحة للسكن وسط منطقة مدمرة بشكل كامل وتعاني نقصا شديدا في الخدمات. إلا أن العدد الأكبر ما زال خارج المنطقة التي شهدت أعنف المعارك خلال السنوات الأولى للصراع السوري، وطاولها قصف جوي ومدفعي عنيف خلال معارك دارت بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة وعناصر تابعين لـ"داعش".
(فرانس برس، العربي الجديد)