ارتفع في السنوات الأخيرة عدد المعتقلين المتوفين بسبب تأخر وصول العلاج، وبطء التدخلات الطبية العاجلة في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية بمصر، وترافق ذلك مع تزايد شكاوى أسر هؤلاء المعتقلين من الإهمال الطبي لذويهم.
وبين الأمثلة الكثيرة للإهمال الطبي التي توردها منظمات حقوقية، عائشة خيرت الشاطر، ابنة القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين"، خيرت الشاطر، التي تعاني حالياً من مضاعفات صحية سلبية ترتبط باضطرابات في نسيج النخاع العظمي أدى إلى نقص حاد في خلايا الدم في جسمها.
كذلك تتكرر إصابات السياسي البارز رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، بنوبات قلب تنحصر أساليب الاستجابة الطبية لها في تزويده بأقراص توضع تحت اللسان. وهو يعاني أيضاً من أمراض مزمنة عدة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ومشاكل في البروستات، وأصيب بانزلاق غضروفي في عموده الفقري خلال وجوده في السجن، وبالتهابات في المسالك البولية، وبمغص مؤلم للغاية بسبب وجود حصوات في الكلى والمثانة. وعرضت عائلته مرات تغطية نفقات حصوله على الخدمات الطبية المطلوبة وخضوعه لعمليات جراحية، لكنها لم تستجاب حتى الآن.
إهمال طبي
بدوره، يتعرض الباحث والصحافي حمد أبو زيد الطنوبي، المحكوم بالسجن عشرة أعوام بتهمة نشر أخبار وأسرار عسكرية، إلى إهمال طبي جسيم في السجن، وبات مهدداً بفقدان البصر في محبسه بسبب عدم خضوعه لعملية مياه زرقاء التي قد يتسبب عدم إجرائها بعمى نهائي.
وفي الفترة الأخيرة، أطلقت أسرة السجين السياسي جهاد عبد الغني الذي يقبع في سجن الزقازيق منذ سبتمبر/ أيلول 2015 نداء استغاثة للتدخل من أجل إنقاذ حياته عبر السماح بخروجه لإجراء جراحة طارئة مقررة له، وهو ما لم تسمح به إدارة السجن.
وقبل أيام، أصيب الأمين العام السابق لنقابة المهندسين الوزير السابق للتنمية المحلية، محمد علي بشر، بجلطة في المخ استدعت نقله من السجن إلى مستشفى القصر العيني، حيث أُجريت له جراحة وأبقي في مستشفى سجن الاستقبال لاستكمال علاجه من دون أن تعلم أسرته التي طالبت بالإفراج عنه لضمان علاجه في شكل لائق.
وبالطبع لا يعاني سجناء سياسيون فقط من الإهمال الطبي في السجون، إذ كشفت منظمات حقوقية أخيراً تدهور الحال الصحية للسجينة مها عثمان المصابة باضطرابات في عمل القلب تشمل عدم انتظام الدقات وانسداد الشرايين، ومشاكل في الأوعية الدموية. وأكد طبيب السجن ضرورة خضوعها لكشف طبي في أسرع وقت خارج مستشفى المعتقل، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة لحالتها التي تستدعي تحاليل وصور أشعة لا يوفر مستشفى السجن الأجهزة المطلوبة لتنفيذها، علماً أنه أشار إلى أنه اكتفى بتقديم وصفات مسكنات غير كافية لحالتها.
تخطّ للمواثيق
وهكذا يتضح جلياً أن الإهمال الطبي الحاد في السجون المصرية يتخطى كل المواثيق القانونية والحقوقية، علماً أن المادة 18 من الدستور المصري تورد أنه "من حق كل مواطن الحصول على رعاية صحية متكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها إلى الشعب ودعمها، والعمل لرفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل". أما البند رقم 24 من القواعد النموذجية للأمم المتحدة الخاصة بمعاملة السجناء والمعروفة بـ "قواعد نلسون مانديلا (السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي اعتقل 27 عاماً قبل أن يحرر ويتولى منصب رئيس بلاده بين عامي 1994 و1999)"، فتفيد بأنّ "الدولة تتولى مسؤولية توفير الرعاية الصحية المناسبة للسجناء الذين يجب أن يحصلوا على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاحة في المجتمع، ويملكوا حق الحصول على الخدمات الصحية الضرورية مجاناً، ومن دون تمييز استناداً إلى وضعهم القانوني". أيضاً ينص البند 27 من "قواعد نلسون مانديلا" على "ضرورة أن "تكفل كل السجون الحصول فوراً على رعاية طبية في الحالات العاجلة. أما السجناء الذين تتطلَّب حالاتهم عناية متخصصة أو جراحة فينقلون إلى مؤسسات صحية أو مستشفيات مدنية".
شكاوى كثيرة
وتكثر الشكاوى التي يقدمها ذوو المعتقلين أمام النيابة العامة في مصر، المسؤولة الأول عن مراقبة السجون والإشراف عليها، وكذلك مصلحة السجون المصرية، ومجلس الوزراء والمجلس القومي لحقوق الإنسان. ويجب أن تحمل الشكاوى المقدمة بيانات تتضمن اسم السجين ومكان احتجازه، وأسباب الشكوى والإجراءات التي يطلب اتخاذها مثل إدخال أدوية وتنفيذ صور أشعة، وإجراء عمليات جراحية.
وفي حال عدم الرد على الشكوى يجب أن ترفع أسرة السجين دعوى قضائية أمام مجلس الدولة للطعن بالقرار السلبي الصادر بمنع تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمسجون، والمطالبة بإلزام وزير الداخلية تنفيذه. ويسمع بتقديم الشكاوى مرات حتى الاستجابة لها، مع استمرار التواصل مع محامي المحتجز، واستشارته في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، إضافة إلى تكرارها من أجل انتزاع الحق في العلاج والدواء، وعدم ترك السجين لمصير مجهول.
وفي تقرير حديث لها، رصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان غياب الرعاية الصحية في مقار الاحتجاز الرسمية، حيث تبين أن الأطباء في السجون لا ينفذون كل المهمات التي يجب أن يؤدونها بحسب القانون. وأفادت معلومات رصدتها الجبهة بأن غالبية السجون في مصر لا يتواجد فيها أطباء أو مسعفون يناوبون في الليل، ويملكون كل قدرات التعامل مع الحالات الطارئة. وهم لا يحضرون إلا يومين في الأسبوع على الأكثر، وحتى عندما يحصل ذلك لا يمكثون في السجن إلّا ساعتين أو ثلاث لا تكفي لمعاينة كل المحتجزين المحتاجين للكشف الطبي. ولم تشر أي من شهادات المحتجزين السابقين إلى أنّ أي جهة كانت تشرف على أداء الأطباء والتزامهم بمواعيدهم.